Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 2-2)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال مُجَاهِدٌ : " شكٌّ ، والخِطَابُ للرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم والمرادُ به الأمة ، ويُسَمَّى الشكُّ حَرَجاً ؛ لأن الشَّاكَّ ضَيِّقُ الصَّدْرِ كما أن المتيقن منشرح القَلْبِ " . وقال أبُو العالية رحمة الله عليه ، حَرَجٌ : ضِيقٌ ، والمعنى : لا يَضِيقُ صدركَ بسبب أن يكذِّبُوكَ في التَّبْلِيعِ . قال الكيا : فظاهرُهُ النَّهْي ومعناه : نَفْيُ الحَرَج عنه صلى الله عليه وسلم أي : لا يضيقُ صَدْرُكَ ألاَّ يؤمنوا به فإنَّمَا عليك منه البلاغ وليس عليك سوى الإنْذَارِ به ، ومثله قوله عزَّ وجلَّ : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] . قوله : " مِنْهُ " متعلق بـ " حَرَجٌ " . و " مِنْ " سببيَّةٌ أي حرج بسببه تقول : حَرِجْتُ منه أي : ضقْتُ بسببه ، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوف على أنَّهُ صفةٌ له أي : حَرَجٌ كَائِنٌ وصادر منه ، والضَّمِيرُ في " مِنْهُ " يجوز أن يعود على الكِتابِ وهو الظَّاهِرُ ، ويجوزُ أن يعود على الإنزالِ المدلول عليه بـ " أُنْزِلَ " ، أو عَلى الإنذارِ ، أو على التَّبْليغِ المدلُولِ عليهما بسياق الكلامِ ، أو على التَّكْذِيبِ الَّذِي تضمنه المعنى ، والنهي في الصُّورةِ للحَرَج ، والمرادُ الصَّادِرُ منه مبالغةً في النَّهْيِ عن ذلك كأنَّهُ قيل : لا تتعاطى أسباباً ينشأ عنها حرج ، وهو من باب " لا أرَيَنَّك ههنا " ، النهي متوجه على المتكلم والمراد به المخاطب كأنه قال : لا تكن بحضرتي فأراك ومثله : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } [ طه : 16 ] . قوله : " لتُنْذِرَ بِهِ " في متعلق هذه " اللاَّم " ثلاثة أوجه . أحدها : أنَّها متعلِّقة بـ " أنْزِلَ " أي : أنْزِلَ إليك للإنذار ، وهذا قول الفرَّاء قال : اللاَّم في " لِتُنْذِرَ " منظومٌ بقوله : " أُنْزِلَ " على التَّقْديمِ والتَّأخِير ، على تقدير : كتاب " أُنْزِلَ إليك لِتُنْذِرَ بِهِ فلا يَكُنْ " . وتبعه الزَّمَخْشَرِيُّ والحُوفِيُّ ، وأبُو البقاءِ على ذلك ، وعلى هذا تَكُونُ جُمْلَةُ النَّهْي معترِضَةً بَيْنَ العِلَّة ومعلولها ، وهو الذي عناه الفرَّاءُ بقوله : " على التَّقْدِيم والتَّأخير " . والثاني : أنَّ اللامَ متعلِّقةٌ بما تعلَّقَ به خَبَرُ " الكَوْنِ " إذ التقدير : فلا يكن حَرَجٌ مستقراً في صَدْرِكَ لأجْلِ الإنْذَارِ . كذا قاله أبو حيَّان عن الأنْبَارِيِّ ، فإنَّهُ قال : " وقال ابْنُ الأنْبَارِيّ : التقدير : فلا يكن في صدرك حرجٌ منه كي تُنْذِرَ بِهِ فجعله متعلقاً بما تعلَّق به " في صَدْرِكَ " ، وكذا علَّقه به صاحبُ " النَّظْمِ " ، فعلى هذا لا تكون الحملة معترضة " . قال شهابُ الدِّين : الذي نقله الواحديُّ عن نصِّ ابْنِ الأنباريِّ في ذلك أن " اللاَّمَ " متعلِّقةٌ بـ " الكون " ، وعن صاحب " النَّظْمِ " أنَّ اللاَّمَ بمعنى " أنْ " وسنأتي بنصَّيْهما إن شاء الله تعالى ، فيجوز أن يكون لهما كلامان . الثالث : أنَّها متعلِّقةٌ بنفسِ الكَوْنِ ، وهو مَذْهَبُ ابن الأنْبَارِيِّ والزَّمَخْشَرِيِّ ، وصاحب " النَّظْمِ " على ما نقله أبُو حيَّان . قال أبُو بَكْرِ بْن الأنْبَارِيِّ : ويجوزُ أن تكون اللاَّمُ صلةً للكون على معنى : " فلا يَكُن في صَدْرِكَ شيء لتنذر ، كما يقول الرجُلُ للرَّجُل لا تكن ظالماً لتقضي صاحبك دينه فتحمل لام كي على الكون " . وقال الزَّمَخْشَريُّ : فإن قُلْتَ : بِمَ تعلَّق به " لِتُنْذِرَ " ؟ قُلْتُ : بـ " أُنزل " أي : أنزل لإنذارك به ، أو بالنَّهي ؛ لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم ، وكذا إذا علم أنَّهُ من عند الله شجعه اليقين على الإنْذَارِ . قال أبُو حيَّان : " فقوله : بالنَّهْيِ ظاهره أنَّهُ يتعلَّقُ بفعل النهي فيكونُ متعلقاً بقوله : " فَلاَ يَكُنْ " ، وكان في تعليق المجرور والعمل في الظَّرْفِ فيه خلاف ، وَمَبْنَاهُ على أنَّ " كان " النَّاقِصَة هل تدل على حدثٍ أم لا ؟ فمن قال : إنَّهَا تدلُّ على الحدثِ جوَّزَ ذلك ، ومن قال : لا تَدُلُّ عليه منعه " . قال شهابُ الدِّين : الزَّمَخْشَرِيُّ مسبوق إلى هذا الوجه ، بل ليس في عبارته ما يدلُّ على أنَّهُ متعلق بـ " يَكُونُ " بل قال " بالنَّهْيِ " فقد يريدُ بما تضمَّنه من المعنى ، وعلى تقدير ذلك فالصَّحيحُ أنَّ الأفعالَ النَّاقِصَةَ كلَّهَا لها دلالةٌ على الحدثِ إلاَّ " لَيْسَ " ، وقد أقمت على ذلك أدلَّةً وأتيتُ من أقوالِ النَّاسِ بما يَشْهَدُ لصحَّةِ ذلك كقولِ سيبويه ، وغيره في غير هذا المَوْضُوعِ . وقال صاحبُ " النَّظْمِ " : وفيه وجهٌ آخرُ ، وهو أن تكون اللاَّمُ بمعنى أنْ والمعنى : لا يضيقُ صَدْرُكَ ولا يَضْعُفُ [ عن ] أن تُنْذِرَ به ، والعربُ تضعُ هذه اللام في موضع " أنْ " كقوله تعالى : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 32 ] وفي موضع آخر : { لِيُطْفِئُواْ } [ الصف : 8 ] فهما بمعنى واحد . قال شهابُ الدِّين : هذا قولٌ ساقطٌ جدّاً ، كيف يكون حرفُ مختص بالأفعال يقع موضع آخر مختص بالأسماء ؟ قوله : " وَذِكْرَى " يجوزُ أن يكون في محلِّ رَفْعٍ ، أو نَصْبٍ ، أو جَرٍّ . فالرَّفْعُ من وجهين ، أحدهما : أنها عطف على " كِتَابٌ " أي : كتابٌ وذكرى أي : تَذْكِيرٌ ، فهي اسم مَصْدَرٍ وهذا قول الفرَّاءِ . والثاني من وجهي الرَّفْع : أنَّهَا خبر مُبتدأ مُضْمرٍ أي : هو ذكرى ، وهذا قولُ الزَّجَّاج . والنَّصْبُ من ثلاثة أوْجُهٍ : أحدها : أنَّهُ منصوبٌ على المصدر بفعل من لَفْظِهِ تَقْديرُهُ : وتذكر ذكرى أي تَذْكِيراً . الثاني : [ أنها ] في محلِّ نَصْبٍ نَسَقاً على مَوْضِع " لِتُنْذِرَ " فإن موضعه نصب ، فيكونُ إذْ ذاكَ معطُوفاً على المَعْنَى ، وهذا كما تعطفُ الحال الصريحة على الحالِ المؤوَّلةِ كقوله تعالى : { دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً } [ يونس : 12 ] ، ويكونُ حينئذٍ مفعولاً من أجْلِهِ كما نقُولُ : " جِئْتُكَ لِتُكْرمَنِي وإحْسَاناً إليَّ " . الثالث : قال أبُو البقاء : - وبه بَدَأ - : " إنَّها حال من الضمير في " أنزل " وما بينهما مُعْتَرِضٌ " . وهذا سَهْوٌ فإنَّ " الواو " مانعة من ذلك ، وكيف تَدْخُلُ الواوُ على حالٍ صريحةٍ ؟ والجرُّ من وجهين أيضاً . أحدهما : العطفُ على المَصْدَرِ [ المُنْسَبِك من " أنْ " المقدَّرة بعد لام كي ، والفعل ، والتَّقديرُ : للإنْذَارِ والتَّذْكِيرِ . والثاني : العطفُ ] على الضَّميرِ في " بِهِ " ، وهذا قول الكُوفيِّين ، والذي حسَّنَهُ كون " ذِكْرَى " في تقدير حرفٍ مصدريٍّ - وهو " أنْ " - والفعل ولو صرح بـ " أنْ " لحسُنَ معها حذفُ حرفِ الجرِّ ، فهو أحْسَنُ من " مررتُ بِكَ وَزَيْدٍ " إذ التَّقْديرُ : لأن تنذر به وبأن تُذَكِّرَ . وقوله : " لِلمُؤمِنِيْنَ " يجوز أن تكون " اللاَّمُ " مزيدةً في المفعولِ به تقويةً له ؛ لأنَّ العاملَ فَرْعٌ ، والتقديرُ : وتذكِّرَ المُؤمنينَ . ويجوزُ أنْ يتعلَّقَ بمحذُوفٍ ؛ لأنَّهُ صِفَةٌ لـ " ذِكْرَى " . فصل في معنى الآية قال ابْنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يريدُ مَوْعِظَةً للمصدِّقين . فإن قيل : لم قيَّد هذه الذِّكْرَى بالمؤمنين ؟ فالجوابُ : هو نَظِيرُ قوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] . قال ابْنُ الخَطيب : والبَحْثُ العقلِيُّ فيه أنَّ النُّفُوس البشريَّةَ على قِسْمَيْنِ : بَلِيدةٌ جَاهِلَةٌ بعِيدَةٌ عن عَالمِ الغَيْبِ غَريقَةٌ في طلب اللَّذَّاتِ الجُسْمَانِيَّةِ ، ونفوسٌ شريقةٌ مشرقةٌ بأنوار الإلهيَّةِ ، فبعثة الأنبياء في حق القسم الأول للإنْذَارِ والتَّخْوِيفِ فإنَّهُم لمَّا غرقوا في نومِ الغَفْلَةِ ورَقْدَةِ الجَهالةِ احْتَاجُوا إلى مُوقِظٍ يُوقِظُهُمْ . وأمَّا في حقِّ القسم الثَّانِي فتذكير وتنبيه ؛ لأنه ربما غَشِيَهَا من غَوَاشِي عالم الجِسْمِ فيعرضُ لها نوعُ ذُهُولٍ وَغَفْلَةٍ ، فإذا سَمِعَتْ دعوةَ الأنبياءِ واتَّصل لها أنوارُ أرواحِ رُسُلِ اللَّهِ ؛ تَذكَّرَتْ مركزَهَا ؛ فثبت أنَّهُ تعالى إنَّمَا أنزلَ هذا الكتاب على رَسُولِهِ ؛ ليكونَ إنذاراً في حقِّ طائفةٍ ، وذكرى في حقِّ طائفة أخْرَى .