Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 28-28)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الجملة الشَّرْطيَّة لا محلَّ لها من الإعراب ؛ لأنَّها استئنافيَّة وهو الظَّاهِرُ وجوَّزَ ابْنُ عَطِيَّة أن تكون داخِلَةً في حيِّز الصِّلَةِ لعطفها عليها . قال ابْنُ عطيَّة ليقع التوبيخ بصفة قَوْمٍ قد فعلوا أمثالاً للمؤمنين إذا شبه فعلهم فعل الممثل بهم . قوله : " وَجَدْنَا " يحتمل أنْ يكون العلمية أي علمنا طريقهم أنها هذه ، ويحتمل أن يكون بمعنى : لَقِينَا ، فيكون مفعولاً ثانياً على الأول وحالاً على الثاني . فصل في المراد من الآية . قوله { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } قال ابنُ عبَّاسٍ ، ومجاهدٌ : هي طوافهم بالبيت عراة . وقال عطاءٌ : الشِّرك . وقيل : ما كَانُوا يحرمونه من البحيرةِ والسَّائِبَةِ وغيرها ، وهو اسم لكلِّ فعل قبيحٍ بلغ النِّهايةَ في القُبْحِ ، فالأولى أن يحكم بالتعميم ، وفيه إضمارٌ مَعْنَاهُ : وإذا فعلوا فَاحِشَةً فنهوا عنها قالوا : وجدنا عليها آباءنا . قيل : ومن أينَ أخذ آباؤكم ؟ قالوا : اللَّهُ أمَرَنَا بها . واعلم أنَّهُ ليس المرادُ أنَّ القومَ كَانُوا يعتقدونَ أن تلك الأفعال فواحش ثم يزعمون أنَّ الله أمرهم بها ، فإنَّ ذلك لا يقولهُ عاقلٌ ، بل المراد أن تلك الأشياء في أنفسها فواحش ، والقوم كَانُوا يعتقدون أنها طاعات والله أمرهم بها ثُمَّ إنَّهُ تعالى حكى عنهم أنَّهُم كانوا يحتجون على إقدامهم على تلك الفواحِشِ بأمرين . أحدهما : { وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا } . والثاني : { وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } . فأمَّا الحُجَّةُ الأولى فما ذكر الله عنها جواباً لأنَّها محض التَّقْلِيد ، وهو طريقة فاسدَةٌ في عقل كلِّ أحد ؛ لأنَّ التقليد حاصل في الأديان المتناقضة فلو كان التَّقلِيدُ حقاً للزِمَ الحكمُ بأنَّ كُلَّ من المتناقضين حقّاً وذلك باطلٌ ، ولما كان فساد هذا الطَّريق ظاهراً جلياً لم يذكر الجواب عنه . وأمّا الحجَّةُ الثَّانِية وهي قولهم : { وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } فقد أجَابَ اللَّهُ عنها بقوله : { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } والمعنى أنَّه لما بين على لِسانِ الأنْبِيَاءِ والرُّسُلِ كون هذه الأفعال منكرة قبيحة ، فكيف يمكن القول بأنَّ اللَّهَ تعالى أمرنَا بِهَا . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } حذف المفعول الأوَّل للعلم به أي لا يأمر أحداً أو لا يأمركم يا مُدَّعين ذلك . فصل قالت المعتزلَةُ : قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } إشارة إلى أنَّهُ لما كان موصوفاً في نفسه بكونه من الفحشاء ؛ امتنع أن يأمر الله به ، وهذا يقتضي أن يكون كونه في نفسه فحشاً مغايراً لتعلق الأمر والنَّهْيِ بِهِ . والجوابُ : لما ثبت بالاستقراءِ أنَّهُ تعالى لا يأمرُ إلاَّ بما يكون مصلحة للعباد ولا ينهى إلا عمَّا يكون مفسدة لهم ، فقد صَحَّ هذا التَّعْلِيلُ . قوله : { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } والمعنى أن قولكم : إنَّ اللَّه أمَرَكُم بهذه الأفعال إمَّا لأنكم سمعتم كلام اللَّهِ تعالى ابتداء من غير واسطة ، أو عرفتم ذلك بطريقِ الوحي عن الأنْبِيَاءِ . أما الأول : فباطل بالضَّرُورةِ . وأما الثاني : فباطل على قولكم لأنَّكُم تنكرون نبوّة الأنبياءِ على الإطلاق لأن هذه المناظرة مع كُفَّار قُرَيْشٍ ، وهم كانوا منكرين أصْلَ النُّبُوَّةِ ، وإذا كان كذلك ، فلا طريق لهم إلى تحصيل العلم بأحْكَامِ اللَّهِ تعالى ، فكان قولهم : إنَّ الله أمرنا بها قولاً على اللَّه بما لا يَعْلَمُونَ ، وإنَّهُ بَاطِلٌ . قوله : { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } مفعول به ، وهذا مفرد في قوة الجملة ؛ لأنَّ ما لا يعلمون ممَّا يتقولونه على الله - تعالى - كلام كَثِيرٌ من قولهم : { وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } كتبحير البحائر وتسييب السَّوائب ، وطوافهم بالبيت عُرَاةً إلى غير ذلك وكذلك حذف المفعول من قوله : { أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ } [ الأعراف : 29 ] . فصل في دحض شبهة لنفاة القياس استدلَّ بهذه الآية نفاةُ القياس ؛ لأنَّ الحكم المثبت بالقياس مظنون غير معلوم وما لا يكون معلوماً لم يجز القول به لقوله تعالى في معرض الذَّمِّ : { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وقد تقدَّم جوابٌ عن مثل هذه الدلالةِ .