Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 111-111)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ } في هذه الكلمة هنا وفي " الشُّعراءِ " [ 36 ] ست قراءات في المشهور المتواتر ، ولا التفات إلى مَنْ أنكر بعضها ولا لمن أنكر على راويها . وضبط ذلك أنْ يقال : ثلاث مع الهَمْزِ وثلاث مع عدمه . فأمّا الثَّلاثُ التي مع الهمز فأولُها قراءة ابن كثير ، وهشام عن ابن عامر : أرجِئْهو بهمزة ساكنة ، وهاء متصلة بواو . والثانية : قراءة أبي عَمْرو : أرْجِئْهُ كما تقدَّم إلا أنَّه لم يصلها بواو . الثالثة : قراءة ابن ذكوان عن ابن عامر : أرْجِئْهِ بهمزة ساكنة وهاء مكسورة من غير صلة . وأمّا الثَّلاثُ التي بلا همزة فأوَّلهَا : قراءة الأخوين : " أرْجِهْ " بكسر الجيم وسكون الهاء وصلاً ووقفاً . الثانية : قراءة الكسائيِّ ، وورشٍ عن نافِعٍ : " أرْجِهِي " بهاء متصلة بياء . الثالثة : قراءة قالون بهاء مكسورة دون ياء . فأمّا ضمُّ الهاء وكسرها فقد عُرف مما تقدَّم . وأمَّا الهمزُ وعدمه فلغتان مشهورتان يقال : أرْجَأته وأرْجَيْتُه أي : أخَّرته ، وقد قرىء قوله تعالى : { تُرْجِي مَن تَشَآءُ } [ الأحزاب : 51 ] بالهَمْزِ وعدمه ، وهذا كقولم : تَوَضَّأتُ وتَوَضَّيْتُ ، وهل هما مادتان أصليتان أم المبدل فرع الهمز ؟ احتمالان . وقد طعن قَوْمٌ على قراءة ابن ذكوان فقال الفارسي : " ضم الهاء مع الهمز لا يجوز [ غيره ] ، ورواية ابن ذُكْوَان عن ابن عامر غلطٌ " . وقال ابنُ مُجَاهدٍ : " وهذا لا يجوزُ ؛ لأنَّ الهَاءَ لا تكسَرُ إلاَّ بعد كسرة أو ياء ساكنة " . وقال الحُوفِيُّ : " ومن القرَّاء مَنْ يكسر مع الهَمْزِ وليس بجيِّد " . وقال أبو البقاءِ : " ويُقْرأ بكسر الهاء مع الهمز وهو ضعيف ؛ لأنَّ الهمزة حرف صحيحٌ ساكنٌ ، فليس قبل الهاء ما يقتضي الكسر " . وقد اعتذر النَّاس عن هذه القراءة على سبيل التنازل بوجهين : أحدهما : أن الهَمْزَة ساكنةٌ والسَّاكن حاجزٌ غير حصين ، وله شواهدٌ [ مذكورة في موضعها ] ، فكأنَّ الهاء وليت الجيم المكسورة فلذلك كُسِرت . [ الثاني : أن الهمزة كثيراً ما يطرأ عليها التغيير وهي هنا في معرض أن تبدل ياء ساكنة لسكونها بعد كسره فكأنها وليت ياء ساكنة فلذلك كسرت ] . وقد اعترض أبُو شَامَةَ على هذين الجوابين بثلاثةِ أوجه : الأولُ : أنَّ الهمز حاجز معتدٌّ به بإجماع في { أَنبِئْهُم } [ البقرة : 33 ] ، { وَنَبِّئْهُمْ } [ القمر : 28 ] والحكم واحد في ضمير الجمع والمفرد فيما يرجع إلى الكَسْرِ والضمّ . الثاني : أنَّهُ كان يلزمه صلة الهاء ، إذ هي في حُكْم كأنها قد وليت الجيم . الثالث : أنَّ الهمز لو قلب يَاءً لكان الوَجْه المختارُ ضمّ الهاء مع صريح الياءِ نظراً إلى أنَّ أصلها همزة ، فما الظنُّ بمَنْ يكسر الهاء مع صريح الهَمزةِ . وسيأتي تحقيق ذلك في باب وقفِ حمزةَ وهشام ، فضمُّ الهَاء مع الهمزةِ هو الوَجْهُ . وقد استضعف أبُو البقاءِ قراءة ابن كثير وهشام فإنَّهُ قال : " وَأرْجِئْهُ " يقرأ بالهمزة وضمِّ الهاء من غير إشباع وهو الجيِّد ، وبالإشباع وهو ضَعِيفٌ ؛ لأنَّ الهاء خفيَّة ، فكأنَّ الواو التي بعدها تتلو الهمزة ، وهو قريبٌ من الجمع بين السَّاكنين ومن هاهنا ضَعْف قولهم : " عليهي مال " بالإشْبَاع . قال شهابُ الدِّينِ : وهذا التَّضْعيف ليس بشيء ؛ لأنَّهَا لغة ثابتة عن العَرَب ، أعني إشباع حركة الهاء بعد ساكن مطلقاً ، وقد تقدَّم أنَّ هذا أصل لابن كثير ليس مختصاً بهذه اللَّفْظَةِ ، بل قاعدته كلُّ هاء كناية بعد ساكن أنْ تُشْبع حركتها حتى تتولَّد منها حرف مدٍّ نحو : " منهو ، وعنهو ، وأرجِئْهو " إلاَّ قبل ساكن فإن المدَّ يُحذفُ لالتقاء الساكنين إلاَّ في موضع واحد رواه عنه البَزِّيُّ وهو { عَنْهُو تَّلَهَّىٰ } [ عبس : 10 ] بتشديد التَّاءِ ، ولذلك استضعف الزَّجَّاجُ قراءة الأخوين قال بعد ما أنشد قول الشَّاعر : [ الرجز ] @ 2539 - لَمَّا رَأى أنْ لا دَعَهْ وَلاَ شِبَعْ مَالَ إلَى أرْطَاةِ حِقْفٍ فَالطَجَعْ @@ " هذا شعرٌ لا يعرف قائله ولا هو بِشَيءٍ ، ولو قاله شاعر مذكور لقيل له : أخطأت ؛ لأنَّ الشَّاعر يجوز أن يخطىء مذهب لا يُعَرَّج عليه " . قال شهابُ الدِّين : " وقد تقدَّم أنَّ تسكين هاء الكناية لغة ثابتة ، وتقدَّم شواهدها ، فلا حاجةَ إلى الإعادة " . قوله : " وَأخَاهُ " الأحسنُ أن يكون نسقاً على الهاء في " أرْجِهْ " ويضعف نصبه على المعيَّة لإمكان النَّسق من غير ضعف لَفْظي ولا معنوي . قال عطاءٌ : " معنى أرْجِهْ أي أخّره " . وقيل : احبسه وأخاه ، وهو قول قتادة والكَلْبِيِّ ، وهذا ضعيف لوجهين : أحدهما : أنَّ الإرجاء في اللُّغَةِ هو التَّأخير لا الحبس . والثاني : أنَّ فرعونَ ما كان قادراً على حبس موسى بعد أنْ شاهد العصا فأشاروا عليه بتأخير أمره وترك التَّعَرُّضِ إليه بالقتل . قوله : { وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } . " فِي المَدَائِنِ " متعلق بـ " أرْسِلْ " ، و " حَاشِرينَ " مفعول به ، ومفعول " حَاشِرِين " محذوفة أي : حاشرين السَّحَرة ، بدليل ما بعده . و " المَدائِنُ " جمع مَدينَةٍ ، وفيها ثلاثةُ أقوال : أصحها : أنَّ وزنها فعيلة فميمها أصلية وياؤها زائدة مشتقة من مَدُنَ يَمْدُنُ مدوناً أي قام ، واستدلَّ لهذا القول بإطْبَاقِ القراء على همز مدائن كصحيفة وصحائف ، وسفينة وسفائن ، والياء إذا كانت زائدة في الواحد همزت في الجمع كقبائل وقبيلة ، وإذا كانت من نفس الكلمةِ لم تهمز نحو : معايش ومعيشة ، [ ولو كانت مفعلة لم تهمز نحو : مَعِيشَةٍ ومعايش ولأنَّهُم جمعوها أيضاً على مُدنٍ كقولهم سفينةٍ وسُفُنٍ وصُحُفٍ ] . قال أبُو حيَّان : " ويقطعُ بأنَّها فعيلة جمعهم لها على فعل قالوا : مدن كما قالوا صُحُفٌ في صحيفة " . قال شهابُ الدِّين : " قد قال الزجاجي : المدن في الحقيقةِ جمع المدين ، لأنَّ المدينة لا تُجْمَعُ على مُدُن ولكن على مدائن ومثل هذا سفن كأنهم جمعوا سفينة على سفين ثم جمعوه على سفن " ولا أدري ما حمله على جعل مدن جمع مدين ، ومدين جمع مدينة مع اطِّرادَ فُعُل على فَعِيلَةٍ لا بمعنى مفعولة ، اللهم إلا أن يكون قد لحظ في مدينة أنَّهَا فعيلة بمعنى مفعولة ؛ لأنَّ معنى المدينةِ أن يمدن فيها أي يقام ، ويُؤيِّدُ هذا ما سيأتي أنَّ مدينة وزنها في الأصْلِ مديونة عند بعضهم . القول الثاني : أن وزنها مفعلة من دَانَهُ يَدِينُهُ أي ساسه يَسُوسُهُ ، فمعنى مدينة أي مَمْلُوكَة ومسوسة أي مَسُوسٌ أهلها من دانهم ملكهم إذا سَاسَهُم ، وكان ينبغي أن يجمع على مداين بصريح الياء كمعايشَ في مشهور لُغَةِ العَرَبِ . الثالث : أن وزنها مفعولة ، وهو مَذْهَبُ المبرِّد قال : هي من دَانَهُ يَدينُهُ إذا ملكه وَقَهَرَهُ ، وإذا كان أصلها مديونة فاستثقَلُوا حركة الضَّمَّة على الياء فسكنوها ، ونقلوا حركتها إلى ما قبلها ، فاجتمع ساكنان : الواو والمزيدة الَّتي هي واو المفعول ، والياء التي هي من نفس الكلمة ، فحذفت الواو ؛ لأنَّها زائدة ، وحذف الزَّائد أولى من حذف الحرف الأصلي ، ثم كَسَرُوا الدَّال لتسليم الياء ، فلا تنقلب واواً لانضمام ما قبلها ، فتختلط ذوات الواو بذوات الياءِ ، وهكذا تقولُ في المبيع والمخيط والمكيل فلاَ ينقلب واواً لانضمام ما قبلها ذوات الواو ، والخلاف جارٍ في المحذوف ، هل هو الياء الأصليّة ؟ أو الواو الزائدة ؟ الأوَّلُ قول الأخْفَشِ ، والثَّاني قول المَازني ، وهو مذهب جماهير النُّحَاةِ . فصل في تعريف " المدينة " المدينةُ معروفةٌ ، وهي البُقعةُ المسورة المستولي عليها ملك وأرادَ مدائن صعيدِ مِصْرَ ، أي : أرسل إلى هذه المدائن رجالاً يحشرون إليك من فيها من السَّحرةِ ، وكان رؤساء السَّحرةِ بأقْصَى مدائن الصَّعيدِ . ونقل القاضي عن ابن عباس أنَّهُم كانوا سَبْعِينَ سَاحِراً سوى رئيسهم ، وكان الذي يعلمهم رجلين مَجُوسِيِّيْنِ من أهْلِ " نينوى " بلدة يونس - عليه الصَّلاة والسَّلام - ، وهي قرية بالموصل . قال ابن الخطيب : " وهذا النَّقْلُ مشكل ؛ لأنَّ المَجُوسَ أتباع زرادشت ، وزرادشت إنَّما جاء بعد مُوسى - عليه الصَّلاة والسَّلام " - .