Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 104-106)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان يُقَالُ لمُلُوكِ مصر الفراعِنَة ، كما يقال لملوك فارس الأكَاسِرَة ، فكأنه قال : يا مَلِكَ [ مصر ] وكان اسمه قابوس وقيل : الوليدُ بْنُ مُصْعبِ بْنِ الرَّيَّان . وقوله : { رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } يدلُّ على وجود الإله تعالى ، فإنَّهُ يدلُّ على أنَّ للعالم ربٌّ يربيه ، وإله يوجده ويخلقه . قوله : " حَقِيقٌ " أي واجب { عَلَىٰ أَن لاَّ أَقُولَ } . قرأ العامة " على أنْ " بـ " عَلَى " التي هي حرف جر داخلة على أن وما في حيِّزها . ونافع قرأ " عليَّ " بـ " عَلَى " التي هي حرف جرّ داخلة على ياء المتكلِّم . فأما قراءة العامة ففيها سِتَّةٌ أوْجُهٍ ، ذكر الزَّمخشريُّ منها أربعة أوجه : قال رحمه الله : وفي المشهورةِ [ إشكال ] ، ولا يخلو من وجوده : أحدها : أن تكون مما قلب من الكلامِ كقوله : [ الطويل ] @ 2535 - … وتَشْقَى الرِّمَاحُ بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ @@ معناه : وتشقى الضياطرة بالرِّمَاحِ . قال أبُو حيَّان : " وأصحابنا يخصُّون القلب بالضَّرُورةِ ، فينبغي أن يُنزَّه القرآن عنه " . وللنَّاس فيه ثلاثةُ مذاهب : الجواز مطلقاً ، [ المنع مطلقاً ] ، التَّفصيل : بين أن يفيد معنًى بديعاً فيجوزُ ، أو لا فيمتنع ، وقد تقدَّم إيضاحه ، وسيأتي منه أمثلة أخر في القرآن العظيم . وعلى هذا الوجه تصيرُ هذه القراءة كَقِرَاءةِ نافع في المعنى ، إذ الأصلُ : قول الحق حقيق عليَّ ، فقلب اللفظ فصار : " أنَّا حقيق على قول الحقِّ " . قال : " والثاني : أن ما لزمك فقد لزمته ، فلمَّا كان قول الحقِّ حقيقاً عليه كان هو حقيقاً على قول الحقِّ أي لازماً له " . والثالث : أن يضمَّنَ حقيق معنى حريص كما ضمت " هيجّني " معنى ذكْرني في البيتِ المذكور في كتاب سيبويه وهو قوله : [ البسيط ] @ 2536 - إذَا تَغَنَّى الحَمَامُ الوُرْقُ هَيَّجَنِي وَلَوْ تَسَلَّيْتُ عَنْهَا أمَّ عَمَّارِ @@ الرابع : أن تكون " عَلَى " بمعنى " الباء " ، وبهذا الوجه قال أبو الحسن والفراء والفارسيُّ ، قالوا : إنَّ " على " بمعنى الباء كما أن الباء بمعنى " على " في قوله : { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ } [ الأعراف : 86 ] أي : على كلٍّ . وقال الفرَّاءُ : العرب تقول : رَمَيْتُ على القوس وبالقوس وجئتُ على حالٍ حسنة وبحال حسنة ، وتؤيده قراءة أبيّ والأعمش " حقيق بأن لا أقول " إلاَّ أنَّ الأخفش قال : " وليس ذلك بالمطَّرد لو قلت : " ذهبتُ على زيْدٍ " تريد : " بزيدٍ " لم يجز " ، وأيضاً فلأن مذهب البصريِّين عدم التجوُّزِ في الحُرُوفِ . الخامس : - وهو الأوجه والأدخل في نكت القرآن - أن يغرق موسى - عليه الصلاة والسلام - [ في وصف نفسه ] بالصِّدْق في ذلك المقام لا سيما وقد رُوِيَ أنَّ فرعون - لعنه الله - لمَّا قال موسى : إنِّي رسول من رب العالمين قال له : كذبت فيقول : أنا حقيقٌ على قول الحقِّ أي : واجب عليَّ قول الحقِّ أن أكون أنا قائله والقائم به ، ولا يَرْضى إلاَّ بمثلي ناطقاً به . قال أبُو حيَّان : ولا يصحُّ هذا الوجه إلاَّ إن عنى أنه يكون " أن لا أقُول " صفة له كما تقول : أنَا على قول الحقِّ أي : طريقتي وعادتي قول الحقّ . السادس : أن تكون " على " متعلقة بـ " رَسُول " . قال ابن مقسم : حقيقٌ من نعت " رَسُول " أي رسول حقيق من ربِّ العالمين أرْسِلْتُ على ألاَّ أقولَ على الله إلا الحقَّ ، وهذا معنى صحيح واضحٌ ، وقد غفل أكثرُ المفسرين من أرباب اللُّغَة عن تعليق " على " بـ " رسول " ، ولم يخطر لهم تعليقه إلاَّ بـ " حقيق " . قال أبُو حيَّان : وكلامه فيه تَنَاقضٌ في الظَّاهِرِ ؛ لأنَّهُ قدَّر أولاً العامل في " عَلَى " " أرسلت " وقال أخيراً : لأنهم غفلوا عن تَعْليق " على " بـ " رسول " ، فأمَّا هذا الأخير فلا يجوزُ عند البصريين ؛ لأنَّ رسولاً قد وُصِف قبل أن يأخذ معموله ، وذلك لا يَجُوزُ ، وأمَّا تعليقه بـ " أرسلت " مقدَّراً لدلالةِ لفظ " رَسُوله " عليه فهو تقديرٌ سائغ . ويتأوَّل كلامه أنَّه أراد بقوله تُعَلَّقُ " على " بـ " رسول " أنه لمَّا كان دالاًّ عليه صحَّ نسبة التَّعلق له . قال شهابُ الدِّين : " وقال أبُو شامَةَ بعد ما ذكر هذا الوجه عن ابن مقسم : والأوْجهُ الأربعةُ التي للزمخشريِّ ولكن هذه وجوهٌ متعسِّفةٌ ، وليس المعنى إلاَّ على ما ذكرته أوَّلاً ، يعني وجه ابن مقسم ، وهذا فيه الإشكال الذي ذكره الشيخ يعني أبا حيَّان يعني من إعمال اسم الفاعل أو الجاري مجراه وهو موصوفٌ " . وأمَّا قراءة نافع فواضحةٌ وفيها ثلاثةُ أوجُهٍ : أحدها : أن يكون الكلامُ قد تم عند قوله : " حقيق " ، و " عليَّ " خبر مقدَّمٌ ، " ألاَّ أقُولَ " مبتدأ مؤخر ، كأنَّهُ قيل : عليَّ عدم قول غير الحقِّ أي : فلا أقُولُ إلا الحقَّ . الثاني : أن يكون " حَقِيقٌ " خبراً مقدماً ، و " ألاَّ أقولَ " مبتدأ على ما تقدَّم بيانه . الثالث : " أن لا أقول " فاعلٌ بـ " حقيقٌ " كأنَّهُ قيل : يحقُّ ويجبُ أن لا أقول ، وهذا أغربُ الوُجُوهِ لوضُوحِهِ لفظاً ومعنى ، وعلى الوجهين الأخيرين تتعلَّق " عليَّ " بـ " حقيقٌ " لأنَّك تقول : " حقَّ عليهِ كذا " قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } [ الأحقاف : 18 ] . وعلى الوجْهِ الأوَّلِ يتعلَّق بمحذوف على ما تقرر . وأمّا رفع " حقيقٌ " فقد تقدَّم أنَّهُ يجوز أن يكون خَبَراً مقدَّماً ، ويجوز أن يكون صفةً لـ " رَسُول " ، وعلى هذا فيضعف أن يكون " مِنْ رب " صفةً لئلا يلزم تقديم الصفة غير الصّريحَة [ على الصَّريحة ] ، فينبغي أن يكون متعلّقاً بنفس " رَسُول " ، وتكون " مِنْ " لابتداء الغاية مجازاً . ويجوز أن يكون خبراً ثانياً . ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر على قراءة من شددَّ الياء ، وسوَّغَ الابتداء بالنكِرَةِ حينئذٍ تعلُّق الجارِّ بها . فقد تحصَّل في رفعه أربعة أوجُهٍ ، وهل هو بمعنى فاعل ، أو بمعنى مفعول ؟ الظَّاهِرُ أنَّهُ يحتمل الأمرين مُطْلَقاً ، أعني على قراءة نَافِعٍ وقراءة غيره . وقال الوَاحِدِيُّ نَاقِلاً عن غيره : إنَّهُ مع قراءةِ نافعٍ محتمل للأمرين ، ومع قراءة العامَّةِ بمعنى مفعول فإنَّهُ قال : " وحقيقق على هذا القراءةِ - يعني قراءة نَافِعٍ - يجوز أن يكون بمعنى فاعل " . قال شمرٌ : " تقولُ العربُ : حقَّ عليَّ أن أفعل كذا " . وقال الليثُ : " حقَّ الشَّيء معناه وجب ، ويحقُّ عليك أن تفعله ، وحقيق عليَّ أنْ أفعله ، فهذا بمعنى فاعلٍ " ثم قال : وقال اللَّيْثُ : وحقيقٌ بمعنى مفعول ، وعلى هذا تَقُولُ : فلان محقوقٌ عليه أن يفعل . قال الأعشى : [ الطويل ] @ 2537 - لَمَحْقُوقَةٌ أنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ وَأنْ تَعْلَمِي أنَّ المُعَانَ مُوَفَّقْ @@ وقال جريرٌ : [ البسيط ] @ 2538 - … قَصِّرْ فَإنَّكَ بالتَّقْصيرِ مَحْقُوقُ @@ ثم قال : " وحقيقٌ على هذه القراءة - يعني قراءة العامَّة - بمعنى محقوق " انتهى . [ وقرأ أبَيٌّ " بأن لا أقُولَ " وهذه تقوي أنَّ " على " بمعنى الباء ] . وقرأ عبدُ الله والأعمشُ " ألاّ أقُولَ " دون حرف جرّ ، فاحتمل أن يكون ذلك الجارّ " على " كما هو قراءة العامَّةِ ، وأن يكون الجارُّ الباء كقراءة أبيّ المتقدمة . والحقُّ هو الثابت الدَّائِمُ ، والحقيق مبالغة فيه . قوله : " إلاَّ الحَقَّ " هذا استثناء مفرَّغٌ ، و " الحقُّ " يجوزُ أن يكون مفعولاً به ، لأنَّهُ يتضمن معنى جملة ، وأن يكون منصوباً على المصدر أي : القول الحقّ . قوله : { قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } يعني العَصَا واليد { فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي أطلق عنهم وخلِّهم يرجعون إلى الأرْضِ المقدَّسةِ ، وكان فرعونُ قد استخدمهم في الأعمال الشَّاقَّة ، فقال فرعونُ مجيباً له : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } والمعنى : إنْ كنت جئت من عند من أرْسَلَكَ بآيةٍ ؛ فأحضرها عندي لتصحَّ دعواك . فإن قيل قوله : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } جزاء واقع بين شرطين فكيف حمله ؟ والجوابُ : أنَّ هذا نظير قولك : إنْ دخلت الدَّارَ فأنت طالق إن كلمت زيداً ، وهاهنا المؤخر في اللَّفظ يكون مقدماً في المعنى ؛ كما سبق تقريره .