Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 30-30)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في نصب " فريقاً " وجهان : أحدهما : أنَّهُ مَنْصُوبٌ بـ " هَدَى " بعده ، و " فريقاً " الثَّانِي منصوب بإضمار فعل يفسِّرهُ قوله : { حقَّ علَيْهِمُ الضَّلالَةُ } من حيثُ المعنى والتَّقديرُ : وأضلَّ فريقاً حقّ عليهم . [ قال القُرْطُبِيُّ : وأنشد سيبويه : [ المنسرح ] @ 2452 - أصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِّلاحَ وَلاَ أمْلِكُ رَأسَ البَعِير إنْ نَفَرَا والذِّئْبُ أخْشَاهُ إذْ مَرَرْتُ بِهِ وَحْدِي وأخْشَى الرِّيَاحَ والمَطَرا @@ قال الفرَّاءُ : ولو كان مرفوعاً لجاز ] ، وقدَّره الزمخشريُّ : " وخذل فريقاً " لأجل مَذْهَبِهِ . والجملتان الفعليتان في محلِّ نصب على الحال من فاعل " بَدَأكُمْ " أي : بَدَأكُم حال كَوْنِهِ هادياً فريقاً ومُضِلاًّ آخر . و " قد " مضمرة عند بعضهم ، ويجوزُ على هذا الوجه أيضاً أن تكون الجملتان الفعليَّتان مستأنفتيْنِ ، فالوقف على " يعودون " على هذا الإعراب تام ، بخلاف ما إذا جعلتهما حالين ، فالوقف على قوله : " الضَّلالة " . الوجه الثاني : أن ينتصب " فريقاً " على الحال من فاعل " تَعُودُونَ " [ أي : تعودون ] فريقاً مَهْدِيّاً ، وفريقاً حاقّاً عليه الضلالة ، وتكون الجملتان الفعليَّتان على هذا في محلِّ نصب على النَّعت لـ " فريقاً " و " فريقاً " ، ولا بدَّ حينئذٍ من حذف عائدٍ على الموصوف من " هدى " أي : فريقاً هداهم ، ولو قدَّرته " هَدَاهُ " بلفظ الإفراد لجاز ، اعتباراً بلفظ " فَرِيق " ، إلاَّ أنَّ الأوَّل أحسن لمناسبة قوله : { وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ } ، والوقف حينئذ على قوله ، " الضَّلالَةُ " ، ويؤيِّد إعرابه حالاً قراءة أبي بن كعب : " تعُودُون فريقين : فريقاً هدى ، وفريقاً حقَّ عليهم الضَّلالة " فـ " فريقين " نُصب على الحَالِ ، و " فريقاً " وفريقاً بدل ، أو منصوب بإضمار أعني على القطع ، ويجوز أن ينتصب " فريقاً " الأول على الحال من فاعل " تعودون " و " فريقاً " الثاني نصب بإضمار فعل يفسره { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } كما تقدَّم تحقيقه في كل منهما . وهذه الأوجه كلها ذكرها ابن الأنباري ، فإنَّهُ قال كلاماً حسناً ، قال - رحمه الله - : " انتصب فريقاً وفريقاً على الحال من الضَّميرِ الذي في " تعودون " ، يريدُ : تعودون كما ابتدأ خلقكم مختلفين ، بعضكم أشْقِيَاء وبعضكم سعداء ، فاتصل " فريقٌ " وهو نكرة بالضَّمِير الذي في " تَعُودُونَ " وهو معرفة فقُطِع عن لَفْظِهِ ، وعُطف الثاني عليه " . قال : ويجوز أن يكون الأوَّل منصوباً على الحال من الضَّمير ، والثاني منصوبٌ بـ { حَقَّ علَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } ؛ لأنَّهُ بمعنى أضلَّهم ، كما يقول القائل " عبد الله أكرمته ، وَزَيْداً أحسنت إليه " فينتصب زيداً بـ " أحْسَنْتُ إلَيْه " بمعنى نَفَعْته ؛ وأنشد : [ الوافر ] @ 2453 - أثَعْلَبَةَ الفَوَارِسِ أمْ رِيَاحاً عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشَابَا @@ نصب ثعلبة بـ " عدلت بهم طهية " ؛ لأنه بمعنى أهَنْتَهم أي : عدلت بهم من هو دُونَهُم ، وأنشد أيضاً قوله : [ الكامل ] @ 2454 - يَا لَيْتَ ضَيْفَكُمُ الزُّبَيْرَ وَجَارَكُمْ إيَّايَ لَبَّسَ حَبْلَهُ بِحِبَالِي @@ فنصب " إيَّاي " بقوله : لَبَّس حبله بحبالي ، إذ كان معناه خالطني وقصدني . قال شهابُ الدِّين : يريدُ بذلك أنَّهُ منصوبٌ بفعلٍ مقدر من معنى الثاني لا من لفظه ، هذا وجه التَّنْظِير . وإلى كون " فَرِيقاً " منصوباً بـ " هَدَى " و " فريقاً " منصوباً بـ " حقَّ " ذهب الفراء ، وجعله نظير قوله تعالى : { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الإنسان : 31 ] . قوله : " إنَّهُمُ اتَّخَذُوا " جار مجرى التَّعليل ، وإنْ كان استئنافاً لفظاً ، ويدلُّ على ذلك قراءة عيسى بن عمر ، والعبّاس بن الفضل ، وسهل بن شعيب " أنَّهُمُ " بفتح الهمزة ، وهي نص في العِلِّيِّة أي : حَقَّتْ عليهم الضلالة لاتِّخاذهم الشياطين أولياء ، ولم يُسند الإضلال إلى ذَاتِهِ المقدَّسَةِ ، وإن كان هو الفاعل لها تَحْسِيناً للفظ وتعليماً لعباده الأدَبِ ، وعليه : { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ } [ النحل : 9 ] . فإن قيل : كيف يستقيمُ هذا التَّعْليلُ مع قولكم بأنَّ الهُدَى والضَّلال إنما حصلا بخلق الله ابتداءً ؟ فالجوابُ : أنَّ مجموع القدرة والدَّاعي يوجب الفعل والدَّاعية التي دعتهم إلى ذلك الفعل هو أنَّهُم اتخذوا الشَّياطين أولياء . فصل في دحض شبهة خلق الأفعال احتجَّ أهْلُ السُّنَّة بهذه الآية على أنَّ الهدى والضلال من الله تعالى . قالت المعتزلة : " المرادُ فريقاً هدى إلى الجنَّةِ والثَّواب ، وفريقاً حقَّ عليهم الضَّلال أي : العذاب والصّرف عن طريق الثَّواب " . قال القاضي : لأنَّ هذا هو الذي يحقُّ عليهم دون غيرهم ، إذا العبد لا يستحق أن يضلّ عن الدِّين ، إذ لو استحقّ ذلك لجاز أن يأمر أولياءه بإضلالهم عن الدِّين كما أمرهم بإقامة الحدود المستحقة ، وفي ذلك زوال الثِّقَة بالنُّبُوَّات . وهذا الجوابُ ضعيف من وجهين : الأول : أن قوله " فَرِيقاً هَدَى " إشارة إلى الماضي ، وعلى التَّأويل الذي ذكروه يصيرُ المعنى : أنَّهُ تعالى سيهديهم في المستقبل ، ولو قال : إنَّ المراد : أنَّهُ تعالى حكم في الماضي أنَّهُ سيهديهم إلى الجنَّةِ كان هذا عُدُولاً عن الظَّاهِرِ من غير حاجة ؛ لأنَّهُ قد تبين بالدَّليل القاطع أن الهدى والضلال ليسا إلا من الله تعالى . والثاني : هب أن المراد من الهداية والضَّلال حكم الله بذلك ، إلا أنّه لما حصل هذا الحكم امتنع من العبد صدور غيره ، والإلزام انقلاب ذلك الحكم كذباً ، والكذب على الله مُحَال ، والمفضي إلى المحال محال ، فكان صدور خلاف ذلك من العَبْدِ مُحَالاً . قوله : { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } . قال ابن عباس : يريد ما سَنَّ لهم عمروُ بْنُ لحَيِّ ، وهذا بعيد بل هو محمول على عُمُومِهِ ، فكلُّ من شرع في بَاطِلِ فهو مستحقٌّ للذم ، سواء حسب كَوْنِهِ هدى ، أو لم يحسب ذلك ، وهذه الآية تدل على أنَّ الكافرَ الذي يظن أنَّهُ في دينه على الحقِّ والجاحد المعاند سواء ، وتدلُّ أيضاً على أنَّ مُجَرَّد الظن والحسْبَانِ لا يكفي في صحَّة الدين ، بل لا بدَّ فيه من الجَزْمِ والقَطْعِ ؛ لأنَّهُ تعالى ذم الكفار بأنهم يحسبون كوْنِهِم مهتدين ، ولولا أن هذا الحسبان مذموم وإلاَّ لما ذمهم بذلك .