Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 62-64)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " أبَلِّغُكُمْ " يجوزُ أن تكون جملة مستأنفة أتى بها لبيانِ كونه رسولاً ، ويجوز أن تكون صفةً لـ " رَسَولٍ " ، ولكنَّهُ راعى الضَّمِيرَ السَّابِقَ الذي للمتكلِّم فقال : أبَلِّغُكُمْ ، ولو راعى الاسم الظَّاهِرَ لقال : يُبَلِّغكم ، والاستعمالان جائزان في كلِّ اسم ظاهرٍ سبقه ضمير حاضر من متكلم ، أو مخاطب فتحرَّر لك فيه وجهان : مراعاةُ الضَّميرِ السَّابِقِ ، وهو الأكثر ، ومراعاة الاسم الظَّاهر فيقول : أنَا رجلٌ أفعل كذا مراعاة لـ " أنا " ، وإن شئت أنا رجل يفعل كذا مراعاة لرجُلٍ ، ومثله : أنْتَ رجلٌ يفعل وتفعلُ بالخطاب والغيبة . وقرأ أبو عَمْرٍو : " أبْلِغُكُمْ " بالتَّخفيف ، والباقون بالتَّشديدِ ، وهذا الخلافُ جارٍ هنا في الموضعين ، وفي الأحقاف والتَّضعيف والهمزة للتَّعْدِيَةِ كأنْزَلَ ، ونَزَّلَ ، وجمع " رسالة " باعتبار أنواعها من أمر ونهي ، ووعظ ، وزجر ، وإنذار ، وإعذار ، وقد جاء الماضي على أفْعَل في قوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ } [ هود : 57 ] فهذا شاهدٌ لقراءة أبِي عَمْرٍو ، وجاء على فعَّل في قوله : { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [ المائدة : 67 ] فهذا شاهدٌ لقراءة الجماعة . واعلم أنَّهُ ذكر ما هو المقصود من الرِّسالة ، وهو أمران : أن يبلغ الرِّسالة ، وتقرير النَّصِيحَةِ ، والفرقُ بينهما أنَّ تبليغ الرِّسالة معناه : أن يعرفهم أنْوَاعَ تَكَاليفِ اللَّه ، وأوامره ، ونواهيه ، وأمَّا النَّصيحةُ فهو ترغيبهم في الطَّاعَةِ ، وتحذيرهم عن المعاصي . قوله : " وأنْصَحُ لَكُمْ " . قال الفرَّاءُ : العربُ لا تَكَادُ تقُولُ : نصحتك ، إنَّمَا يقولون : نصحتُ لك ، ويجوز أيضاً : نَصَحْتُكَ . قال النابغة : [ الطويل ] @ 2498 - نَصَحْتُ بَنِي عَوْفٍ فَلَمْ يَقْبَلُوا نُصْحِي وسُؤلِي ، وَلَمْ تَنْجَحْ لَديْهِمْ رَسَائِلِي @@ فصل في بيان حقيقة النصح وحقيقةُ النُّصْحِ الإرْشَادُ إلى المصلحةِ مع خلوص النية من شوائب المكروه ، والمعنى : إنِّي أبَلِّغ لَكُمْ تَكَالِيفَ اللَّهِ ، ثمَّ أرشدكم إلى الأصوب ، والأصْلَحِ ، وأدعوكم إلى ما دَعَانِي ، وأحبِّبُ لكم ما أحبه لنفسي . قوله : { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . قيل : أعلم أنكُم إن عصيتم أمره عاقبكم بالطُّوفَانِ . وقيل : أعلم أنَّهُ يعاقبكم في الآخرة عذاباً شديداً ، خارجاً عمَّا تتصوَّرُهُ عقولُكُمْ . وقيل : أعلم من توحيد الله وصفاتِ جلالهِ ما لا تعلمون . والمقصود من ذكر هذا الكلام : حملُ القَوْمِ على أنْ يرجعوا إليه في طلب تلك العُلُومِ . واعلم أنَّ نوحاً - عليه الصلاة والسلام - أزال تعجبهم وقال : إنَّه تعالى خالق الخلق ، فله بحكم الإلهية أنْ يأمر عبيده ببعض الأشياء وينهاهم عن بعضها ، ولا يجوزُ أن يخاطبهم بتلك التَّكاليف من غير واسطة ؛ لأنَّ ذلك ينتهي إلى حَدِّ الإلجاء ، وهو يُنَافِي التَّكْلِيف ، ولا يجوز أن يكون ذلك الرسُولُ من الملائكة ، لما تقدَّم في " الأنعام " في قوله : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً } [ الأنعام : 9 ] ، فلم يَبْقَ إلا أن إيصال التَّكالِيف إلى الخَلْقِ بواسطة إنسان يبلغهم ، وينذرهم ويحذرهم ، وهذا جوابُ شُبَهِهم . قوله : " أوَ عَجْبتُمْ " ألفُ استفهامٍ دخلت على واو العَطْفِ ، وقد تقدَّم الخلافُ في هذه الهَمْزَةِ السَّابقة على الواو ، وقدَّر الزمخشري على قاعدته معطوفاً عليه محذوفاً تقديره : أكذَّبْتُمْ وعجبتم " أنْ جَاءَكُمْ " أي : مِنْ أنْ جاءكم ، فلما حذف الحَرْفَ جرى الخلاف المشهورُ . " مِنْ رَبِّكُمْ " صفةٌ لـ " ذِكْر " . " عَلَى رَجُلٍ " : قال ابْنُ قُتَيْبَةَ : " [ قال الفرَّاءُ ] : يجوز أن تكون على حذف مضافٍ ، أي : على لِسَانِ رَجُل " . وقيل : على بمعنى " مع " ، أي : مع رجل فلا حذف . وقيل : لا حاجة إلى حَذْف ، ولا إلى تضمين حرف ؛ لأنَّ المعنى أُنزل إليكم ذِكْر على رَجُلٍ ، وهذا أوْلى ؛ لأنَّ التَّضْمِينَ في الأفعال أحسن منه في الحُرُوفِ لقوَّتِهَا وضعف الحُرُوفِ . فصل في معنى " الذكر " قال ابنُ عَبَّاسٍ : الذِّكْرُ الموعظة . وقال الحَسَنُ : إنه الوَحْيُ الَّذي جَاءَهُمْ بِهِ . وقيل : المراد بالذِّكْرِ المُعْجِز . وقيل : بيان " عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ " أي تعرفون نسبه ، فهو منكم نسباً . " ليُنْذِرَكُمْ " أي : لأجْلِ أن ينذركم عذابَ اللَّه . " وَلِتَتَّقُوا " أي : لكي تَتَّقُوا . " وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون " أي : لكي ترحموا . فصل في دحض شبهة للمعتزلة قال الجُبُّائِيُّ ، والكَعْبِيُّ ، والقاضي : دلَّتْ هذه الآية على أنَّهُ تعالى أراد من بعثة الرُّسُل إلى الخلق التَّقْوَى ، والفوزَ بالرَّحْمَةِ ، وذلك يبطل قول من قال : إنَّهُ تعالى أراد من بعضهم الكُفْرَ والعِنَادَ ، وخلقهم لأجل العذاب والنارِ . والجوابُ بأن نقول : إن لم يَتَوَقَّفِ الفعل على الدّاعي لزم رجحان الممكن لا لمرجح ، وإن توقَّف لزم الجَبْرُ ، ومتى لزم ذلك ، وجب القطعُ بأنَّهُ تعالى أراد الكُفْرَ ، وذلك يبطلُ مذهبكم . قوله : " فَكَذَّبُوهُ " : أي في ادِّعَاءِ النُّبوُّةِ والرِّسالةِ . " فَأنْجَيْنَاهُ " من الطُّوفان ، وأنجْينا من كان معه [ وكانوا أرْبَعِينَ رجلاً ، وأربعين امرأة ] . وقيل : عشرةٌ : بَنُوه : حَامٌ ، وسامٌ ، ويافث ، وسبعة ممن آمن معه من المؤمنين . " فِي الفُلْكِ " أي : في السَّفِينَةِ ، وأغرقنا الكُفَّارَ والمكذِّبين ، وبين العِلَّة في ذلك فقال : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } . قوله : " فِي الفُلْكِ " يجوزُ أن يتعلق بـ " أنْجَيْنَاهُ " ، أي : أنجيناه في الفلك ، [ ويجوز أن تكون " فِي " حينئذٍ سببيَّةً أي : بسبب الفُلْكِ ] كقوله : " إنَّ امْرَأةً دخلت النَّارَ فِي هِرَّةٍ " ، ويجوزُ أن يتعلق في الفلك بما تعلَّق به الظَّرْفُ الواقع صلةً ، أي : الذين استقرُّوا في الفلك معه . " وعَمِيْنَ " جمع عَمٍ ، وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المادة . وقيل : عمٍ هنا إذا كان أعْمَى البصيرة ، [ قال ابن عباس : عَمِيَتْ قلوبُهُم عن معرفة التَّوْحِيد ، والنَّبوة والمعَادِ قال أهل اللُّغَة ] : غير عارفٍ بأموره ، وأعْمَى أي في البَصَرِ . قال زُهَيْرٌ : [ الطويل ] @ 2499 - وأعْلَمُ عِلْمَ اليَوْمِ والأمْسِ قَبْلَهُ ولَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ @@ قاله اللَّيْثُ وقيل : عم وأعْمَى بمعنًى ، كخَضِرٍ وأخْضَر . وقال بعضهم : " عَم " فيه دلالةٌ على ثبوت الصِّفةِ واستقرارها [ كفَرِح ] وضيّق ، ولو أريد الحدوث لَقِيلَ : عامٍ كما يقال : فارحٌ وضَائِقٌ . وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : قريء " قَوْماً عَامِينَ " .