Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 204-206)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } الآية . لمَّا عظَّم شأن القرآن بقوله : " هَذَا بصائرُ " أردفهُ بقوله : { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ } . قوله له متعلقٌ بـ : استَمِعُوا على معنى لأجله ، والضمير للقرآن ، وقال أبو البقاءِ : يجوزُ أن يكون بمعنى للَّه ، أي لأجله فأعاد الضمير على الله وفيه بعدٌ ، وجوَّز أيضاً أن تكون اللام زائدةً : أي فاستمعُوهُ ، وقد تقدَّم أنَّ هذا لا يجوزُ عند الجمهور إلا في موضعين إمَّا تقديم المعمولِ ، أو كون العامل فرعاً ، وجوَّز أيضاً أن تكون بمعنى إلى ، ولا حاجة إليه . قوله " وأنصتُوا " الإنصاتُ : السُّكوت للاستماعِ . قال الكميتُ : [ الطويل ] @ 2666 - أبُوكَ الذي أجْدَى عَلَيَّ بِنصْرِهِ فأنْصَتَ عَنِّي بعده كُلَّ قَائِلِ @@ قال الفراء : ويقال : نصت وأنصت بمعنى واحدٍ ، وقد جاء أنْصَت متعديًّا . فصل فقوله : { فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } أمرٌ ، وظاهر الأمر للوجوب ، فيقتضي أن يكون الاستماعُ والسكوتُ واجباً ولعله يجوز أن تكون بحسب المخاطبين ، وأن تكون للتعليل وفيه أقوال . أحدها : قال الحسنُ وأهلُ الظاهر : يجب الاستماعُ والإنصات لكل قارىء ، سواء كان معلم صبيان أو قارىء طريق . الثاني : تحريم الكلام في الصَّلاة . قال أبو هريرة : كانوا يتكلَّمون في الصَّلاة فنزلت هذه الآية ، فأمروا بالإنصات . وقال قتادةُ : كان الرَّجُلُ يأتي وهُم في الصَّلاةِ ، فيسألهم : كم صلَّيتم وكم بقي ؟ وكانُوا يتكلَّمون في الصَّلاةِ بحوائجهم فأنزل اللَّهُ هذه الآية . الثالث : نزلت في ترك الجَهْر بالقراءة وراء الإمام . قال ابنُ عبَّاسٍ : قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة المكتوبةِ ، وقرأ أصحابه وراءهُ رافعينَ أصواتهم ؛ فخلطوا عليهم فنزلت هذه الآية ، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه . وقال الكلبيُّ : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار ، وعن ابن مسعود أنَّهُ سمع ناساً يقرءون مع الإمام فلمَّا انصرف ، قال : أما آن لكم أن تفقهوا " وإذا قُرِىء فاستَمِعُوا لهُ وأنْصِتُوا " وهو قول الحسن والزهري والنخعي وقال سعيد بن جبير ، وعطاء ، ومجاهد : إنَّ الآية في الخطبة ، أمروا بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة ، وهذا بعيدٌ لأنَّ الآية مكَّية والجمعة وجبت بالمدينة . فصل اختلفوا في القراءة خلف الإمام في الصَّلاة ، فروي عن عمر ، وعثمان ، وعليِّ ، وابن عباسٍ ومعاذ ، وجوب القراءة سواء جهر الإمامُ بالقراءة أو أسرَّ ، وهو قول الأوزاعي ، والشافعي ؛ وروي عن ابن عمر ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد : أنَّ المأموم يقرأ فيما أسر الإمام فيه ، ولا يقرأ إذا جهر ، وبه قال الزهري : ومالك ، وابن المبارك ، وأحمد وإسحاق ، وروي عن جابر أنَّ المأموم لا يقرأ سواء أسر الإمام أم جهر ، وبه قال الثَّوري ، وأصحابُ الرأي ، وتمسك من لا يرى القراءة خلف الإمام بظاهر هذه الآية ، ومن أوجبها قال : الآية في غير الفاتحةِ ، ويقرأ الفاتحة في سكتاتِ الإمام ولا ينازعُ الإمام في القراءة . قوله تعالى : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } الآية . قال ابن عباس : يعني بالذِّكر : القراءة في الصلاة ، يريد يقرأ سراً في نفسه . قوله " تَضَرُّعاً وخيفَةً " في نصبهما وجهان : أظهرهما : أنَّهُمَا مفعولان من أجلهما ، لأنَّهُ يتسببُ عنهما الذِّكر . والثاني : أن ينتصبا على المصدر الواقع موقع الحال ، أي : مُتضرعين خائفين ، أو ذوي تضرع وخيفة . وقرىء " وخفيَةً " بتقديم الفاءِ ، وقيل : هما مصدران للفعل من معناه لا من لفظه ذكره أبو البقاءِ . وهو بعيدٌ . قوله : " ودُونَ الجَهْرِ " قال أبُو البقاءِ : معطوف على تَضَرُّع ، والتقديرُ ، ومقتصدين . وهذا ضعيفٌ ؛ لأنَّ دُونَ ظرفٌ لا يتصرَّف على المشهور ، قال فالذي ينبغي أن يجعل صفة لشيء محذوف ذلك المحذوف هو الحال ، كما قدَّرهُ الزمخشري فقال : ودُونَ الجهْرِ ومتكلماً كلاماً دُونَ الجهْرِ ، لأنَّ الإخفاء أدخلُ في الإخلاص ، وأقربُ إلى حسن التفكر . فصل معنى تضرُّعاً وخيفَةً أي : تتضرَّعُ إليَّ وتخافُ منِّي ، هذا في صلاة السِّر وقوله ودُونَ الجهْرِ أرادَ في صلاة الجهرِ لا تَجْهَر جَهْراً شديداً ، بل في خفضٍ وسُكونٍ تُسمعُ من خلفك . وقال مجاهدٌ وابن جريجٍ : أمروا أن يذكروه في الصدورِ بالتضرع في الدُّعاء والاستكانة دون رفع الصوت والصياح في الدعاء . قوله بالغُدُوِّ والآصالِ متعلق بـ : اذْكُر أي : اذكُرْهُ في هذين الوقتين وهما عبارةٌ عن اللَّيل والنَّهارِ . ومعناهما : البكرات والعشيَّات . وقال أبُو البقاءِ : بالغُدُوِّ متعلق بـ : ادعُو وهو سبقُ لسانٍ ، أو قلم ، إذ ليس نظمُ القرآن كذا ، والغُدُوُّ : إما جمع غدوة ، كـ : قمح وقمحة ، وعلى هذا فيكون قد قابل الجمع بالجمع المعنوي . وقيل هو مصدرٌ ، قال تعالى : { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } [ سبأ : 12 ] فيقدَّرُ زمانٌ مضاف إليه حتَّى يتقابل زمان مجموع بمثله تقديره : بأوقات الغدو ، والآصال جمع : أصُل ، وأصُل جمع : أصيل ، فهو جمع الجمع ولا جائزٌ أن يكون جمعاً لـ : أصِيل ، لأنَّ فعيلاً ، لا يجمع على أفعال وقيل : هو جمعٌ لـ : أصِيل ، وفَعِيلٌ يجمع على أفْعَال نحو : يَمِينٌ وأيمانٌ ، وقيل : آصال جمع لـ : أصُل ، وأصُل مفرد ، ثبت ذلك من لغتهم ، وهو العَشِيُّ وفُعُل يجمع على " أفْعَال " قالوا : عُنُق وأعْنَاق ، وعلى هذا فلا حاجة إلى دَعْوَى أنَّه جمعُ الجمع ، ويجمعُ على " أصْلان " كـ : رغيفٍ ورُغْفَان ، ويُصَغَّر على لفظه ؛ كقوله : [ البسيط ] @ 2667 - وقَفْتُ فيهَا أصَيْلاناً أسَائِلُهَا عَيَّتْ جواباً وما بالرَّبْعِ مِنْ أحَدِ @@ واستدلَّ الكوفيُّون بقولهم : أصيلان على جواز تصغير جمع الكثرةِ بهذا البيت ، وتأوَّلَهُ البصريُّون على أنَّه مفرد ، وتُبْدَل نونه لاماً . ويروى أصيلاً كَيْ . وقرأ أبو مجلز واسمه : لاحقُ بنُ حُميدٍ السدوسيُّ البصري : والإيصَال مصدرُ : آصَلَ أي : دَخَلَ في الأصيلِ ، والأصيلُ : ما بين العصر والمغرب . ثمَّ قال تعالى { وَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } والمرادُ منه أنَّ العبد يجبُ أن يكون ذاكراً لِلَّهِ تعالى في كلِّ الأوقات لأنه حثّه على الذكرِ الغدوات وبالعشيات ثم عمَّمَ بقوله : { وَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } يعني أنَّ الذكر القلبي يجب أن يكون دائماً ، وأن لا يغفل الإنسانُ عنه لحظةً واحدةً بحسب الإمكان . قوله : { إنَّ الذين عند ربِّك } يعني الملائكة المُقرَّبين : " لا يسْتكبرُونَ " لا يتكبَّرُون عن عبادته . لمَّا رغَّب رسولهُ في الذِّكر ذكر عُقيبه ما يُقوِّي دواعيه فقال : { إنَّ الذينَ عند ربِّكَ } أي أنَّ الملائكة مع نهاية شرفهم وغاية طهارتهم وبراءتهم من بواعثِ الشَّهوَةِ والغضب ، والحقدِ ، والحسدِ ، مُواظبُونَ على العبوديَّة والسُّجودِ ، والخُضُوعِ ، فالإنسانُ المُبتَلَى بظلمات عالم الجسمانيات ومستعداً للذات البشرية أوْلَى بالمُواظبةِ على الطَّاعةِ ، والمرادُ بالعندية القرب بالشَّرف واستدلُّوا بهذه الآية على أنَّ الملائكة أفضلُ من البشرِ ، لأنَّهُ تعالى لمَّا أمر رسولهُ بالعبادة والذكر قال : { إنَّ الذين عند ربِّك لا يستكبرُون عن عبادتِهِ } أي : فأنت أحقّ وأولَى بالعبادِة ، وهذا إنَّما يصحُّ إذا كانت الملائكةُ أفضل منه . قوله : " ويُسَبِّحُونهُ " أي : يُنزِّهُونه ويقولون سبحان الله : " ولهُ يَسجُدُون " . فإن قيل كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله : { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ } [ الحجر : 31 ، 30 ] والمراد أنهم سجدوا لآدم ؟ فالجوابُ : قال بعضُ العلماءِ : الذين سجدُوا لآدم - عليه السلامُ - ملائكة الأرض ، وأمَّا ملائكة السَّموات فلا ، وقيل : إنَّ قوله " ولهُ يسجُدُون " يفيدُ أنَّهم ما سجدُوا لغيرِ اللَّهِ بهذا العمومِ ، وقوله : فسجدُوا لآدم خاص والخاصُّ مقدمٌ على العام . فصل روى أبُو صالح عن أبي هريرة قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " إذا قَرَأ ابنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فسجد اعتزلَ الشيطانُ يبكي يقول يا ويلهُ ! أمر ابنُ آدمَ بالسجُودِ فسجد فلهُ الجنَّةُ وأمِرْتُ بالسُّجُود فعصيْت فلِيَ النَّارُ " . وعن معدان قال : " سألتُ ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : حَدِّثني حديثاً ينفعني اللَّهُ به . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سجدةً إلاَّ رفعهُ اللَّهُ بها درجةً وحطَّ عنهُ بها خطيئةً " . وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ قَرَأ سُورة الأعرافِ جعل الله بينهُ وبين إبليسَ سِتْراً وكانَ آدمُ شَفِيعاً لهُ يَوْمَ القيامةِ قَرِيباً منهُ " .