Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 60-61)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " قَالَ المَلأ " . قال ابن عطية : وقرأ ابن عامر : " المَلَؤُ " بواوٍ ، وهي كذلك في مصاحفِ الشَّامِ ، وهذه القراءةِ ليست مَشْهُورةً عنه قال المفسِّرُونَ : الملأ : الكبراء والسَّاداتُ الذين جعلَوا أنفسهم أضداد الأنبياء ، ويدلُّ على ذلك قوله : " مِنْ قَوْمِهِ " ؛ لأنَّهُ يقتضي التَّبْعِيضَ ، وذلك البَعْضُ لا بدَّ وأن يكونوا موصوفين بِصِفَةٍ لأجلها استحقُّوا هذا الوَصْفَ بأن يكونوا هم الذين يملئون صدور المَجَالس ، وتمتلىء القلوب من هَيْبَتِهِم ، وتمتلىءُ الأبصارُ من رُؤيتهم ، وهذه الصِّفاتُ لا تحصل إلا في الرُّؤسَاءِ . قوله : " إنَّا لَنَرَاكَ " يجوزُ أن تكون الرُّؤيَةُ قلبية فتتعدى لاثنين ثانيهما " في ضلالٍ " ، وأن تكون البَصريَّة وليس بظاهر فالجارُّ حال ، وجعل الضَّلالِ ظَرْفاً مبالغة في وصفهم له بذلكَ ، وزادوا في المبالغة بأن أكَّدُوا ذلك بأن صَدَّرُوا الجملة بـ " إنَّ " وفي خبرها اللاَّم . وقوله : { لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ } الضَّلالُ ، والضَّلالةُ ، العدول عن الحق . فإن قيل : قولهم : إنَّا لنراك في ضلال جوابه أن يقال : ليس في ضلال فَلِمَ أجاب بقوله { لَيْسَ بِي ضلالةٌ } . فالجوابُ أنَّ قوله : { لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ } من أحسن الردِّ وأبلغه ؛ لأنَّهُ نفى أن تلتبس به ضلالة واحدة فضلاً عن أن يحيط به الضلالُ ، فكان المعنى : ليس بي نوع من أنْواعِ الضَّلالة ألْبَتَّةَ ، فكان هذا أبْلَغَ في عموم السّلب فلو قال : لستُ ضالاًّ لم يُؤدِّ هذا المعنى . واعلم أنَّ القَوْمَ إنما نسبوا نوحاً في ادِّعَاءِ الرِّسالةِ إلى الضَّلال لأمور : أحدها : أنَّهُمْ استبعدوا أن يكون للَّهِ رَسُولاً إلى خلقه ، لاعتقادهم أن المقصود من الإرْسَالِ التَّكْلِيفُ : والتَّكْلِيفُ لا منفعة فيه للمَعْبُودِ ؛ لأنَّهُ متعالٍ عن النَّفْع والضَّرَرِ ، ولا مَنْفَعَةَ فيه للعابد ؛ لأنَّهُ فِي الحالِ مضرَّة ، وما يوحى فيه من الثَّواب والعقاب فاللَّهُ - تعالى - قادر على تحصيله بغير واسطة تكليفٍ ، فيكونُ التَّكليف عبثاً ، واللَّهُ منزهٌ عن العَبَثِ . وثانيها : أنَّهُم وإن جَوَّزُوا التَّكْلِيفَ إلا أنَّهُم قالُوا : ما علمنا حسنه بالعَقْلِ فعلناه ، وما علمنا قُبْحَهُ تركناه حَذَراً من خَطَرِ العقابِ ، فاللَّهُ تعالى مُنَزَّهٌ عن أنْ يكلِّفَ عبده ما لا طاقة له به ، وإذا كان رسولُ العقل كافياً ، فلا حاجة إلى بعثه رسولاً آخر . وثالثها : أي بتقدير أنَّهُ لا بدَّ من الرسول ، فإرسال الملائكة أولى ؛ لأنَّ مهابتهم أشَدُّ ، وطهارتهم أكملُ ، وبعدهم عن الكذب أعْظَمُ . ورابعها : اعلم أنَّ بتقدير أن يَبْعَثَ رَسُولاً من البشرِ ، فلعلَّ القوم اعتقدوا أن الفقيرَ الذي ليس له أتباعٌ ، ولا رئاسة لا يليق به منصب الرسالة ، أو لعلَّهم اعتقدُوا أنَّ ادعاء نوح الرِّسالة من باب الجُنُونِ وتخييلات الشَّيطان ، فلهذه الأسباب حَكَمُوا على نوح بالضَّلالِ ، وقد أجابهم نُوحٌ ببقية الآيَةِ على ما يأتي في أثنائها . ثمَّ إنَّهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لما نفى العيبَ عن نفسه ، وصف نفسه بأشرف الصِّفات وهو قوله : { وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } جاءت " لَكِنَّ " هنا أحسن مجيء ؛ لأنَّها بين نقيضين ؛ لأنَّ الإنسان لا يخلو من أحدَ شَيْئَيْنِ : ضلال ، أو هدى ، والرِّسَالة لا تجامع الضَّلال . و " مِنْ رَبِّ " صفة لـ " رَسُول " ، و " مِنْ " لابتداء الغاية المجازية .