Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 18-18)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فـ " مذؤوماً مَدْحُوراً " حالان من فاعل " اخرج " عند من يجيز تعدد الحال لذي حال واحدة ، ومَنْ لا يُجيز ذلك فـ " مَدْحُوراً " صفة لـ " مذؤوماً " أو هي حالٌ من الضَّمير في الجارِّ قَبْلَهَا ، فيكونُ الحالانِ مُتَدَاخِلَيْنِ . و " مَذْءُوماً مَدْحُوراً " اسما مفعول مِنْ : ذَأمَهُ وَدَحَرَهُ . فأمَّا ذَأمَهُ فيقالُ : بالهمز : ذَأمَه ، يَذْأمُهُ كرَأمَه يَرْأمُهُ ، وذَامَهُ يَذِيمُهُ كبَاعَه يَبِيعُهُ من غَيْر هَمْزٍ ، وعليه قولهم : " لنْ تَعْدَمَ الحَسْنَاءُ ذَاماً " يروى بهمزةٍ ساكنةٍ أو ألف ، وعلى اللُّغَةِ الثَّانية قول الشاعر : [ الطويل ] @ 2424 - تَبِعْتُك إذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أذِيمُهَا @@ فَمَصْدَرُ المَهمُوز : ذأمٌ كرَأس ، وأمَّا مصدر غير المهموز فَسُمِعَ فيه ذامٌ بألف ، وحكى ابْنُ الأنْبَارِيِّ فيه ذيماً كينعٍ قال : يقال : ذأمْتُ الرَّجُلَ أذْأمُه ، وذِمْتُه أذِيْمُه ذَيْماً ، وذَمَمْتُه أذُمُّه ذَمًّا بمعنًى ؛ وأنشد : [ الخفيف ] @ 2425 - وأقَامُوا حَتَّى أبِيرُوا جَمِيعاً فِي مقَامٍ وكُلُّهُمْ مَذْءُومُ @@ والذامَُّّ : العَيْبُ ومنه المثلُ المتقدِّمُ : " لن تَعْدَمَ الحَسْنَاءُ ذاماً " أي كُلُّ امرأة حسنة لا بدَّ أن يكون فيها عيب ما وقالوا : " أرَدْتَ أنْ تُذيمَهُ فمَدَهْتَهُ " أي : " تُعيُبُه فَمَدحْتَهُ " فأبدل الحاء هاء : وقيل : الذَّامُ : الاحتقارُ ، ذَأمْتُ الرجل : أي : احْتَقَرْتُهُ ، قاله الليثُ . وقيل : الذَّامُ الذَّمُّ ، قاله ابن قيتبة وابن الأنْبَاريِّ ؛ قال أمّيَّةُ : [ المتقارب ] @ 2426 - وَقَالَ لإبْلِيسَ رَبُّ العِبَادِ [ أن ] اخْرُجْ لَعِيناً دَحِيراً مَذُومَا @@ والجمهور على " مَذْءُوماً " بالهمز . وقرأ أبُو جَعْفَرٍ والأعمشُ والزُّهْرِيُّ " مَذُوْماً " بواوٍ واحدةٍ من دون همز وهي تَحْتَمِلُ وجهين : أحدهما - ولا ينبغي أن يُعْدَلَ عنه - أنَّهُ تَخْفِيف " مذؤوماً " في القراءةِ الشَّهيرةِ بأن أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الهَمْزَةِ على الذَّالِ السَّاكنة ، وحُذِفَت الهَمْزَةُ على القاعدةِ المُشْتَهِرَةِ في تَخْفيفٍ مثله ، فوزن الكلمة آل إلى " مَفُول " لحَذْفِ العَيْنِ . والثاني : أنَّ هذه القراءة مَأخُوذَةٌ من لغة مَنْ يَقُولُ : ذِمْتُه أذِيمُهُ كبِعْتُهُ أبِيعُهُ ، وكان من حقِّ اسم المَفْعُولِ في هذه اللُّغَةِ مَذِيمٌ كمبيع قالوا : إلا أنَّهُ أبْدِلَتِ الواوُ من اليَاءِ على حدِّ قولهم " مَكُولٌ " في " مَكِيلٍ " مع أنَّهُ من الكيل ومثلُ هذه القراءةِ في احْتِمالِ الوجهين قول أمَيَّةَ بْنِ أبي الصَّلْتِ في البيت المُتقدِّمِ أنشده الواحِديُّ على لغةِ " ذَامَهُ " بالألف " يَذِيمُهُ " بالياء ، ولَيْتَهُ جعله محتملاً للتَّخْفِيفِ من لُغَةِ الهَمْزِ . والدَّحْرُ : الطَّرْدُ والإبْعَادُ يقال : دَحَرَهُ ، يَدْحَرُهُ دَحْراً ، ودُحوراً ؛ ومنه : { وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً } [ الصافات : 9 ، 8 ] ؛ وقول أمَيَّةَ في البيت المتقدم " لَعِيناً دَحِيراً " . وقوله أيضاً : [ الكامل ] @ 2427 - وبإذْنِهِ سَجَدُوا لآدَمَ كُلُّهُمْ إلاَّ لَعِيناً خَاطِئاً مَدْحُوراً @@ وقال الآخرُ : [ الوافر ] @ 2428 - دَحَرْتُ بَنِي الحَصِيبِ إلى قَدِيدٍ وقَدْ كَانُوا ذَوِي أشَرٍ وفَخْرِ @@ [ قال ابن عباس : " مذءُوماً أي : ممقوتاً " . وقال قتادةُ : " مَذْءُوماً مدحوراً أي : ليعناً شقيّاً " . وقال الكَلْبِيُّ : " مَذموماً ملوماً مدحوراً مقصيّاً من الجنَّةِ ومن كُلِّ خَيْر " ] . قوله : " لَمَنْ تبعَكَ " في هذه " اللاَّمِ " وفي " من " وجهان : أظهرهما : أنَّ اللاَّمَ هي المُوطِّئَةُ لقسم مَحْذُوفٍ ، و " مَنْ " شَرْطيَّةٌ في محلِّ رفع بالابتداء ، و " لأملأنَّ " جواب القسم المَدْلُول عليه بلام التوْطِئَة ، وجوابُ الشَّرْطِ محذوفٌ لِسَدِّ جواب القَسَم مَسَدَّه . وقد تقدَّم إيضاحُ ذلك مراراً . والثاني : أنَّ اللاَّم لامُ الابتداء ، و " مَنْ " مَوْصُولَةٌ و " تَبِعَكَ " صلتها ، وهي في محلِّ رفع بالابتداء أيضاً ، و " لأمْلأنَّ " جوابُ قسمٍ محذوفٍ ، وذلك القَسَمُ المَحْذُوفُ ، وجوابُه في محلِّ رفع خبرٍ لهذا المُبْتَدَأ ، والتَّقْديرُ ، للّذي تبعك منهم ، واللَّهِ لأمْلأنَّ جَهَنَّم منكم . فإن قُلْتَ : أيْنَ العَائِدُ من الجملة القسمِيَّةِ الواقِعَةِ خبراً عن المبتدأ ؟ قلتُ : هو مُتَضَمَّنٌ في قوله " مِنْكُمْ " ؛ لأنَّهُ لمَّا اجتمع ضَمِيراً غَيْبَةٍ وخطابٍ غلب الخطابُ على ما عُرفَ . وفَتْحُ اللاَّم هو قراءةُ العامَّة . وقرأ عَاصِمٌ في رواية أبي بكر من بعض طرقه والجَحْدَرِيُّ : " لِمَنْ " بكسرها ، وخُرِّجَتْ على ثلاثةِ أوْجُهٍ : أحدها - وبه قال ابنُ عطيَّة - أنَّها تتعلَّقُ بقوله " لأمْلأنَّ " فإنَّهُ قال : " لأجْلِ مَنْ تَبِعَكَ مِنْهُم لأمْلأنَّ " ، وظاهرُ هذا أنَّهَا متعلِّقةٌ بالفعل بعد لام القسم . وقال أبُو حيَّان : " ويمتنعُ ذلك على قَوْلِ الجُمْهُورِ تقديرها ؛ لأنَّ ما بعد لام القسم لا يعملُ فيما قبلها " . والثاني : أنَّ اللاَّمَ متعلِّقَةٌ بالذَّأم والدَّحْرِ ، والمعنى : أخْرُجْ بهاتين [ الصِّفتين ] لأجل اتِّباعِكَ . ذكره أبُو الفَضْلِ الرَّازِيُّ في كتاب " اللَّوَامِح " على شَاذِّ القراءة . قال شهابُ الدِّين : ويمكن أن تَجِيءَ المسْألةُ من باب الإعمال ، لأن كلاًّ من " مذءوماً " و " مدحوراً " يطلبُ هذا الجارَّ عند هذا القَائِلِ من حيثُ المعنى ، ويكون الإعمال للثَّانِي كما هو مختار البصريَّين للحذف من الأوَّلِ . والثالث : أن يكون هذا الجَارُّ خبراً مُقَدَّماً ، والمُبْتَدَأ محذوف تَقْدِيرُهُ : لمَنْ تَبِعَكَ منهم هذا الوعيدُ ، ودَلَّ على قوله هذا الوعيد قوله : " لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ " ؛ لأن هذا القسم وجوابه وعيدٌ ، وهذا الذي أراد الزَّمخشريُّ بقوله : يَعْنِي لمن تبعك منهم الوعيد وهو قوله : " لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ " على أنَّ " لأمْلأنَّ " في محلِّ الابتداء و " لمَنْ تَبِعَكَ " خبره . قال أبُو حيَّان : " فإن أراد ظاهر كلامه فهو خطأٌ على مذهب البصريين ؛ لأنَّ قوله : " لأمْلأنَّ " جملةٌ هي : جوابُ قسم محذوف ، من حَيْثُ كونها جُمْلَةً فقط ، لا يجوز أن تكون مبتدأة ، ومن حيث كونها جواباً للقسم المحذوف يمتنع أيضاً ؛ لأنها إذْ ذاك من هذه الحَيْثيَّة لا موضع لها من الإعراب ، ومن حيث كونها مبتدأ لها موضع من الإعراب ولا يجُوزُ أن تكون الجُمْلَةُ لها مَوضعٌ من الإعراب لا موضع لها من الإعراب وهو محال ؛ لأنَّهُ يلزم أن تكون في موضع رفع ، لا في موضع رَفْعٍ ، داخل عليها عاملٌ غَيْرَ داخلٍ عليها عامل ، وذلك لا يُتَصَوَّرُ " . قال شهابُ الدِّينِ بعد أنْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : " بمعنى لمن تبعك الوعيد وهو لأملأنَّ " : كيف يحسن أنْ يتردد بعد ذلك فيقال : إنْ أرَادَ ظاهِرَ كلامه ، كيف يريدُهُ مع التَّصْريح بتأويله هو بنفسه ؟ وأمَّا قَوْلُهُ على أنَّ " لأمْلأنَّ " في محلِّ الابتداء ، فإنَّمَا قاله ؛ لأنَّهُ دَالٌّ على الوعيدِ الذي هو في محل الابتداء ، فنسب إلى الدَّالِّ ما يُنْسَبُ إلى المدْلُولِ من جِهَةِ المَعْنَى . وقول الشَّيْخ أيضاً " ومِنْ حَيْثُ كوْنهَا جواباً للقسم المحذوف يمتنع أيضاً إلى آخره " كلام متحمِّلٍ عليه ؛ لأنَّهُ لا يريد جملة الجوابِ فقط ألْبَتَّةَ ، إنَّمَا يريدُ الجملة القَسَمِيَّةَ برُمتِهَا ، وإنَّما استغنى بِذِكْرِهَا عن ذكر قسيمها ؛ لأنَّها مَلْفُوظٌ بها ، وقد تقدَّم ما يُشْبِهُ هذا الاعتراض الأخير عليه ، وجوابُهُ . وأمَّا قَوْلُ الشَّيْخ : " ولا يَجُوزُ أن تكُونَ الجملة لها مَوْضعٌ من الإعرابِ لا موضع لها من الإعراب " إلى آخر كلامهِ كُلِّهِ شيء واحد ليس فيه مَعْنًى زَائِدٌ . قوله : " أجْمَعِيْنَ " تَأكيدٌ . واعْلَمْ أنَّ الأكْثَرَ في أجمع وأخواته المستعملة في التَّأكيد إنَّمَا يُؤتَى بها بَعْدَ " كُلٍّ " نحو : { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } [ الحجر : 30 ] وفي غير الأكثر قَدْ تَجِيءُ بدون " كل " كهذه الآيةِ الكريمةِ ، فإنَّ " أجْمَعينَ " تأكيد لـ " مِنْكُمْ " ، ونظيرُهَا فيما ذكرنا قوله تعالى : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 43 ] . فصل قال ابْنُ الأنْبَاريِّ : الكناية في قوله : " لَمَنْ تَبِعَكَ " عائد على ولد آدم ؛ لأنَّهُ حين قال : " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ " كان مخاطباً لولد آدم فرجعتِ الكِنَايَةُ إليهم . قال القَاضِي : دلَّت هذه الآية على أنَّ التَّابعَ والمتبع يَتَّفِقَانِ في أنَّ جهنَّم تُملأ منهما ، فكما أنَّ الكَافِرَ تبعه ، فكذلك الفاسق فيجب القطع بدخول الفَاسِقِ في النَّار . وجوابه : أنَّ المذكور في الآية أنَّهُ تعالى يَمْلأُ جهنَّمَ ممن تَبِعَهُ ، وليس في الآيَة أنَّ كلَّ من تبعه يدخلُ جهنَّم ، فسقط هذا الاستدلالُ ، ودلَّتْ هذه الآية على أنَّ جميع أهْلِ البدعِ والضَّلال يَدْخُلُونَ جهنَّمَ ، لأنَّ كلهم متابعون إبليس .