Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 50-50)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال عطاءٌ عن ابن عباس : " لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنَّة طمع أهل النَّار في الفرج ، فقالوا : يا رب ، إنَّ لنا قرابات من أهل الجَنَّة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فأمر الله الجنة فتزحزحت فنظروا إلى قراباتهم في الجنة ، وما هم فيه من النعيم ، فعرفوهم ، ولم يعرفهم أهل الجنة لسواد وجوههم ، فَنَادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم ، وأخبروهم بقراباتهم { أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } . قوله : " أنْ أفِيْضُوا " كأحوالها من احتمال التفسير والمصدرية ، و " مِنَ المَاءِ " متعلق بـ " أفيضَوا " على أحد وجهين : إمَّا على حذف مفعول أي : شيئاً من الماء ، فهي تبعيضية طلبوا منهم البعض اليسير ، وإمّا على تضمين " أفِيضُوا " معنى ما يتعدّى بـ " من " أي : أنعموا منه بالفيض . وقوله : { أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ } " أو " هنا على بابها من اقتضائها لأحد الشيئين ؛ إمَّا تخييراً ، أو إباحة ، أو غير ذلك مما يليق بهما ، وعلى هذا يقال : كيف قيل : حرَّمهما فأعيد الضَّميرُ مثنى وكان من حق من يقول : إنَّها لأحد الشيئين أن يعود مفرداً على ما تقرَّر غير مّرة ؟ وقد أجابوا بأن المعنى : حرّم كلاًّ منهما . وقيل : إن " أو " بمعنى الواو فعود الضمير واضح عليه . و " مِمَّا " " ما " يجوزُ أن تكون موصولة اسميّة ، وهو الظَّاهِرُ ، والعائد محذوف أي : أو من الذي رزقكموه الله ، ويجوزُ أن تكون مصدرية ، وفيه مجازان . أحدهما : أنَّهم طلبوا منهم إفَاضَةَ نفس الرزق مبالغة في ذلك . والثاني : أن يراد بالمصدر اسم المفعول ، كقوله : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 60 ] في أحد وجهيه . وقال الزمخشريُّ : أو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من غيره من الأشْرِبَةِ لدخوله في حكم الإفاضة " . ويجوزُ أن يُراد : أن ألْقوا علينا من ما زرقكم الله من الطعام والفاكهة كقوله : [ الرجز ] . @ 2474 - عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارداً … @@ قال أبُو حيَّان : وقوله : " وألْقوا علَيْنَا مِمَّا رَزَقكُمُ اللَّهُ منَ الطَّعامِ والفاكهة " يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون قوله : " أفيضُوا " ضُمِّن معنى قوله : " ألقوا علينا من الماء ، أو مما رزقكم الله " فيصحُّ العطف . ويحتمل - وهو الظاهر من كلامه - أن يكون أضمر فعلاً بعد " أو " يصل إلى مما رزقكم اللَّهُ ، وهو " ألقوا " ، وهما مذهبان للنحاة فيما عُطفَ على شيء بحرف عطف ، والفعل لا يصل إليه ، والصَّحيحُ منهما التّضمين لا الإضمار . قال شهابُ الدِّين : " يعني الزمخشري : أن الإفاضة أصل استعمالها في الماء ، وما جرى مجراه في المائعات ، فقوله : " أو من غيره من الأشْرِبَةِ " تصحيح ليسلّط الإفاضة عليه ؛ لأنَّهُ لو حُمِلَ مما رزقكم اللَّه على الطعام والفاكهة لم يَحْسُن نسبة الإفاضة إليهما إلاَّ بتجوز ، فذكر وجه التجوز بقوله : " ألقوا " ، ثم فسَّره الشيخ بما ذكر ، وهو كما قال ، فإن العلف لا يُسند إلى الماء فيؤولان بالتضمين أي : فعلفتها ، ومثله : [ الوافر ] @ 2475 - … وَزَجَّجْنُ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا @@ وقوله : [ مجزوء الكامل ] @ 2476 - يَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحَا @@ وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ } [ الحشر : 9 ] وقد مَضَى من هذا جملة صالحة " . وزعم بعضهم أن قوله : { أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } عام يندرج فيه الماء المتقدِّم ، وهو بعيد أو متعذّر لِلْعَطْفِ بـ " أو " . والتَّحريم هنا المنع كقوله : [ الطويل ] @ 2477 - حَرَامٌ عَلَى عَيْنَيَّ أنْ تَطْعَمَا الكَرَى … @@ فصل في فضل سقي الماء قال القرطبيُّ : " هذه الآية دليل على أن سقي الماء أفضل الأعمال " . وقد سئل ابن عباس : أي الصّدقة أفضل ؟ قال : الماء ، ألم تروا إلى أهْلِ النَّار حين استغاثوا بأهل الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو ممَّا رزقكم الله . وروى أبو داود " أن سعداً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أي الصدقة أحب إليك ؟ قال : المَاءُ ، فَحَفَر بِئراً وقال : هذه لأمِّ سَعْدٍ " . فصل في أحقية صاحب الحوض بمائه قال القرطبي : " وقد استدلّ بهذه الآية من قال : إنَّ صاحب الحوض والقربة أحقُّ بمائه ، وأن له منعه ممن أراده ؛ لأن معنى قول أهل الجنَّة : { إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } لا حق لكم فيها " .