Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 102-102)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " لأكْثَرِهِمْ " فيه وجوه : الظَّاهِرُ أنَّهُ متعلقٌ بالوجْدانِ كقولك : ما وجدتُ له مالاً أي : ما صَادَفْتُ له مالاً ولا لقيته . الثاني : أن يكون حالاً من " عهد " ؛ لأنَّهُ في الأصل صفة نكرةٍ فلما قُدِّم عليها نُصب على الحال ، والأصْلُ : ما وجدنا عهداً لأكثرهم ، وهذا ما لم يذكر أبُو البقاءِ غيره . وعلى هذين الوجهين فـ " وَجَدَ " متعدِّية لواحد وهو " من عَهْدٍ " ، و " منْ " مزيدةٌ فيه لوجود الشرطين . الثالث : أنَّهُ في محلِّ نصب مفعولاً ثانياً لوجَدَ إذ هي بمعنى علمية ، والمفعول هو " مِنْ عَهْدٍ " . وقد يترجَّحُ هذا بأنَّ " وَجَدَ " الثانية علمية لا وجدانيَّة بمعنى الإصابة ، وسيأتي دليل ذلك . وإذا تقرَّر هذا فينبغي أن تكون الأولى كذلك مطابقة للكلام ومناسبة له ، ومن يرجّح الأوَّل يقولُ : إنَّ الأولى لمعنى ، والثَّانية لمعنى آخر . فصل في معنى الآية قال ابن عباس : يريدُ : وما وجدنا لأكثرهم من عهد ، الوفاء بالعهد الذي عاهدهم عليه وهم في صلب آدم حيث قال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] . وقال ابن مَسْعُودٍ : " المرادُ بالمعهد هاهنا الإيمان ، لقوله تعالى : { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [ مريم : 87 ] أي قال : لا إله إلا الله " . وقيل : المرادُ بالعهدِ وضع الأدلَّةِ على صِحَّةِ التَّوحيد والنَّبوةِ [ تقديره : ] وما وجدنا لأكثرهم من الوفاءِ بالعهد . قوله : " وَإنْ وَجَدْنَا " " إنْ " هذه هي المخفَّفةُ وليس هنا عاملة لمباشرتها الفعل فَزَالَ اختصاصُهَا المُقْتَضِي لإعمالها . وقال الزَّمخشريُّ : " وإنَّ الشَّأن والحديث وجدنا " . فظاهِرُ هذه العبارة أنَّها مُعْملَة ، وأنَّ اسمها ضميرُ الأمر والشَّأن ، وقد صرَّحَ أبُو البقاءِ هنا بأنَّها معملةٌ ، وأن اسمها محذوف ، إلا أنَّهُ لم يقدِّره ضمير الحديث بل غيره فقال : " واسمها محذوفٌ أي : إنَّا وَجَدْنَا " . وهذا مذهب النَّحويين أعني اعتقاد إعمال المخفَّف من هذه الحروف في " أن " المفتوحة على الصَّحيح ، وفي " كأن " التَّشبيهية ، وأمَّا " إنْ " المخففة المكسورة فلا . وقد تقدَّم إيضاحه . ووجدنا هنا متعدية لاثنين أولهما " أكْثَرَهُم " ، والثاني " لفاسقين " ، قال الزمخشريُّ : والوجود بمعنى العلم من قولك : وجدتُ زيداً ذا الحفاظ بدليل دخول " إنْ " المخفَّفة ، واللاَّم الفارقة ولا يسوغ ذلك إلاَّ في المبتدأ والخبر والأفعالِ الدَّاخلة عليهما يعني أنها مختصة بالابتداء ، وبالأفعال النَّاسخِة له ، وهذا مذهبُ الجُمْهُورِ ، وقد تقدَّم الخلافُ عن الأخْفَشِ أنَّهُ يجوزُ على غيرها ، وتقدَّم دليله على ذلك ، واللاَّمُ فارقة وقيل : هي عوض من التَّشديد . قال مَكيٌّ : " ولزمت اللاَّمُ في خبرها عوضاً من التشديد والمحذوف الأوَّلِ " ، وقد تقدَّم أنَّ بعض الكوفيين يجعلون " إن " نافية ، واللاَّم بمعنى " إلاَّ " في قوله تعالى : { وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً } [ البقرة : 143 ] . ومعنى فاسقين خارجين عن الطَّاعةِ ، مارقين عن الدِّينِ ، وقيل : ناقضين العَهْدَ . وقوله : " لأكْثَرهُم " ، و " أكْثَرهُم " ، و " من بعدهم " : إنْ جعلنا هذه الضَّمائر كلَّها للأمم السَّالِفَةِ فلا اعتراضَ ، وإن جعلنا الضَّمير في " لأكثرهُم " و " أكْثَرهُمْ " لعموم النَّاسِ والضَّمير في " من بعدهم " للأمم السَّالِفَةِ كانت هذه الجملة - أعني ما وجدنا - اعتراضاً كذلك قاله الزمخشريُّ ، وفيه نظر ؛ لأنَّهُ إذا كان الأوَّلُ عاماً ثم ذكر شيء يندرجُ فيه ما بعده وما قبله كيف يُجْعل ذلك العامُّ معترضاً بين الخاصين . وأيضاً ، فالنَّحْويُّون إنما يعرفون الاعتراض فيما اعترض به بين متلازمين ، إلاَّ أنَّ أهل البيان عندهم الاعتراض أعمُّ من ذلك ، حتَّى إذا أتي بشيء بين شيئين مذكورَيْنِ في قصَّةٍ واحدة سَمَّوه اعتراضاً .