Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 157-157)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ } في محلِّه أوجه : أحدها : الجر نعتاً لقوله { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [ الأعراف : 156 ] . الثاني : أنَّهُ بدلٌ منه . الثالث : أنَّهُ منصوبٌ على القطع . الرابع : أنَّهُ مرفوع على خبر مبتدأ مضمر وهو معنى القطع أيضاً . الخامس : أنه مبتدأ وفي الخبر حينئذٍ وجهان : أحدهما الجملةُ الفعليَّةُ من قوله : " يأمُرُهُم بالمَعْرُوفِ " . والثاني : الجملةُ الأسميَّةُ من قوله : { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ الأعراف : 8 ] ذكر ذلك أبُو البقاءِ ، وفيه ضعف بل مَنْعٌ كيف يجعل : " يَأمُرُهُم " خبراً وهو من تتمة وَصْفِ الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو على أنَّهُ معمولٌ للوجدان عند بعضهم ؟ كيف يجعل " أولئكَ هُمُ المفلِحُونَ " خبراً لهذا الموصول ؟ والموصولُ الثاني وهو قوله : { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } يطلبه خبراً ، لا يتبادَرُ الذهن إلى غيره ، ولو تبادر لم يكن مُعْتَبراً . قوله " الأمِّيَّ " العامَّةُ على ضمِّ الهمزة ، نسبةً إمَّا إلى الأمة وهي أمَّةُ العرب ؛ وذلك لأن العرب لا تحسب ولا تكتب ، ومنه الحديث " أنَّا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ " ، وإمَّا نسبةً إلى " الأمّ " وهو مصدر " أمَّ يَؤمُّ " أي : قصد يقصد ، والمعنى على هذا : أن النبيَّ الكريم مقصود لكل أحدٍ ، وفيه نظر ؛ لأنه كان ينبغي أن يقال : " الأَمِّيّ " بفتح الهمزة . وقد يقال : إنَّهُ من تغيير النَّسب ، وسيأتي أنَّ هذه قراءةٌ لبعضهم ، وإمَّا نسبةً إلى " أمِّ القرى " وهي مكة وإمَّا نسبةً إلى الأمّ ، فالأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب على حالةِ ولادته من أمه . وقرأ يعقوب الأَمِّيَّ بفتح الهمزة ، وخَرَّجهَا بعضُهُمْ ، على أنَّهُ من تَغْييرِ النَّسبِ ، كما قالوا في النَّسب إلى أمَيَّة : أموي ، وخرَّجها بعضُهم على أنَّهَا نسبةٌ إلى " الأَمِّ " وهو القصد ، أي الذي هو على القصْدِ والسَّدادِ ، وقد تقدم ذلك في القراءة الشهيرة ، فكل من القراءتين يحتملُ أن تكون مُغَيَّرَةً من الأخرى . قوله يَجِدُونَهُ الظَّاهرُ أنَّ هذه متعديةٌ لواحد ؛ لأنَّها اللُّقْيَة ، والتقدير : يَلْقونَهُ أي : يلقَوْنَ اسمه ونعته مَكْتُوباً ؛ لأنَّهُ بمعنى : وُجْدَانِ الضالَّة ، يكون مَكْتُوباً حالاً من الهاء في يَجِدُونَه . وقال أبُو عليِّ : " إنَّهَا متعدية لاثنين ، أوَّلهما : الهاءُ " . والثاني : " مَكْتُوباً " . قال " ولا بدّ من حذف هذا المضاف ، أعني قوله : ذكره ، أو اسمه " . قال سيبويه : " تقولُ إذا نظرت في هذا الكتاب : هذا عمرو ، وإنَّما المعنى هذا اسم عمرو ، وهذا ذِكْر عمرو وقال مجاهد وهذا يجوزُ على سعةِ الكلامِ " . قوله { عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ } . هذا الظَّرف ، وعديلُه كلاهما متعلِّقٌ بـ " يَجِدُونَ " ، ويجوزُ - وهو الأظهر - أن يتعلَّقا بـ " مَكْتُوباً " أي : كُتِبَ اسمُهُ ونَعْتُهُ عندهم في توراتهم وإنجيلهم . قوله يَأمُرُهُم فيه ستة أوجه : أحدها : أنَّهُ مستأنف ؛ فلا محلَّ له حينئذ ، وهو قول الزجاج . والثاني : أنَّهُ خبر لـ " الّذينَ " قاله أبُو البقاءِ : وقد ذُكِرَ ، أي : وقد ذكره فيه ثمَّة . الثالث : أنَّهُ منصوبٌ على الحال من الهاء في يَجِدُونَهُ ، ولا بدَّ من التَّجوز في ذلك ، بأن يُجْعَلَ حالاً مقدرة ، وقد منع أبو عليِّ أن يكون حالاً من هذا الضَّمير . قال : لأنَّ الضمير للاسم والذِّكْرِ ، والاسم والذِّكر لا يأمران يعني أن الكلام على حذف مضاف كما مر ؛ فإن تقديره : " يجدون اسمه ، أو ذكره " ، والذكر أو الاسم لا يأمران ، إنما يأمر المذكور والمسمَّى . الرابع : أنه حال من النَّبِيِّ . الخامس : أنَّهُ حال من الضَّمير المُسْتكِن في " مَكْتُوباً " . السادس : أنَّهُ مُفَسِّر لِـ " مَكْتُوباً " أي : لِمَا كُتِبَ ، قاله الفارسي . قال : كَمَا فَسَّرَ قوله { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ المائدة : 9 ] [ النور : 55 ] [ الفتح : 29 ] بقوله : { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [ المائدة : 9 ] ، وكما فسَّر المثل في قوله تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ } [ آل عمران : 59 ] بقوله : { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [ آل عمران : 59 ] . وقال الزَّجَّاجُ هنا : ويجوزُ أن يكون المعنى : يجدونه مكتوباً عندهم أنَّهُ يأمرهم بالمعروف وعلى هذا يكون الأمرُ بالمعروف ، وما ذُكِر معه من صفته التي ذُكِرت في الكتابين ، وقد استدرك أبُو علي هذه المقالة ، فقال : لا وجه لقوله : " يجدونه مكتوباً عندهم أنَّهُ يأمرهم بالمعروف " إن كان يعني أنَّ ذلك مرادٌ ؛ لأنَّهُ لا شيء يَدُلُّ على حذفه ، ولأنَّا لا نعلمهم أنهم صدقوا في شيء ، وتفسير الآية أنَّ " وجدت " فيها تتعدَّى لمفعولين فذكر نحو ما تقدم عنه . قال شهابُ الدِّينِ : وهذا الردُّ تحاملٌ منه عليه ؛ لأنَّهُ أراد تفسير المعنى وهو تفسير حسن . فصل لمَّا بيَّن صفة من تكتب له الرحمة في الدُّنيا والآخرة وهو أن يكون مُتقياً ويؤتي الزكاة ، ويؤمن بالآيات ، ضمّ إلى ذلك أن يكون مُتَّبِعاً للنبي { الأمِّي الذي يجدُونَهُ مكْتُوباً عندهُمْ في التَّوراةِ والإنجيلِ } واختلفوا في ذلك . فقال بعضهم : المراد باتباعه اعتقاد نبوته من حيث وجدوا صفته ولا يجوز أن يتبعوه في شرائعه قبل بعثته . وقيل في قوله : والإنجيل أن المراد وسيجدونه مكتوباً في الإنجيل ؛ لأنَّ من المُحَالِ أن يجدوه فيه قبل ما أنزل اللَّهُ الإنجيل . وقيل المراد بهم : مَنْ لَحِقَ من بني إسرائيل أيَّام الرسول - عليه الصلاة والسلام - فبيَّنَ تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا يكتب لهم رحمة الآخرة إلاَّ إذا اتبعوا الرسول الأمِّيَّ ، وهذا هو الأقرب ، لأن اتباعه قبل بعثته لا يمكن . ووصف هذا النبي بتسع صفات : الأولى : كونه رسولاً ، وهو في العُرفِ من أرسله اللَّهُ إلى الخلق لتبليغ التَّكاليف . الثانية : كونه نبيّاً ، وهو الرفيع القدر عند الله تعالى . والثالثة : كونه أميّاً . قال الزجاج : وهو الذي على صفة أمة العرب ، كما تقدم في قوله عليه السلام : " إنا أمَّة أمِّيَّةٌ لا نكتب ولا نحسب " . قال المحقِّقُون : وكونه أميّاً بهذا التفسير من جملة معجزاته وبيانه من وجوه : الأول : أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى مَنْظُوماً مرَّة بعد أخرى من غير تبديل ألفاظه ، ولا تغيير كلماته ، والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها ؛ فلا بد أن يزيد فيها ، وأن ينقص عنها بالقليل والكثير ، وهو - عليه الصلاة والسلام - مع أنه ما كان يكتبُ وما كان يقرأ يتلو كتاب الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير ، فكان ذلك من المعجزات وإليه الإشارة بقوله : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [ الأعلى : 6 ] . الثاني : لو كان يُحسِن القراءة والخَطَّ لكان مُتَّهما في القرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة كلَّما أتى به من غير تعلم ، ولا مطالعة ؛ فكان ذلك من المعجزات وهو المرادُ من قوله : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ العنكبوت : 48 ] الثالث : أن تعلَّم الخط شيء سهل فإن أقلَّ النَّاس ذكاء وفطنة يتعلمون الخطَّ بأهون سعي فعدم تعلمه يدلُّ على نقص عظيم في الهمم ، ثم إنَّهُ تعالى آتاه علوم الأولين والآخرين وما لم يصل إليه أحد من البشر ، ومع تلك القوة العظيمة والفهم جعله بحيثُ لم يتعلم الخط الذي يسهُل تعلمه على أقل الخلق عقلاً وفهماً ، فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادتين جارياً مجرى الجمع بين الضدين ، وذلك من الأمُورِ الخارقة للعادة وجارية مجرى المعجزات . الصفة الرابعة : قوله : { يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [ الأعراف : 157 ] وهذا يدُلُّ على أن نعته وصحة نبوته مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل ؛ لأنَّ ذلك لو لم يكن مكتوباً لكان ذكر هذا الكلام من أعظم المنفرات لليهود والنصارى عن قبول قوله ؛ لأنَّ الإصرار على الكذب من أعظم المنفّرات ، والعاقلُ لا يسعى فيما يوجب نقصان حاله ، وينفر النَّاس عن قبول قوله وإذا كان مذكوراً في التَّوراةِ والإنجيلِ كان معجزة له دالةً على صدقهِ . قال عطاءُ بنُ يسار : لقيتُ عبد الله بن عمرو بن العاصِ ، قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . قال : أجَلْ ، واللَّه إنَّه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } [ الأحزاب : 45 ] وحِرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي سمِّيْتُكَ المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخَّاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ، ويغفر ، ولن يقبضه حتى يقيم به الملَّة العَوْجَاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح بها أعْيُناً عُمْياً ، وآذاناً صُمّاً ، وقلوباً غُلْفاً . وعن كعب قال : إني أجدُ في التوراة مكتوباً محمد رسول الله لا فظّ ، ولا غليظ ، ولا سخّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحامدون ، يحمدون الله في كل منزل ، وعلى كلِّ نجد ، يأتزرُون على أنصافهم ، ويغضون أطرافهم ، صَفُّهُمْ في الصلاة وصفهم في القتال سواء ، مناديهم ينادي في جوِّ السماءِ ، لهم في جوف الليل دَويٌّ كدويِّ النحل ، مولده بمكَّة ، ومهاجره بطيبة ، ومُلْكُهُ بالشَّام . الصفة الخامسة : قوله : { يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ } أي : بالإيمان ، وقيل : الشَّريعة والسُّنة . قال عطاءٌ : بمكارم الأخلاق ، وخلع الأنداد ، وصلة الأرحام . السادسة : قوله { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي : عن الشرك . وقيل : ما لا يعرف في كل شريعة ولا سنَّةٍ . وقيل : المنكرُ عبادة الأوثان ، وقطع الأرحام . السابعة : قوله : { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ } . قيل : ما كانوا يُحَرِّمونه في الجاهليَّة : من البحيرة والسَّائبة والوصيلة والحامِ . قال ابنُ الخطيب : وهذا بعيد لوجهين : الأول : أنه على هذا التقدير تصير الآية ويحلُّ لهم المُحللات وهذا محضُ التكرير . والثاني : أنَّ على هذا التقدير تخرج الآية عن الفائدة ، لأنَّ لا ندري الأشياء التي أحلَّها اللَّهُ ما هي وكم هي ؟ . بل الواجب أن يكون المرادُ بالطَّيبات الأشياء المستطابة بحسب الطبع ؛ لأن تناولها يفسد اللَّذة والأصل في المنافع الحل فدلَّت هذه الآية على أنَّ الأصل في كلِّ ما تستطيبه النفس ويستلذه الطبع الحِلُّ إلاَّ بدليل منفصل . الصفة الثامنة - قوله { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } . قال عطاءٌ عن ابن عباس : يريد الميتة والدَّم وما ذكر في سورة المائدة إلى قوله : { ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ } [ المائدة : 3 ] . قال ابنُ الخطيب : وأقول ههنا : كل ما يستخبثه الطَّبع [ وتستقذره النفس كان تناوله سبباً للألم ، والأصل في المضار الحرمة ، فكان مقتضاه أن كل ما يستخبثه الطبع ] فالأصْلُ فيه الحُرمَةُ إلاَّ بدليلٍ منفصل ، وعلى هذا يحرم بيع الكلب ، قوله عليه الصلاة والسلام : " الكلبُ خبيثٌ ، وخَبيثٌ ثَمنُهُ " ، فدخل في قوله تعالى : { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } . الصفة التاسعة : قوله { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } . قرأ ابنُ عامر آصارهم بالجمع ، على صفة " أفْعَال " فانقلبت الهمزةُ التي هي فاء الكلمة ألفاً لسبقها بمثلها ، والباقُون بالإفرادِ . فمن جمع فباعتبار متعلِّقاته وأنواعه ، وهي كثيرة ، ومن أفْردَ ؛ فلأنه اسمُ جنسٍ . وقرأ بعضهم أَصْرَهُمْ بفتح الهمزةِ ، وبعضهم أُصْرَهُمْ بضِّمها . والإصْرُ : الثِّقلُ الذي يأصر صاحبه ، أي يحبسه من الحرَاك لثقله ، أي : إنَّ شريعة موسى كانت شديدةً ، وقد تقدَّم تفسيرُ هذه المادة في قوله تعالى : { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } [ البقرة : 286 ] والأغلالُ جمع غُلٍّ ، وهو هنا مثلٌ لِمَا كَلِّفُوهُ كقطع أثر البول ، وقتل النَّفس في التَّوبةِ ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وتتبع العروق من اللَّحم وجعلها الله أغلالاً ؛ لأنَّ التَّحريمَ يمنع من الفعل كما أنَّ الغل يمنع من الفعل . فصل وقيل : كانوا إذَا قاموا إلى الصَّلاة لبسوا المسوح ، وغلوا أيديهم إلى أعناقهم . وقد تقدم تفسير مادة " الغل " في آل عمران عند قوله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } [ 161 ] وهذه الآية تدلُّ على أنَّ الأصل في المضار ألا تكون مشروعة ؛ لأنَّ كلَّ ما كان ضرراً كان إصْراً وغلاًّ ، وهذا النص يقتضي عدم المشروعية ، كقوله : " لا ضرَرَ ولا ضِرارَ في الإسلامِ " وقول " بُعثِتُ بالحنيفيّة السَّمْحَةِ السَّهْلةِ " . فإن قيل : كيف عطف الأغلالَ وهو جمع على الإصْرِ وهو مفرد ؟ . فالجواب : أنَّ الأصل مصدر يقع على الكثير والقليلِ . قوله : { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ } . قال ابنُ عبَّاسٍ : يعني من اليهود وعَزَّرُوهُ يعني وقَّرره . قال الزمخشريُّ : أصلُ العزْر المَنْعُ ، ومنه التَّعزير ؛ لأنَّهُ يمنع من معاودة القبيح وتقدَّم تفسيرُ التعزير في المائدة ، والعَامَّةُ على التشديد وعَزَّرُوهُ . وقرأ الجحدريُّ وعيسى بن عمر ، وسليمان التيمي : بتخفيفها ، وجعفر بن محمد وعَزَّرُوهُ بزايين معجمتين . ونَصَرُوهُ أي على عَدُوِّهِ . { وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } وهو القرآن . وقيل : الهدى والبينات والرسالة . فصل قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى أنزلَ مَعَهُ وإنَّما أُنزِلَ مع جبريل ؟ . قلت : معناه أُنزل مع نُبوته ؛ لأنَّ استنباءهُ كان مَصْحُوباً بالقرآن مَشْفُوعاً به ، ويجوزُ أن يتعلَّق بـ " اتَّبَعُوا " أي واتَّبعوا القرآن المنزَّل مع اتِّباع النبي والعمل بسنته ، وبما أمَرَ به ونَهَى عنه أو اتبعُوا القرآنَ كما اتَّبعه مصاحبين له في اتِّباعه . يعني بهذا الوجه الأخير أنَّهُ حال من فاعل اتَّبَعُوا . وقيل : " مَعَ " بمعنى " عَلَى " أي : أُنْزِلَ عليه . وجوَّزَ أبُو حيان أن يكون معه ظَرْفاً في موضع الحال . قال : العامل فيها محذوفُ تقديره : أنزل كائناً معه ، وهي حالٌ مُقدَّرة كقوله : مَرَرْتُ برجلٍ معه صقرٌ صائداً به غداً ، فحالةُ الإنزال لم يكن معه ، لكنَّه صار معه بعدُ ، كما أنَّ الصيدَ لم يكن وقت المرور . ثُمَّ لمَّا ذكر تعالى هذه الصِّفات ، قال : { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي : الفائزونُ في الدُّنيا والآخرة .