Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 38-38)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلفوا في هذا القائل ، فقال مقاتل : " هو كلامُ خازِنِ النَّارِ " ، وقال غيره : " هو كلام اللَّهِ " ، وهذا الاختلاف مبني على أنَّ الله - تعالى - هل يتكلَّمُ مع الكفار أم لا ؟ ، وقد تقدمت هذه المسألة . قوله : " فِي أمَمٍ " يجوزُ أنْ يتعلَّق قوله : " في أمَمٍ " وقوله " في النَّارِ " كلاهما بـ " ادْخُلُوا " ، فيجيء الاعتراضُ المشهور وهو كيف يتعلّق حرفا جرٍّ متحدا اللفظ والمعنى بعامل واحد ؟ ، فيجاب بأحد وجهين : إمَّا أنَّ " في " الأولى ليست للظَّرفية ، بل للمعيّة ، كأنَّهُ قيل : ادخلوا مع أممٍ أي : مصاحبين لهم في الدُّخول ، وقد تأتي " في " بمعنى " مع " كقوله تعالى : { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } [ الأحقاف : 16 ] . وقول الشاعر : [ الطويل ] @ 2462 - شَمُوسٌ ودُودٌ فِي حَيَاءٍ وعِفَّةٍ رخِيمَةُ رَجْعِ الصَّوْتِ طَيِّبَةُ النَّشْرِ @@ وإمَّا بأن " في النَّار " بدل من قول " فِي أمَمٍ " وهو بدل اشتمال كقوله : { أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ ٱلنَّارِ } [ البروج : 4 ، 5 ] . فإنَّ النَّار بدل من الأخدود ، كذلك " في النَّارِ " بدل من " أمَمٍ " بإعادة العامل بدل اشتمال ، وتكونُ الظرفية في [ " في " ] مجازاً ؛ لأنَّ الأمم ليسوا ظروفاً لهم حقيقة ، وإنَّما المعنى : ادخلوا في جملة أمَمٍ وغمارهم . ويجوز أن تتعلّق " فِي أمَمٍ " بمحذوف على أنَّهُ حال أي : كائنين في جملة أمم . و " فِي النَّارِ " متعلّق بـ " خلت " أي : تسبقكم في النَّارِ . ويجوز أنْ تتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ صفة لـ " أمَمٍ " فتكون " أمم " قد وصفت بثلاثة أوصاف : الأولى : الجملة الفعليّة ، وهي قوله " قَدْ خَلَتْ " . والثاني : الجارّ والمجرور ، وهو قوله : { مِن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } . الثالث : قوله : " فِي النَّارِ " ، والتقدير : في أممٍ خالية من قبلكم كائنة من الجنِّ والإنس ، ومستقرَّة في النَّارِ . ويجوز أن تتعلَّق " فِي النَّار " بمحذوفٍ أيضاً ، لا على الوَجْهِ المذكور ، بل على كونه حالاً من " أمَمٍ " ، وجاز ذلك وَإنْ كانت نكرة لتخصُّصها بالوصفين المُشَار إليهما . ويجوز أن يكون حالاً من الضَّميرِ في " خَلَتْ " ؛ إذ هو ضمير الأمَمِ ، وقُدِّمت الجنُّ على الإنس ؛ لانَّهم الأصل في الإغواء . قوله : " كُلَّما دَخَلتْ " تقدَّم نظيرها ، وهذه الجملة يحتمل أن تكون صفة لـ " أمم " أيضاً ، والعائد محذوفٌ أي : كلما دخلت أمة منهم أي : من الأمَمِ المتقدَّمةِ لعنت أختَهَا ، والمعنى : أن أهل النّار يلعنُ بعضهم بَعْضاً ، ويتبرَّأ بعضهم مِنْ بَعْضٍ كما قال تعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . والمرادُ بقوله أختها أي : في الدّين . قوله : " حتَّى " هذه غاية لما قبلها ، والمعنى : أنَّهُم يدخلون فَوْجاً فَوْجاً ، لاعناً بعضهم لبعض إلى انتهاء تداركهم فيها . وقرأ الجمهور : " إذَا ادَّارَكُوا " بوصل الألف وتشديد الدَّال ، والأصلُ : تداركوا ، فلما أريد إدغامُهُ فُعل به ما فُعل بـ " ادَّارَأتُمْ " ، وقد تقدَّم تصريفه في البقرة [ 72 ] . قال مكيٌّ : ولا يستطاع اللفظ بوزنها مع ألف الوصل ؛ لأنَّك تردُّ الزائد أصلياً فتقول : افاعلوا ، فتصير تاء " تفاعل " فاء الفعل لإدغامها في فاء الفِعْلِ ؛ وذلك لا يجوزُ ، فإنْ وزنتها على الأصل فقلت : تَفَاعَلُوا جاز . وهذا الذي ذكر من كونه لا يمكن وزنه إلا بالأصْلِ ، وهو " تفاعلوا " ممنوع . قوله : " لأنَّكَ تردّ الزَّائد أصليّاً " . قلنا : لا يلزم ذلك ؛ لأنَّا نزنه بلفظه مع همزة الوَصْلِ ، وتأتي بناء التفاعل بلفظها ، فتقولُ : وزن ادَّارَكوا : اتفاعلوا ، فيلفظ بالتاء اعتباراً بأصلها ، لا بما صارتْ إليه حال الإدغام . وهذه المسألةُ نصُّوا على نظيرها ، وهو أنَّ تاء الافتعال إذا أبْدِلت إلى حرف مُجَانِسٍ لما قبلها كما تبدل تاء طاء ، أو دالاً في نحو : اصْطَبَر ، واضْطَرَبَ ، وازْدَجَرَ ، وادَّكَرَ ، إذا وُزِن ما هي فيه قالوا : يُلفظ في الوزن بأصل تَاءِ الافتعال ، ولا يُلفظ بما صارت إليه من طاء أو دال ، فتقولُ : وزن اصطبر افتعل لا افطعل ، ووزن ازدجر افتعل لا افدعل ، فكذلك تقولُ هنا : وزن ادَّاركوا اتفاعلوا لا افَّاعلوا ، فلا فرق بين تاء الافتعال والتَّفاعل في ذلك . وقرأ ابْنُ مسعودٍ والأعْمَشُ ، ورويت عن أبي عمرو : تَدَارَكُوا وهي أصل قراءة العامة . وقرأ أبو عمرو " إذا إِدَّاركوا " بقطع همزة الوصل . قال ابن جني : " هذا مشكل ، ومثلُ ذلك لا ينقله ارتجالاً ، وكأنَّهُ وقف وقفة مستنكرٍ ، ثم ابتدأ فقطع " . وهذا الذي يُعتقد من أبي عمرو ، وإلا فكيف يقرأ بما لا يثبت إلا في ضرورة الشِّعْرِ في الأسماء ؟ كذا قال ابنُ جنيٍّ ، يعني أن قطع ألف الوَصْل في الضَّرورة إنَّمَا جاء في الأسماء . وقرأ حميد " أُدْرِكوا " بضم همزة القطع ، وسكون الدَّال وكسر الراء ، مثل " أخْرِجُوا " جعله مبنياً للمفعول بمعنى : أُدْخِلوا في دركاتها أو أدراكها . ونقل عن مُجَاهدٍ بْنِ جَبْرٍ قراءتان : فروى عنه مكي " ادَّرَكوا " بوصل الألف وفتح الدال مشدّدة وفتح الراء ، وأصلها " ادْتَرَكوا " على افتعلوا مبنياً للفاعل ، ثم أدغم ، كما أدغم " ادَّان " من الدَّيْن . وروى عنه غيره " أدْرَكوا " بفتح الهمزة مقطوعة ، وسكون الدَّال وفتح الرّاء ، أي : أدرك بعضُهم بعضاً . وقال أبُو البقاءِ : وقرىء : " إذَا ادَّاركوا " بألف واحدة ساكنة بعدها دال مشدَّدة ، وهو جمع بين ساكنين ، وجاز في المنفصل كما جاز في المتَّصل ، وقد قال بعضهم : " اثْنَا عَشَر " بإثبات الألف وسكون العَيْنِ ، يعني بالمتصل نحو : " الضَّالين " وجانّ ، ومعنى المنفصل أنَّ ألف " إذَا " من كلمة ، والسَّاكن الثاني من كلمة أخرى . وَ " ادّاركوا " بمعنى تَلاحَقُوا ، وتقدَّمُ تفسير هذه المادة [ النساء : 78 ] . و " جميعاً " حال من فاعل " ادَّاركوا " . قوله : { أُولاَهُمْ لأُِخْرَاهُمْ } يحتمل أن تكون فُعْلى أنثى أفعل الذي للمفاضلة ، والمعنى على هذا كما قال الزمخشريُّ : " أخْرَاهم منزلة ، وهم الأتباع [ والسَّفلة ] ، لأوْلاهم منزلة وهم القادة والرؤساء " . ويحتمل أن تكون " أخرى " بمعنى آخرة تأنيث آخر مقابل الأوَّل ، لا تأنيث " آخر " الذي للمفاضلة كقوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ فاطر : 18 ] . والفرقُ بين أخرى بمعنى آخرة ، وبين أخرى تَأنيث آخر بزنة أفعل للتفضيل ، أن التي للتفضيل لا تدلُّ على الانتهاء ، كما لا يدلُّ عليه مذكَّرها ، ولذلك يُعطف أمثالُها عليها في نوع واحد تَقُولُ : مررت بأمراة وأخرى وأخرى كما تقول : مررت برجل وآخر وآخر ، وهذه تدلُّ على الانتهاء ، كما يدلُّ مذكَّرها ، ولذلك لا يُعطف أمثالُها عليها ، ولأنَّ الأولى تفيد إفادة " غير " ، وهذه لا تفيدُ إفادة " غير " . والظَّاهِرُ في هذه الآية الكريمة أنَّهُمَا ليستا للتَّفضيل ، بل لما ذكرنا . قال ابن عباس ومقاتل : " أخراهم دخولاً في النار لأولاهم دخولاً فيها " . واللام في " لأولاهم " للتّعليل أي : لأجل ، ولا يجوزُ أن تكون التي للتّبليغ كهي في قولك : قلتُ لزيد افعل . قال الزمخشريُّ : " لأنَّ خطابهم مع اللَّه لا معهم " ، وقد بسط القول قبله في ذلك الزَّجَّاج فقال : " والمعنى : وقالت أخراهم : يا ربَّنا هؤلاء أضلُّونا ، لأولاهم " فذكر نحوه . قال شهابُ الدِّينِ : وعلى هذا فاللاَّمُ الثَّانية في قوله : " أولاهم لأخْرَاهُم " يجوز أن تكون للتَّبليغ ، لأنَّ خطابهم معهم بدليل قوله : { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } [ الأعراف : 39 ] قوله : { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا } يعني : أنَّ الأتباع يقولون : إنَّ المتقدّمين أضلّونا ، يعني : أنَّ القادة أضلونا عن الهدى والدين فأتِهِمْ عذاباً ضعفاً من النَّارِ . قال أبُو عبيدة " الضِّعفُ : مثل الشَّيء مرةً واحدة " . قال الأزْهَريُّ : ما قاله أبو عبيدة هو ما يستعمله النَّاسُ في مجاز كلامهم ، وقد قال الشَّافِعِيُّ قريباً منه فقال في رجل أوصى : " أعطوه ضِعْفَ ما يُصيبُ وَلَدِي " قال : " يُعطَى مثله مرتين " . قال الأزْهَرِيُّ : " الوصايَا يستعمل فيها العرف ، وما يتفاهمه النَّاس ، وأما كتاب اللَّهِ فهو عربيٌّ مبينٌ ، ويُرَدُّ تفسيره إلى لغةِ العربِ ، وموضوع كلامها الذي هو صنعة ألْسِنَتِهَا . والضِّعف في كلام العرب المِثْل إلى ما زاد ، ولا يقتصر به على مثلين ، بل تقول : هذا ضِعْفه أي مِثْلاه ، وثلاثة أمثاله ، لأنَّ الضِّعْفَ في الأصل زيادة غير محصورة ، ألا ترى إلى قوله تعالى تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ } [ سبأ : 37 ] لم يُرِدْ به مِثْلاً ولا مِثْلَيْن ، وأوْلَى الأشياء به أن يُجْعل عشرةَ أمثاله كقوله تعالى : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [ الأنعام : 160 ] فأقلُّ الضّعف محصور وهو المِثْلُ وأكثره غير محصورٍ " . ومثل هذه المقالة قال الزَّجَّاجُ أيضاً فإنَّهُ قال : أي عذاباً مضاعفاً ؛ لأنَّ الضعف في كلام العرب على ضربين : أحدهما : المِثْلُ ، والآخر : أن يكون في معنى تضعيف الشيء أي زيادته إلى ما لا يتناهى ، وقد تقدَّم طرف من هذا في البقرة . وأما قول الشَّافعيِّ في " الوصيَّة " : إنَّهُ المثل ، فلأن التركة متعلقة بحقوق الورثة ، إلا أنَّا لأجل الوصيّة صرفنا طائفة منها إلى الموصى له ، والقدر المتيقن في الوصيّة هو المثل ، والباقي مشكوك فيه فيأخذ المتيقّن ويطرح المشكوك فيه فلهذا السّبب حملنا الضِّعْفَ في الوصيَّة على المثلين . قوله : " ضعْفاً " صفة لـ " عذاباً " ، و " من النَّارِ " يجوز أن يكون صفة لـ " عذاباً " ، وأن يكون صفة لـ " ضعْفاً " ، ويجوز أن يكون " ضعفاً " بدلاً من " عذاباً " . قوله : " لِكُلٍّ " أي : لكلّ فريق من الأخرى ، والأولى أو القادة والأتباع . قوله : { وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } قراءة العامّة بتَاءِ الخطاب : إمَّا خطاباً للسَّائلين ، وإمَّا خطاباً لأهل الدُّنيا أي : ولكن لا تعلمون ما أعدَّ من العذاب لكل فريق . وقرأ أبُو بَكْرِ عن عاصمٍ بالغيبة ، وهي تحتمل أن يكون الضَّمير عائداً على الطائفة السّائلة تضعيف العذاب ، أو على الطّائفتين ، أي : لا يعلمون قَدْر ما أعدَّ لهم من العذاب . فإن قيل : إن كان المراد من قوله : لكلّ أحد من العذاب ضعف ما يستحقه ، فذلك غير جائز ؛ لأنَّهُ ظلم ، وإن لم يكن المراد ذلك فما معنى كونه ضعفاً ؟ . فالجوابُ : أنَّ عذاب الكفَّار يزيد فكل ألم يحصل فإنَّهُ يعقبه حصول ألم آخر إلى غير نهاية ، فكانت تلك الآلام متضاعفة متزايدةٍ لا إلى آخر .