Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 1-1)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " آلمص : أنا اللَّهُ أَفَصِّلُ " ، وعنه " أنا اللَّهُ أعلمُ وأفَصِّلُ " . وقد تقدَّم الكلامُ على الأحْرُفِ المقطَّعَة في أوَّلِ الكتابِ . وقال السُّدِّيُّ - رضي الله عنه - : " آلمص " على هجاءِ قولنا في أسماءِ اللَّه " سبحانه المصورُ " . قال القَاضِي - رحمه الله - : ليس حَمْلُ هذا اللَّفْظِ على قولنا : أنا الله أفصل أولى من [ حمله ] على قوله : " أنَّا اللَّهُ أصْلِحُ " ، [ أنا الله أمتحن ، أنا الله أملك ؛ لأنَّهُ إن كانت العبرةُ بحرفِ الصَّادِ فهو موجودٌ في قوله : أنَا اللَّهُ أصْلِحُ ، ] وإن كانت العبرةُ بحرف الميم فكما أنَّهُ موجودٌ في العلم فهو أيضاً موجود في الملك ، والامتحان ، فكان حَمْلُ قولنا " آلمص " على هذا المعنى بِعَيْنِهِ محضُ التَّحَكُّم ، وأيضاً فإنْ جاء تفسيرُ الألفاظِ بناءً على ما فيها من الحروفِ من غير أنْ تكون تِلْكَ اللفظَةُ موضوعة في اللُّغَةِ لذلِكَ المَعْنَى ؛ انْفَتَحَتْ طريقةُ البَاطنيّة في تفسير سائرِ [ ألفاظ ] القرآنِ الكريمِ بما يُشَاكِلُ هذا الطريق . وأمَّا قولُ بعضهم : إنَّهُ من أسماء اللَّهِ - تبارك وتعالى - فأبعدُ ؛ لأنه ليس جعله اسْماً للَّه أولى من جعله اسماً لبعض رُسُلِهِ من الملائِكَةِ ، أو الأنبياءِ - عليهم ، وعلى نبيِّنَا أفضلُ الصَّلاة والسَّلام - ، ولأن الاسمَ إنَّمَا يَصيرُ للمسمَّى بواسِطَةِ الوَضْعِ والاصطلاح وذلك مفقودٌ هُنَا ، بل الحقُّ أنَّ قول : " آلمص " اسم لقب لهذه السُّورة الكريمة ، وأسماءُ الألقابِ لا تفيد ههنا فائدة في المسمَّيات ، بل هي قائِمَةٌ مقامَ الإرشاداتِ ، وللَّهِ - تبارك وتعالى - سبحانهُ أن يسمِّي هذه السورةَ بقوله : " آلمص " كما أنَّ الواحد مِنَّا إذا حدث له ولدٌ فإنَّهُ يسمِّيه بمحمَّدٍ . قوله : " كِتَابٌ " : يجوز أن يكون خبراً عن الأحْرُف قَبْلَهُ ، وأن يكون خبراً لمبتدأ مُضْمَرٍ ، أي : هو كتابٌ ، كذا قدَّرهُ الزَّمَخْشَرِيُّ . ويجوز أن يكون كتابٌ مبتدأ و " أنْزِلَ " صفتُهُ و " فَلاَ تَكُنْ " خبره ، والفاءُ زائدةٌ على رأي الأخْفَشَ أي : كتابٌ موصوفٌ بالإنزالِ إليكَ ، لا يكنْ في صدرك حرجٌ منهُ ، وهو بعيدٌ جدّاً . والقائمُ مقام الفاعل في " أنْزِلَ " ضميرٌ عائد على الكتابِ ، ولا يجوز أن يكون الجارَّ ؛ لئلا تخلو الصفةُ من عائدٍ . والمرادُ بالكتابِ القرآن الكريم . فإن قيل : الدَّلِيلُ الذي دَلَّ على صِحَّةِ نُبُوَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم هو أن اللَّه - تبارك وتعالى - جَدُّهُ لا إله إلاَّ هو - خصَّهُ بإنزالِ هذا القرآن عليه فما لم نعرف هذا المعنى لا يمكننا أن نعرف نبوته ، وما لم نَعْرِف نبوته لا يمكننا أن نحتج بقوله فلو أثبتنا كَوْنَ هذه السورة نازلةً من عند الله - تبارك وتعالى - بقولِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ ؟ فالجوابُ : نَحْنُ نعلم بمحضِ العَقْلِ أنَّ هذه السورة الكريمة كِتَابٌ أنْزِلَ إليه من عِنْدِ اللَّهِ ؛ لأنه عليه أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلام ما تَتَلْمَذَ لأسْتَاذٍ ، ولا تعلم من مُعَلِّمٍ ، ولا طَالَعَ كِتَاباً ، ولم يخالطِ العلماء والشُّعراءَ وَأهلَ الأخْبَارِ ، وانقضى من عمره صلى الله عليه وسلم أرْبَعُونَ سَنَةً ولم يتفق له شيءٌ من هذه الأحوالِ ، ثم بعد الأربعينَ ظهر له هذا الكتابُ العزيزُ المشتملُ على علوم الأولينَ والأخرينَ ، والعقلُ يشهدُ بأنَّ هذا لا يحصل إلا بطريقِ الوَحْيِ من عند اللَّه - تبارَك وتعالى - ؛ فثبت بهذا الدَّليل العقلي أن هذا الكتاب أنزل على مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من عند ربه وإلهه عز وجل . فصل في دحض شبهة خلق القرآن احتج القائلون بخلق القرآن الكريم بقوله : { كِتَابُ أنزِلَ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 2 ] ، فوصف بكونه منزلاً والإنْزَالُ يقتضي الانتقال من حالٍ إلى حالٍ ، وذلك لا يليقُ بالقَدِيم فَدَل على أنَّهُ محدث . والجوابُ أن الموصوف بالإنزال والتنزيل على سبيل المجاز [ هو ] هذه الحروف ولا نزاع في كونها محدثةً مخلوقةً . فإن قيل : هَبْ أنَّ المرادَ منه الحروف إلاَّ أنَّه الحروفَ أعْرَاضٌ غير باقية بدليل أنّها متوالية وكونها متوالِيةً يُشْعِرُ بعدمِ بقائِهَا ، وإذا كان كذلك فالعَرَضُ الذي لا يَبْقَى زَمَانَيْنِ كيف يعقل وصفه بالنزول ؟ فالجوابُ : أنَّهُ سبحانه وتعالى أحْدَثَ هذه الرُّقُومَ والنُّقُوشَ في اللَّوْحِ [ المَحْفُوظِ ] ، ثم أنَّ الملك يطالعُ تلك النُّقوش ، وينزِّل من السَّماءِ إلى الأرض ويعلِّم محمداً - صلوات اللَّهِ وسلامه عليه - تلك الحروفَ والكلماتِ ، فكان المرادُ بكَوْنِ تلك الحروفِ نازلةً هو : أنَّ مبلغها نزل من السَّمَاءِ إلى الأرْضِ . فصل في تأويل المكانية الَّذين أثبتوا للَّه مَكَاناً تمسَّكُوا بهذه الآيةِ فقالوا : إنَّ كلمة " مِنْ " لابتداءِ الغَايَةِ ، وكلمة " إلَى " لانتهاء الغاية ، فقوله : " أنزِلَ إليْكَ " يقتضي حصول مسافةٍ مبدؤهَا هو اللَّهُ - تبارك وتعالى - وغايتها هو مُحَمَّد - عليه أفضل الصلاة والسلام - ، وذلك يَدُلُّ على أنَّهُ تبارك وتعالى مختص بجهة فوق ؛ لأن النُّزُولَ هو الانتقالُ من فوق إلى أسفل . والجوابُ : لمَّا ثبت بالدَّلائل القاطِعَةِ أن المكان والجهة على اللَّهِ سُبْحَانَهُ وتعالى محال وجب حملُهُ على التَّأويلِ وهو أنَّ الملك انتقل من العلو إلى أسفل .