Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 29-29)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن عباس : أمر ربِّي بـ " لا إله إلا الله " لقوله تعالى : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ } [ آل عمران : 18 ] إلى قوله : { قَآئِماً بِٱلْقِسْطِ } [ آل عمران : 18 ] . وقال الضحاك : هو بالتوحيد . وقال مُجَاهِدٌ : والسُّدِّيُّ : بالعدل . قوله : " وأقِيمُوا " فيه وجْهَانِ : أظهرهما : أنَّهُ مَعْطُوفٌ على الأمْرِ المقدر أي الذي ينحل إليه المصدر ، وهو " بالقِسْطِ " وذلك أنَّ القِسْط مصدر فهو ينحل لحرف مصدري ، وفعل ، فالتَّقديرُ : قل : أمر ربي بأن أقسطوا وأقيموا ، وكما أنَّ المصدر ينحلُّ إلى " أنَّ والفعل الماضي " نحو : عَجِبْتُ من قِيَام زَيْدٍ وخرج ، أي : من أن قام ، وخَرَجَ ولـ " أن " وللفعل المضارع كقولها : [ الوافر ] @ 2449 - لَلُبْسُ عَباءَةٍ وتَقرَّ عَيْنِي … @@ أي : لأن ألبس عباءة وتقر ، كذلك ينحل لـ " أنَّ " وفعل أمر ؛ لأنَّهَا توصل بالثَّلاث الصِّيغ : الماضي والمُضارع والأمر بشرط التَّصَرُّف ، وقد تقدَّم تحقيقُ هذه المسألة وإشكالها وجوابُهُ . وهذا بخلاف " ما " فإنَّهَا لا تُوصَلُ بالأمْرِ ، وبخلاف " كي " فإنَّهَا لا توصل إلا بالمُضَارِع ، فلذلك لا ينحلُّ المصدر إلى " ما " وفعل أمر ، ولا إلى " كي " وفعل ماضي أو مضارع . وقال الزَّمخْشَرِيُّ : وقل أقيموا وجوهكم أي : اقصدوا عبادته ، وهذا من الزَّمَخْشَرِيِّ يحتمل تأويلين : أحدهما : أن يكون قوله " قل " أراد أنه مقدر غير هذا الملفوظ به فيكون " وأقيموا " معمولاً لقول أمر مقدر ، وأن يكون معطوفاً على قوله : " أمر رَبِّي " فإنه معمول لـ " قل " وإنما أظهر الزَّمَخْشرِيُّ " قُلْ " مع أقِيمُوا لتحْقيق عطفيته على " أمر رَبِّي " . ويجوز أن يكُون قوله " وأقِيمُوا " معطوفاً على أمْرٍ محذوف تقديره قل : أقبلوا وأقيموا . وقال الجُرْجانِيُّ صاحب " النَّظْمِ " : نسق الأمر على الجر وجاز ذلك ؛ لأنَّ قوله { قُلْ أَمَرَ رَبِّي } قول لأن الأمْرَ لا يكُونُ إلا كلاماً ، والكلام قول ، وكأنه قال : قل : يقول ربي : أقسطوا وأقيموا ، يعني أنَّهُ عطف على المعنى . و " مسجد " هنا يحتمل أن يكون مَكَاناً وزماناً . قال الزَّمَخْشَرِيُّ : في وقت كلِّ سُجُودٍ ، وفي مكان كلِّ سُجُودٍ ، وكان من حَقِّ " مسجد " بفتح العين لضمها في المضارع ، وله في هذا الشذوذ أخوات كثيرة مذكورة في التَّصريفِ . فصل في المراد بـ " أقيموا وجوهكم " قال مجاهد والسدي : معنى { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } وجهوا حَيْثُ ما كنتم في الصَّلاةِ إلى الكَعْبَةِ . وقال ابْنُ عبَّاس والضحاك : إذا حضرت الصَّلاةُ ، وأنتم عند مَسْجِدٍ فصلُّوا فيه ولا يقولن أحدكُم أصلي في مَسجْدِي . وقيل : معناه : اجعلوا سجودكم للَّهِ خَالِصاً ، والسبب في ذكر هذين القولين أنّ إقامة الوجه في العبادة قد تكون باستقبال القِبْلَةِ ، وقد تكون بالإخلاص في تلك العِبَادَةِ . والأقرب هو الأوَّلُ ؛ لأنَّ الإخْلاصَ مذكور بعده ، فلو حملناه على معنى الإخلاص صار كأنَّهُ قال : وأخلصوا عند كلِّ مَسْجدٍ وادْعُوه مُخلصينَ ، وذلك لا يستقيم . فإن قيل يستقيمُ ذلك إذا علقت الإخلاصَ بالدُّعَاءِ فقط . فالجواب لما أمكن رجوعه إليهما جميعاً لم يَجُزْ قصرهما على أحدهما خصوصاً مع قوله : { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } فعم كل ما يسمى ديناً ، وإذا ثبت هذا فاختلفوا في قوله : { عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } هل المرادُ منه زمان الصَّلاة أو مكانها على ما تقدم ؟ قوله : " مُخْلِصينَ " حال من فاعل " ادْعُوه " ، و " الدِّين " مفعولٌ به باسْمِ الفاعل وله متعلق بـ " مخْلِصين " ويجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ حالٌ من " الدين " ، والمراد اعبدوه مخلصين له الطَّاعة . " والعِبَادَة " قال ابن الخطيب : المرادُ به أعمالُ الصَّلاةِ ، وسمَّاها دعاءً لأنَّ الصلاة في اللُغة عبارة عن الدُّعاء ، ونظيره قوله { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ البينة : 5 ] . قوله : { كَمَا بَدَأَكُمْ } " الكاف " في محل نَصْبِ نَعْتاً لمصدر محذوف تقديرُهُ : تعُودُون عَوْداً مثل ما بدأكم . وقيل : تقديره : تُخْرَجُونَ خُرُوجاً مثل ما بَدَأكُم ذكرهما مَكي ، والأوَّل أليق بلفظ الآية الكريمة . وقال ابن الأنْبَارِيِّ : موضع " الكاف " في " كما " نصب بـ " تَعُودُونَ " وهو على مذهب العرب في تقديم مفعول الفعل عليه أي : تعودون كما ابتدأ خلقكم . قال الفارسي : كما بَدَأكُم تعودُون ليس على ظَاهِرِه إذ ظاهره تعودون على البَدْءِ ، وليس المَعْنَى تشبيههم بالبَدْءِ ، إنَّمَا المعنى على إعادة الخلق كما ابتدىء ، فتقدير { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } : كما بدأ خلقكم أي : يُحيي خلقكم عوداً كبدئه ، وكما أنَّه لم يَعْنِ بالبدء ظاهره من غير حذف المضاف إليه ، كذلك لم يَعْنِ بالعود من غير حذف المُضافِ الذي هو [ " الخلق " فلما حذف قام المضاف إليه مَقَامَ الفاعِلِ ، فصار الفَاعِلُونَ مخاطبين . كما أنه لما حذف المضاف ] من قوله : " كما بدأ خلقكم " صار المخاطبون مفعولين في اللفظ قال شهاب الدين : يعني أنَّ الأصل كما بَدَأ خلقكم يعودُ خلقكم ، فحذف " الخلق " في الموضعين وصار المخاطبون في الأوَّلِ مفعولين بعد أن كَانُوا مجرورين بالإضافة أيضاً وفي الثاني صاروا فَاعِلينَ بعد أنْ كانوا مجرورين بالإضافة . و " بدأ " بالهمز أنشأ واخترع ، ويستعمل بهذا المعنى ثلاثياً ورباعياً على " أفْعَلَ " فالثلاثيُّ كهذه الآية ، وقد جمع بين الاستعمالين في قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ } [ العنكبوت : 20 ] فهذا مِن " أبدأ " ثم قال : كيف بدأ الخلق ، هذا فيما يتعدى بنفسه . وأما ما يتعدَّى بالباءِ نحو : بَدَأتُ بكذا بمعنى قدَّمته وجعلتهُ أوَّل الأشياء ، يقال منه : بَدَأتُ به وابتدأت به . وحكى الرَّاغِب أيضاً أنَّهُ يقال من هذا : أبْدأتُ به على " أفْعَلَ " وهو غريب . وقولهم : أبْدأت من أرض كذا أي : ابتدأت منها بالخُرُوجِ والبَدْء السيد سمي بذلك ؛ قيل : لأنه يبدأ به في العد إذا عُدَّ السَّادَات وذكروا عليه قوله : [ الوافر ] @ 2450 - فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءاً ولَمَّا فَنَادَيْتُ القُبُورَ فَلَمْ تُجِبْنَهْ @@ أي جئت قَبُورَ قومي سيّداً ولم أكن سَيّداً ، لكن بموتهم صيّرت سيّداً ، وهذا ينظر لقول الآخر : [ الكامل ] @ 2451 - خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوَّرِ وَمِنَ العَنَاءِ تَفَرُّدِي بالسُّؤدُدِ @@ و " ما " مصدريَّةٌ ، أي : كبدئكم . فصل في معنى " كما بدأكم تعودون " . قال ابنُ عبَّاس : إنَّ الله بدأ خلق بني آدم مؤمناً وكافراً ، كما قال : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ } [ التغابن : 2 ] ، ثم يعيدُهم يَوْمَ القيامةِ كما خلقهم مُؤمناً وكافراً . وقال جَابِرٌ : يُبعثون على ما مَاتُوا عليه . روى جابر بْنُ عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يبعثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عليْهِ ، المُؤمِنُ على إيْمَانِهِ ، والكَافِرُ على كُفْرِهِ " وقال أبو العالية : " عَادُوا على علمه فيهم " . وقال سعيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : " كما كتب عَلَيْكُم تَكُونُونَ " . وقال محمدٌ بْنُ كَعْب : " من ابتدأ الله خلقه على الشِّقْوَةِ صار إليها ، وإن عمل عمل أهل السَّعادةِ ، كما أنَّ إبليس كان يعمل بِعَمَلِ أهل السَّعادةِ ثم صارَ إلى الشَّقاوةِ ، ومن ابتدأ خلقه على السَّعادة صار إليها ، وإن عمل بأعْمَال أهل الشٌّقاوة ، كما أنَّ السَّحَرَةَ كانت تَعْمَلُ بعمل أهل الشَّقاوةِ فَصَارُوا إلى السَّعادة " . روى سهل بْنُ سَعْد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العبد يَعْمَلُ فيما يرى النَّاسُ بعمل أهل الجَنَّةِ ، وأنَّهُ من أهل النَّار ، وإنَّهُ ليعمل فيما يرى النَّاس بعمل أهل النَّارِ ، وإنما هو من أهل الجنَّةِ ، وإنَّما الأعْمَالُ بالخواتيم " وقال الحسنُ ومُجَاهِدٌ : كمَا بَدَأكُمْ وخلقكم في الدُّنْيَا ولم تكونا شيئاً ، كذلك تعودون أحياء يَوْمِ القيامةِ : كما قال : { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } [ الأنبياء : 104 ] . قال قتادةُ ، هم من التُّراب وإلى التُّراب يعودُونَ ، ونظيره : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } [ طه : 55 ] ، واعلم أنَّه تعالى أمر أولاً بكلمة القِسْطِ وهي لا إله إلا الله ، ثم أمر بالصَّلاة ثانياً ، ثم بيَّن أنَّ الفائدة في الإتْيَانِ بهذه الأعمال إنما تظهر في الآخرة ، ونظيره قوله تعالى لموسى : { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } [ طه : 14 - 15 ] .