Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 31-31)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمَّا أمرنا بإقامة الصَّلاةِ بقوله : { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [ الأعراف : 29 ] . وكان ستر العورة شَرْطا لصحَّةِ الصَّلاةِ أتبعه بذكر اللِّباس . قال ابْنُ عبَّاس : إنَّ أهل الجاهليَّةِ من قبائل العرب كانوا يطوفون بالبيت عُرَاة ، وكانوا إذا وصلوا إلى مَسْجِدِ " منى " طرحوا ثيابهم ، وأتوا المسجد عُرَاةً ، وقالوا : لا نَطوفُ بثيابٍ أصبنا فيها الذَّنوب ، ومنهم من يقولُ : نفعلُ ذلك تفاؤلاً حتى نتعرى من الذُّنُوب كما تعرّينا عن الثياب ، وكانت المرأة منهم تتخذ ستراً تعلّقه على حقويها لتستتر به عن الحُمْس وهم قريشٌ ، فإنَّهُم كانُوا لا يَفْعَلُون ذلك ، وكانوا يطوفون في ثيابهم ، ولا يأكلون من الطعام إلاَّ قوتاً قال الكَلْبِيُّ : كانت بَنُو عامر لا يأكُلُونَ في أيَّام حجِّهم من الطعام إلا قوتاً ، ولا يأكلون دسماً ، يعظِّمُون بذلك حجهم فقال المسلمون يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحقُ أن نَفْعَلَ ذلك فنزلت هذه الآية . و " كُلُوا " يعني : اللحم والدسم . { وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } بتحريم ما أحلَّ الله لكم من اللحم والدسم . { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } الذين يفعلون ذلك . قال ابن عباس : " كُلْ ما شِئْتَ ، والبَسْ ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سرف ومخيلة " . قال عَلِيُّ بْنُ الحُسينِ بنِ واقدٍ : وقد جمع اللَّهُ الطبَّ كلَّه في نصف آية : { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } . فصل في معنى " الزينة " المراد من الزِّينة لبس الثيابِ لقوله تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } [ النور : 31 ] . يعني : الثّياب . والزينة لا تحصل إلا بالسّتر التام للعورات ، ولذلك صار التزين بأخذ الثياب في الجمع والأعياد سُنَّة ، فوجب حمل الزينة على ستر العورة . وقد أجمع المُفسرون على أن المراد بالزِّينةِ هنا لبس الثياب التي تستر العورة ، وقد أمر بها بقوله : " خُذُوا زينتَكُم " ، والأمرُ للوجوبِ ، فثَبَتَ أنَّ أخذ الزِّينةِ واجب ، وكل ما سوى اللبس فهو واجب ، فوجب حمل الزِّنةِ على اللبس عملاً بالنَّصِّ بقدر الإمكان ، فدلَّ على وُجُوبِ ستر العورة عند إقامة الصَّلاة . فإن قيل : إنَّهُ عطف عليه قوله : " كُلُوا واشْرَبُوا " ، وذلك أمر إباحة ، فوجب أن يكون قوله : " خُذُوا زِينَتَكُم " أمر إباحة أيضاً والجواب لا يلزم من ترك الظَّاهر المعطوف تركه في المعطوف عليه وأيضاً فدلالة الاقتران ضعيفة ، وأيضاً الأكل والشرب قد يكونان واجبين أيضاً في الجملة . فإن قيل هذه الآية وردت في المنع من الطواف حال العري . فالجواب : أن العِبْرَة بعموم اللَّفْظِ لا بخصوص السَّبب . إذا ثبت ذلك فقوله { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } يقتضي وجوب اللِّبس التَّام عند كل صلاةٍ ؛ لأن اللبس التام هو الزينة . ترك العمل به في القدر الذي لا يجبُ ستره من الأعْضَاءِ إجماعاً ، فبقي الباقي داخلاً تحت اللفظ . فصل في الأصل في الأكل الحل قوله : { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } مطلق ، يتناول جميع المطعومات والمشروبات ، فوجب أن يكون الأصل فيها الحلُّ في كل الأوقات إلا ما خصَّه الدَّليل المنفصلُ ، والعقل يؤكده ؛ لأنَّ الأصْلَ في المنافع الحلُّ والإبَاحَةُ . فصل في وجوب ستر العورة قال القُرْطُبِيُّ : دلَّت هذه الآيةُ على وُجُوبِ ستْرِ العوْرَةِ ، وعلى إباحةِ الأكْل والشرب ما لم يكن سرفاً ، فأمَّا ما تدعو الحاجة إليه وهو ما يسدُّ الجوعة ويسكن الظمأ مندوب إليه عقلاً وشرعاً ؛ لما فيه من حفظ النَّفْس وحراسة الحواس ، ولذلك ورد الشَّرْع بالنَّهي عن الوصالِ ؛ لأنَّهُ يضعف الجسد ، ويضعف عن العبادة . قوله : " ولا تُسْرِفُوا " . قيل : المرادُ أن يأَكل ويشرب بحيث لا يتعدَّى إلى الحرامِ ، ولا يكثر الإنفاق المستَقْبَح ، ولا يتناول مقداراً كثيراً يضرُّ به . وقال أبُو بَكْرٍ الأصَمُّ : المراد بالإسراف قولهم : تحريم البحيرة والسّائبة ، فإنَّهُم أخرجوها عن ملكهم ، وتَرَكُوا الانتفاع بها ، وحرَّموا على أنفسهم في الحجِّ أشياء أحَلَّها الله لهم ، وذلك إسراف . واعلم أنَّ حمل لفظ الإسْرَاف على الاستكثارِ [ و ] مما لا ينبغي أولى من حمله على المَنْعِ مما يَجُوزُ ويَنْبَغِي . وقوله : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } نهاية في التهديد ؛ لأن كل من لا يحبُّه الله يبقى محروماً عن الثَّواب ؛ لأنَّ معنى محبَّة الله للعبد إيصال الثَّواب إليه ، فعدمُ هذه المحبَّة عبارةٌ عن عدم حصول الثَّوابِ ، ومتى لم يحصل الثَّوابُ فقد حصل العِقَابُ لانعقاد الإجماع على أنَّهُ ليس في الوُجُودِ مكلّف لا يثابُ ولا يُعاقب .