Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 20-20)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " فوَسْوَسَ لَهُمَا " أي : فَعَلَ الوَسْوَسَةَ لأجلهما . والفَرْقُ بين وسْوَسَ له وَوسْوَسَ إليه أنَّ وَسْوَسَ له بمعنى لأجله كما تقدَّم ، وَوَسْوَسَ إليه ألْقَى إلَيْه الوَسْوَسَةَ . والوَسْوَسَةُ : الكلام الخفيُّ المكرر ، ومثله الوسْواسُ وهو صوتُ الحليِّ ، والوسوسَةُ أيضاً الخَطْرَةُ الرَّديئَةُ ، وَوَسْوَسَ لا يتعدَّى إلى مَفْعُولٍ ، بل هو لاَزِمٌ كقولنا : وَلْوَلَتِ المَرْأةُ ، ووعْوَعَ الذِّئْبُ ويقالُ : رجلٌ مُوَسْوِسٌ بِكَسْرِ الوَاوِ ، ولا يُقَالُ بفتحها ، قالهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ . وقال غيره : يقال : مُوَسْوَس له ، ومُوَسْوَس إليه . وقال اللَّيْثُ : " الوَسْوَسَةُ حديثُ النَّفْس ، والصَّوْتُ الخَفِيُّ من ريحٍ تَهُزُّ قصباً ونحوه كالهَمْسِ " . قال تعالى { وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } [ ق : 16 ] . وقال رُؤبَةُ بْنُ العَجَّاج يَصِفُ صَيَّاداً : [ الرجز ] @ 2429 - وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الفَلَقْ لَمَّا دَنَا الصَّيْدُ دَنَا مِنَ الوَهَقْ @@ أي : لما أراد الصَّيدَ وسوس في نَفْسِهِ : أيُخْطىء أم يُصِيبُ ؟ وقال الأزْهَرِيُّ : " وسْوَسَ ووَزْوَزَ بمعنًى واحد " . فإن قيل : كيف وَسْوَسَ إليه ، وآدم كان في الجَنَّةِ وإبليس أخرج منها ؟ فالجوابُ : قال الحسن : كان يُوَسْوِسُ من الأرْض إلى السَّمَاءِ وإلى الجِنَّةِ بالقُوَّةِ الفَوْقيَّةِ التي جعلها له . وقال أبُو مُسْلِمٍ الأصْفهانِيُّ : بَلْ كان آدمُ وإبليسُ في الجنَّةِ ؛ لأنَّ هذه الجنَّةَ كانت بعض جنات الأرض ، والذي يقوله بعض النَّاس من " أنَّ إبليس دخل الجنَّة في جَوْف الحيَّةِ ودخلت الحيَّة في الجنَّةِ " فتلك القصة ركيكةٌ ومشهورةٌ . وقال آخَرُون : إنَّ آدم وحَوَّاءَ ربما قَرُبَا من باب الجَنَّةِ ، وكان إبليس واقفاً من خارج الجَنَّةِ على بَابها فيقْرُبُ أحَدُهُمَا من الآخر فتحصل الوسْوسَةُ هناك . فإن قيل : إنَّ آدم - عليه السلام - كان يَعْرِفُ ما بينه وبين إبليسَ من العداوةِ ، فَكَيْفَ قبل قوله ؟ فالجواب : [ لا يَبْعُد أنْ يُقال إنَّ إبليسَ لَقِيَ آدَمَ مِراراً كثيرةً ، ورَغَّبَهُ في أكْلِ الشَّجَرَة بِطُرُقٍ كثيرةٍ ؛ فلأجْل ] المواظبة والمداومة على هذا التمويه أثَّر كلامه عنده وأيضاً فقال تعالى : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] أي : حَلَفَ لهما فاعْتَقَدُوا أنَّ أحَداً لا يَحْلِفُ كاذباً فلذلك قبل قوله . قوله : " لِيُبْدِيَ لَهُمَا " في " لام " لِيُبْدِي " قولان : أظهرهما : أنها لامُ العِلَّةِ على أصلها ؛ لأنَّ قَصْدَ الشَّيْطانِ ذلك . وقال بعضهم : " اللاَّمُ " للِصَيْرُورةِ والعاقِبَةِ ، وذلك أنَّ الشَّيْطَانَ لم يكن يعلم أنَّهُمَا يعاقبان بهذه العُقُوبَة الخَاصَّةِ ، فالمعنى : أن أمْرَهُمَا آل إلى ذلك . الجوابُ : أنهُ يجوزُ أنْ يُعْلم ذلك بطريق من الطُّرُق المتقدِّمةِ في قوله { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [ الأعراف : 17 ] . ومعنى قوله : " لِيُبْدِيَ لَهُمَا " ليظهر لهما ما غُطِّي وسُتِرَ عنهما من عوراتهما . قوله : " مَا وُوْري " " مَا " موصولة بمعنى الذي ، وهي مفعول لـ " لِيُبْدِي " أي : لِيُظْهِرَ الذي سُتِرَ . وقرأ الجمهور : " وُوْري " بواوين صريحَتَيْنِ وهو ماضٍ مبني للمفعول ، أصله " وَارَى " كضَارَبَ فلمَّا بُني للمفعول أبْدِلَت الألف واواً كضُورِبَ ، فالواو الأولى فاء ، والثَّانية زَائِدَةٌ . وقرأ عبد الله : " أُوْرِيَ " بإبدال الأولى همزة ، وهو بدلٌ جَائِزٌ لا واجب . وهذه قَاعِدَةٌ كليَّةٌ وهي : أنَّه إذا اجتمع في أوَّلِ الكلمةِ واوان ، وتحرَّكتِ الثَّانيةُ ، أو كان لها نَظِيرٌ مُتَحَرِّكٌ وجب إبدال الأولى همزة تخفيفاً ، فمثال النَّوْعِ الأوَّلِ " أوَيْصِلٌ " ، وَ " أوَاصِلُ " تصغير واصلٍ وتكسيره ، فإنَّ الأصل : وُوَيْصِل ، وواصل ؛ فاجتمع واوان في المثالين ثانيتهما متحركة فوجب إبدالُ الأولى همزة . ومثالُ النَّوْعِ الثَّانِي أوْلى فإنَّ أصلها وُوْلَى ، فالثَّانِيَةُ ساكِنَةٌ ؛ لكنها قد تتحرَّكُ في الجَمْعِ في قولك : أُوَل ؛ كفُضْلَى وفُضَل ، فإن لم تتحرَّك ولم تحمل على متحرّك ، جَازَ الإبدَالُ كهذه الآيَةِ الكريمةِ . ومثله وُوْطِىءَ وأوْطِىءَ . وقرأ يحيى بن وثاب " وُرِيَ " بواو واحدة مضمومة وراء مكسورة ، وكَأنَّهُ من الثُّلاثيِّ المتعدِّي ، وتحتاج إلى نَقْلِ أنَّ وَرَيْتُ كذا بمعنى وارَيْتُه . والمُوَارَاةُ : السَّتْرُ ، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - لمَّا بلغه موت أبي طالب لعليٍّ : " اذْهَبْ فوارِه " . ومنه قول الآخر : [ مخلع البسيط ] @ 2430 - عَلَى صَدًى أسْوَدَ المُوَارِي فِي التُّرْبِ أمْسَى وفِي الصَّفيحِ @@ وقد تقدَّم تحقيق هذه المادَّةِ والجمهور على قراءة " سَوْءَاتِهما " بالجمع من غير نقل ، ولا إدغام . وقرأ مُجاهدٌ والحسن " سَوَّتهما " بالإفراد وإبدال الهمز [ واواً ] وإدغام الواو فيها . وقرأ الحسنُ أيضاً ، وأبو جعفر وشَيْبَةُ بن نصاح " سَوَّاتهما " بالجمع وتشديد الواو بالعمل المتقدم . وقرأ أيضاً " سَواتِهما " بالجمع أيضاً ، إلا أنَّهُ نقل حركة الهمزة إلى الواو من غير عملٍ آخَرَ ، وكلُّ ذلك ظَاهِرٌ . فمن قرأ بالجمع فيحتمل وجهين : أظهرهما : أنَّهُ من باب وَضْعِ الجمع موضع التَّثْنِيَةِ كراهية اجتماع تثنيتين ، والجمع أخُو التَّثْنِيَةِ فلذلك ناب منابها كقوله : { صَغَتْ قُلُوبُكُمآ } [ التحريم : 4 ] وقد تقدَّم تَحْقِيقُ هذه القاعدة . ويحتمل أنْ يكون الجَمْعُ هنا على حقيقته ؛ لأنَّ لكل واحد منهما قُبُلاً ، ودُبُراً ، والسوءات كنايةٌ عن ذلك فهي أربع ؛ فلذلك جِيءَ بالجَمْعِ ، ويؤيِّدُ الأوَّل قراءةُ الإفراد فإنَّه لا تكون [ كذلك ] إلاَّ والموضع موضع تثنية نحو : " مَسَحَ أَذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وبَاطِنَهُمَا " . فصل في أن كشف العورة من المحرمات دلَّت هذه الآيةُ على أنَّ كَشْفَ العوْرَةِ من المُنْكَرَاتِ ، وأنَّهُ لم يزل مُسْتَهْجَناً في الطِّبَاع مُسْتَقْبَحاً في العُقُولِ . قوله : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } . هذا استثناء مُفَرَّغٌ وهو مفعول من أجله فقدَّرَهُ البَصْرِيُّونَ إلاَّ كراهة أنْ تكونا ، وقدَّرَهُ الكوفِيُّون إلاّ أن لا تكونا ، وقد تقدَّم مراراً أنَّ قول البَصْرِيِّين أوْلى ؛ لأنَّ إضْمَارَ الاسْمِ أحسنُ من إضمار الحَرْفِ . وقرأ الجمهور " مَلَكَيْنِ " بفتح اللاَّم . وقرأ عَلِيٌّ ، وابن عباس والحسنُ ، والضَّحَّاكُ ، ويحيى بْنُ أبِي كَثِيرٍ والزُّهْرِيُّ وابن حكيم عن ابن كثير " مَلِكين " بكسرها قالوا : ويُؤيِّدُ هذه القراءة قوله في موضع آخر : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] والمُلك يناسِبُ المَلِك بالكسر . وأتى بقوله " مِنَ الخَالِدِينَ " ولم يقل " أو تَكُونَا خَالِدَيْن " مبالغةً في ذلك ؛ لأنَّ الوصف بالخُلُودِ أهمُّ من المِلْكية أو المُلْك ، فإنَّ قولك : " فُلانٌ من الصَّالحينَ " أبلغُ من قولك صالحٌ ، وعليه { وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ } [ التحريم : 12 ] فصل في بيان قوله ما نهاكما ربكما هذا الكلام يمكن أنْ يَكُونَ ذكرَهُ إبْلِيسُ مُخَاطِباً لآدم وحواء ، ويمكن أنْ يكُون بوسْوسَةٍ أوْقَعَها في قلبيهما ، والأمران مَرْويَّانِ إلاَّ أنَّ الأغْلَبَ أنَّهُ كان على سبيل المُخَاطَبَةِ بدليل قوله تعالى : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] . والمعنى : أنَّ إبليس قال لهما هذا الكلام ، وأراد به إنْ أكلتما تكونا بمنزلة الملائِكَةِ ، أو تكُونَا من الخالدينَ إنْ أكلتما ، فرغبهما بأن أوْهَمَهُمَا أنَّ من أكَلَهَا صار كذلك ، وأنَّهُ تعالى إنَّما نَهَاكُمَا عنها لكي لا يكونا بِمَنْزِلَةِ الملائِكَةِ ، ولا يخْلُدَا . وفي الآية سُؤالاتٌ : السُّؤالُ الأولُ : كيف أطْمَعَ إبْلِيسُ آدمَ أن يكون ملكاً عند الأكْلِ من الشَّجَرَةِ مع أنَّهُ شَاهَدَ الملائِكة متواضعين سَاجِدِينَ له معترفين بفضله ؟ . والجوابُ من وجوه : أحدها : أنَّ هذا المعنى أحد ما يَدُلُّ على أن الملائكة الذين سجدوا لآدم هم ملائكة الأرض ، أمّا ملائكةُ السَّموات وسكانُ العَرْشِ والكرسيِّ ، والملائكةُ المقرَّبون فما سجدوا لآدم ألْبَتَّةَ . ولو كَانُوا قد سَجَدُوا له لكان هذا التَّطْميع فَاسِداً مختلاًّ . وثانيها : نَقَلَ الواحديُّ عن بعضهم أنَّهُ قال : إنَّ آدمَ علم أنَّ الملائكة لا يمُوتُونَ إلى يوم القيامةِ ، ولم يعلم ذلك لنفسه فعرض عليه إبليس أنْ يَصِيرَ مِثْلَ الملكِ في البَقَاءِ . وضعَّف هذا بأنَّهُ لو كان المَطْلُوبُ من الملائِكَةِ هو الخُلُودُ فحينئذٍ لا يبقى فرق بين قوله { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } وبين قوله : { إلاَّ أَنْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } . وثالثها : قال الواحدي : كان ابن عباس يقرأ " مَلِكَين " بكسر اللام ويقول : ما طمعا في أن يكونا مَلَكَيْن لكنهما استشرفا إلى أن يكونا مَلِكَيْن ، وإنَّمَا أتَاهُمَا المَلْعُونُ من وجهة الملك ، ويدلُّ على هذا قوله : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] ، وضعف هذا الجواب من وجهين : الأول : هب أنَّهُ حصل الجوابُ على هذه القراءة فهل يقول ابنُ عبَّاسٍ إنَّ تلك القراءة المشهورة باطلة ؟ أو لا يقولُ ذلك ؟ والأولُ باطل ، لأنَّ تلك القراءة قراءة متواترة فكيف يُمْكِنُ الطَّعْنُ فيها ؟ وأمَّا الثَّاني فعلى هذا التَّقدير الإشكال باقٍ ؛ لأنَّ على تلك القراءة يكون بالتَّطْميع قد وقع في أنْ يَصِيرَ بواسطة لذلك الأكل من جملة الملائكة . وحينئذ يَعُودُ السُّؤالُ . الوجه الثاني : أنَّهُ تعالى جعله مسجود الملائكةِ ، وأذِن له في أن يسكن الجنَّة ، وأنْ يأكل منها رغداً حيث شاء وأراد ، [ ولا مزيد ] في الملك على هذه الدَّرَجَةِ . السؤال الثاني : هل تدلُّ هذه الآية على أنَّ درجة الملائكة أكمل وأفضل من درجة النُّبُوَّةِ ؟ والجوابُ : أنَّا إذا قلنا : إن هذه الواقعة كانت قَبْلَ النُّبُوَّةِ لم يدلَّ على ذلك ؛ لأنَّ آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - حين طَلَبَ الوصُولَ إلى درجةِ الملائِكَةِ ما كان من الأنبياء ، وإنْ كانت هذه الواقِعَةُ قد وقعت في زَمَنِ النُّبُوَّةِ فلعلَّ آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - رغبَ في أنْ يصيرَ من الملائِكَةِ في القدرة والقُوَّة أو في خلقة الذات بأنْ يَصيرَ جَوَْهَراً نُورَانياً ، وفي أن يصيرَ من سُكَّانِ العرْشِ والكُرْسِيِّ ، وعلى هذا فلا دلالةَ في الآيةِ على ذلك . السُّؤال الثالثُ : نقل أنّ عمرو بْن عُبَيْدٍ قال للحسنِ في قوله : { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } ، وفي قوله " وقَاسَمَهُمَا " قال عمرو : قلت للحسنِ ؛ فهل صَدقَاهُ في ذلك ؟ فقال الحسن : مَعَاذَ الله ، لو صَدَّقَاهُ لكانا من الكَافرينَ . ووجه السُّؤال : أنه كيف يلزم هذا التَّكْفير بتقدير أن يُصَدِّقا إبليس في ذلك القول ؟ والجوابُ : ذكرُوا في تَقْدير ذلك التَّكفِير أنَّهُ عليه الصَّلاة والسَّلام لو صدق إبليس في الخلُودِ ، لكان ذلك يوجب إنكار البعث والقيامة وأنه كفرٌ . ولقائل أن يقُول : لا نُسَلِّمُ أنَّهُ يلزم من ذلك التَّصديق حصولُ الكفْرِ ، وبيانه من وجهين . الأول : أن لفظ الخُلُودِ مَحْمُولٌ على طُولِ المُكْثِ لا على الدَّوامِ ، فانْدَفَعَ ما ذكره . والثاني : هَبْ أنَّ الخُلُودَ مُفَسّر بالدَّوَامِ إلاَّ أنَّا لا نسلم أنَّ اعْتِقَادَ الدَّوام يُوجِبُ الكُفْرَ ، وتقْرِيرُهُ : أنَّ العِلْمَ بأنه تعالى هل يُمِيتُ هذا المكلف ، أو لا يُمِيتُهُ ؟ علم لا يحصل لا من دليل السَّمْعِ ، فلعله تعالى ما بيَّنَ في وقت آدم - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - أنَّهُ يُمِيتُ الخلق ، ولمَّا لم يُوجَدِ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ بأن آدم - عليه الصلاة والسلام - لا يجوز له دوام البقاء فلهذا السَّببِ رغِبَ فيه ، وعلى هذا التَّقْديرِ فالسُّؤالُ غير لازم . السُّؤالُ الرابعُ : قد ثبت بما سبق أنَّ آدم وحوَّاءَ - عليهما السَّلامُ - لو صدقا إبليس فيما قال لم يلزم تكْفِرُهُمَا فهل يقولون : إنَّهُما صَدَّقَاهُ فيه قطعاً ؟ أو لم يحصل القَطْعُ ، فهل يقولُون : إنَّهُمَا ظَنَّا أن الأمر كما قال ، أو ينكرون هذا الظَّنَّ أيضاً . فالجواب : أنَّ المحقِّقين أنْكَرُوا حصول هذا التَّصديق قطعاً وظناً كما نجد أنفسنا عند الشَّهْوةِ ، نقدُمُ على الفعلِ إذا زينَ لنا الغير ما نشتهيه ، وإنْ لم نعتقد الأمر كما قال . السُّؤالُ الخامِسُ : قوله : { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } هذا التَّرغيبُ ، والتَّطْمِيعُ وقع بمَجْمُوعِ الأمرين ، أو بأحدهما ؟ والجوابُ : قال بعضهم : التَّرْغيبُ في مجموع الأمرين ؛ لأنَّهُ أدخل في التَّرْغِيبِ . وقيل : بل هُوَ عَلَى ظاهره على طريق التَّخْييرِ .