Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 21-21)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " وقَاسَمَهُمَا " المفاعلةُ هنا يحتمل أن تكُونَ على بابها فقال الزَّمَخْشَرِيُّ : " كأنَّهُ قال لهما : أقْسِمُ لكُمَا إنِّي لمن النَّاصِحِينَ ، وقالا له : أتقسمُ باللَّهِ أنت إنَّكَ لمن الناصحين لنا فجعل ذلك مُقَاسمَةً بَيْنَهُم ، أو أقسم لهما بالنَّصِيحَةِ ، وأقسما له بقبُولِهَا ، أو أخرج قسم إبليس على وزن المُفَاعَلَةِ ؛ لأنَّهُ اجْتَهَد فيها اجتهاد المُقَاسِمِ " . وقال ابْنُ عطيَّة : " وقَاسَمَهُمَا " أي : حَلَفَ لهما ، وهي مفاعلة إذْ قَبُولُ المحلوف له ، وإقباله على معنى اليمينِ كالقسم وتقريره : وإنْ كان بَادِىء الرَّأي يعطي أنَّها من واحد ويحتمل أنَّ " فاعل " بمعنى " أفعل " كبَاعَدْته ، وأبْعَدْتُهُ ، وذلك أنَّ قوله الحَلْف إنَّما كان من إبليس دونهما ، وعليه قول خالدِ بْن زُهير : [ الطويل ] @ 2431 - وَقَاسَمَها باللَّهِ جَهْداً لأنْتُمُ ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا @@ قال قتادةُ : حلف لهما بالله حتى خَدَعَهُمَا ، وقد يُخْدَعُ المُؤمِنُ بالله . { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } أي : قال إبليس : إنِّي حلفت قبلكما ، وأنا أعلم أحْوالاً كثيرةً من المصالحِ والمفاسد ، لا تَعْرِفَانها ، فامْتَثِلاَ قولي أرشِدكُمَا ، وإبليسُ أوَّلُ من حَلَفَ باللَّهِ كاذباً ، فلمَّا حلف ظن آدم أنَّ أحداً لا يحلف بالله إلاَّ صَادِقاً فاغتر به . قوله : { لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِين } يجوز في " لَكُمَا " أن تتعلق بما بعده على أن " أل " معرفة لا موصولة ، وهذا مذهبُ أبي عُثْمان ، أو على أنَّها موصولةٌ ، ولكن تُسُومح في الظَّرْفِ وعديله ما لا يتسامح في غيرهما اتِّسَاعاً فيهما لدورانهما في الكلام ، وهو رَأيُ بعض البَصْريِّين ، وأنْشَدَ : [ الرجز ] @ 2432 - رَبَّيْتُهُ حَتَّى إذا تَمَعْدَدَا كَانَ جَزائِي بالعَصَا أنْ أُجْلَدَا @@ فـ " بِالعَصَا " متعلِّقٌ بأجْلَدا وهو صلة أنْ ، أو أن ذلك جائزٌ مطلقاً ، ولو في المفعول به الصَّريح ، وهو رأي الكوفيين وأنشدوا : [ الكامل ] @ 2433 - … وَشِفَاءُ غَيِّكِ خَابِراً أنْ تَسْألِي @@ أي : أن تسألي خابراً ، أو أنَّهُ متعلِّقٌ بمحذوف على البيانِ أي : أعني لَكُمَا كقولهم : سُقْياً لك ، ورَعْياً ، أو تعلَّقَ بمحذوف مدلول عليه بِصِلَةِ أل أي : إنِّي نَاصِحٌ لَكُمَا ، ومثل هذه الآية الكريمة : { إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ ٱلْقَالِينَ } [ الشعراء : 168 ] ، { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } [ يوسف : 68 ] . وجعل ابن مالك ذلك مطَّرداً في مَسْألةِ أل الموصولة إذا كانت مجرورة بـ " من " . ونَصَحَ يتعدَّى لواحدٍ تارَةً بنفسه ، وتارةً بحرف الجرِّ ، ومثله شَكَرَ ، وقد تقدَّمَ ، وكال ، ووزن . وهل الأصلُ التعدِّي بحرف الجر والتَّعدِّي بنفسه ، أو كل منهما أصْلٌ ؟ الرَّاجِحُ الثَّالِثُ . وزعم بعضُهم أنَّ المفعول في هذه الأفْعَالِ محذوفٌ ، وأنَّ المجرور باللاَّم هي الثَّاني ، فإذا قُلْتَ : نَصَحْتُ لِزَيْدٍ فالتقديرُ : نصحتُ لزيدٍ الرَّأيَ ، وكذلك شَكَر له صنيعه وكِلْتُ له طعامه وَوَزَنْتُ له متاعه فهذا مَذْهَبٌ رابع . وقال الفرَّاءُ : " العربُ لا تَكَادُ تقول : نَصَحْتُكَ ، إنَّمَا يَقُولُونَ نَصَحْتُ لك وأنْصَحُ لك " ، وقد يجوز نصحتك . قال النابغة : [ الطويل ] @ 2434 - نَصَحْتُ بَنِي عَوْفٍ فَلَمْ يَتَقَبَّلُوا رَسُولِي وَلَمْ تَنْجَحْ لَدَيْهِمْ رَسَائِلِي @@ وهذا يقوِّي أنَّ اللاَّم أصلٌ . والنُّصْحُ : بَذْلُ الجُهْدِ في طلب الخَيْرِ خاصَّةً ، وضدُّهُ الغشُّ . وأمَّا " نَصَحْتُ لِزَيْدٍ ثوبه " فمتعدٍّ لاثنين ، لأحدهما بنفسه وللثاني بحرف الجرِّ باتِّفاقٍ ، وكأنَّ النُّصْحَ الذي هو بَذْلُ الجهد في الخير مأخُوذٌ من أحد معنيين : أمَّا من نَصَحَ أي أخْلَصَ ومنه : نَاصِحُ العسل أي خَالِصُهُ ، فمعنى نَصَحَهُ : أخلص له الوُدَّ ، وإمَّا من نَصَحْتُ الجِلْدَ والثَّوْبَ إذا أحكمت خياطتهما ، ومنه النَّاصحُ للخيَّاطِ والنِّصَاحُ للخيط ، فمعنى نَصَحه أي : أحكم رأيه منه . ويقال : نَصَحه نُصُوحاً ونَصَاحَةً قال تعالى : { تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نُّصُوحاً } [ التحريم : 8 ] بضمِّ النُّونِ في قراءة أبِي بَكْرٍ ، وقال الشَّاعر في " نَصَاحَةٍ " : [ الطويل ] @ 2435 - أحْبَبْتُ حُبًّا خَالَطَتْهُ نَصَاحَةٌ … @@ وذلك كذُهُوبٍ ، وذهابٍ .