Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 65-71)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله " أخَاهُمْ " نصب بـ " أرْسَلْنَا " الأولى ، كأنه قيل : لقد أرسلنا نُوحاً ، وأرسلنا إلى عادٍ أخاهُم ، وكذلك ما يأتي من قوله : { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ } [ الأعراف : 73 ] ، { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } [ الأعراف : 85 ] { وَلُوطاً } [ الأعراف : 85 ] ، ويكونُ ما بعد " أخَاهُم " بدلاً أو عطف [ بيان ] . وأجاز مكيٌّ أن يكون النَّصْبُ بإضمار " اذْكُرْ " وليس بشيء لأنَّ المعنى على ما ذكرنا مع عدمِ الاحْتِيَاجِ إليه . و " عاد " اسم للحيِّ ، ولذلك صَرَفَه ، ومنهم من جعله اسْماً للقبيلة ولذلك [ منعه ] قال : [ الرجز ] @ 2500 - لَوْ شَهْدَ عَادَ فِي زَمَانِ عَادِ لابْتَزَّهَا مَبَارِكَ الجِلادِ @@ وعادٌ في الأصل اسم الأب الكبيرِ ، وهو عادُ بْنُ عوصِ بْنِ إرمِ بْنِ سَامِ بن نُوحٍ فسُمِّيت به القبيلةُ ، أو الحيّ . وقيل : عادُ بْنُ أرمِ بْنِ شَالِخ بْنِ أرفخشد بْنِ سَامِ بْنِ نوحٍ وهودُ بْنُ عبد الله بْنِ رَبَاحِ بْنِ الجَارُودِ ابْنِ عَادِ بْنِ عوص بن إرمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ، وهي عادٌ الأولى ، وكذلك ما أشبهه من نحو " ثَمُود " إن جَعَلْته اسماً لمذكَّر صَرَفْتَه ، وإن جعلته اسماً لمؤنث مَنَعتهُ ، وقد بَوَّبَ له سيبويه باباً . وأمّا هو فاشتهر في ألْسِنَةِ النُّحَاةِ أنه عَرَبِيٌّ ، وفيه نظر ؛ لأن الظَّاهِرَ من كلام سيبويه لمَّا عَدَّه مع نُوح ، ولوط أنَّهُ أعجمي ، ولأن : أبَا البركاتِ النَّسَّابَةَ الشَّريفَ حكى : أن أهلَ اليمنِ تزعُمُ أنّ يَعْرُبَ بْنِ قحطانَ بْنِ هُود هو أوَّلُ من تكلَّمَ بالعربيَّةِ وسُمِّيت به العربُ عرباً ، وعلى هذا يكون " هُودُ " أعجمياً ، وإنَّمَا صُرِفَ لما ذكر في أخوته نوحٍ ولُوطٍ . وهود اسمه عابرُ بْنُ شَالِح بْنِ أرفخشد بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ . فصل في نسب هود اتَّفقوا [ على ] أن هوداً ما كان أخاهم في الدِّين ، واختلفوا في أنَّه هل كان هناك قَرَابَةٌ أم لا . قال الكَلْبِيُّ : " كان واحداً منهم " . وقال آخرون : كان من غيرهم ، وذكروا في تفسير هذه الأخوة وجهين : الأول : قال الزَّجَّاجُ : كان من بني آدم ، ومن جِنْسِهِمْ ، لا من الملائكة ، ويكفي هذا القَدَرُ في تسمية الأخوة ، والمعنى : أنّا بعثنا إلى عادٍ واحداً من جنسهم ، لِيَكُون الفَهْمُ والأنس بكلامه وأفعاله أكْمَلُ ، ولم يبعث إليهم من غير جنسهم مثل ملك أو جني . قال ابن إسحاق : وكان أوسطهم نَسَباً ، وأفْضَلَهُم حُسْناً . روي أن عاداً كانت ثلاثَ عَشْرَةَ قبيلةً ينزلون الرِّمال ، وكانوا أهل بساتين وزروع وعمارةٍ ، وكانت بلادهم أخصبَ البلاد ، فسخط الله عليهم ؛ فجعلهم مفاوز لأجل عبادتهم الأصْنَامَ ، ولحق هود حين أهلك قومه بمن آمن معه بِمَكَّةَ ، فلم يزالوا بها حتى ماتوا . الثاني : " أخاهم " أي صاحبهم ، ورسولهم ، والعرب تسمِّي صاحب القوم أخَا القَوْم ، ومنه قوله تعالى : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ] أي : صاحبتها ، وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : " إن أخَا صداء قَدْ أذن " يريدُ صَاحِبَهُمْ . فصل في مكان قوم عاد اعلم أنَّ عاداً قوماً كانوا باليمنِ بالأحقاف . قال ابن إسحاق : " والأحقافُ : الرَّمْلُ الذي بين عُمَان إلى حضرموت " . واعلم أن ألفاظ هذه القصَّةِ موافقة للألْفَاظِ المذكورة في قصَّةِ نوح - عليه السَّلامُ - إلا في أشياء . [ الأول ] : أن في قصَّة نُوحٍ : " فقال يا قَوْم " بالفاء ، وهنا قال بغير فاء ، فالفرق أنَّ نُوحاً - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - كان مواظباً على دعوتهم ، وما كان يؤخر الجواب عن شبهاتهم لحظة واحدة ، وأما هودٌ فلم يبلغ إلى هذا الحدِّ ؛ فلا جرم جاء بفاء التعقيب في كلام نُوح دون كلام هود . قال الزَّمَخْشَرِيُّ : فإن قُلْتَ : لم حذف العَاطِف من قوله [ قال يا قوم ] ولم يقل " فقال " كما في قِصَّةِ نوح . قلت : هو على تَقْدير سُؤالِ سائلٍ قال : فما قال لهم هود ؟ فقيل : له : " قال يا قوم " . الثاني : قال في قصة نوح : { مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف : 59 ] . وهنا قال : " أَفَلاَ تَتَّقُونَ " ، والفرقُ بينهما أنَّ قبل نوح لم يظهر في العالم مثل تلك الواقعةِ العظيمةِ ، وهي الطُّوفَانُ العظيم ، فلا جرم أخبر نُوحٌ عن تلك الواقعة فقال : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف : 59 ] . وأمّا واقعة هود - عليه السَّلامُ - فقد سبقتها واقعة نوح ، وكان عهد النَّاسِ بتلك الواقعة قريباً ، فلا جرم قال : " أفَلاَ تَتَّقُونَ " أي : تعرفون أنَّ قوم نوح لمَّا لم يتقوا الله ولم يطيعوه أنْزل بهمْ ذلكَ العذاب الذي اشتهر خَبَرُهُ في الدُّنْيَا ، فكان ذلك إشَارَةً إلى التَّخْوِيفِ بتلك الوَاقِعَةِ . الثالث : قال في قصَّة نُوحٍ { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ } [ الأعراف : 60 ] . وقيل : في هود : { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فوصف الملأ بالكُفْر ، ولم يُوصَفُوا في قصَّة نوح ، والفرقُ أنَّهُ كان في أشْرَاف قومِ هُودٍ مَنْ آمنَ بِهِ مِنْهُم مرْثَدُ بْنُ سَعْدٍ أسْلَمَ ، وكان يكتمُ إيمانَهُ بخلاف قَوْم نُوحٍ ، لأنَّه لم يؤمن منهم أحَدٌ . قاله الزَّمخشريُّ وغيره ، وفيه نَظَرٌ لقوله تعالى : { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] وقال : { وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ هود : 40 ] ويحتمل أنَّ حال مخاطبة نُوحٍ لقومِهِ لم يُؤمِنْ منهم أحَدٌ بعدُ ثمَّ آمنوا ، بخلاف قصَّةِ هود فإنَّهُ حال خطابهم كان فيهم مُؤمن ويحتملُ أنها صفة لمُجَرَّدِ الذَّمِّ من غير قَصْدِ تميزٍ بها . الرابع : حكي عن قَوْم نُوحٍ قولهم : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } وحكي عن قوم هُود قولهم : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } [ الأعراف : 66 ] الفرقُ أنَّ نُوحاً خوف الكُفَّارَ بالطُّوفانِ العام وكان مشتغلاً بإعْدَادِ السَّفينةِ ، فلذلك قالوا : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } حيثُ تُتْعِبُ نَفْسَكَ في إصلاحِ سفينة كبيرةٍ في مفازة ليس فيها قَطْرَةٌ من المَاءِ ، ولم يظهر شيءٌ من العلامات تدلُّ على ظهورِ المَاءِ في تلك المَفَازة . وأمَّا هود فلم يذكر شيئاً إلا أنه زَيَّفَ عبادة الأوثان ، ونسب من اشتغل بعبادتها إلى السَّفَاهَةِ وقلَّةِ العَقْل ، فلَّما سفَّهَهُم قابلوه بمثله ، ونسبُوهُ إلى السَّفاهةِ ، ثم قالوا : { وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } في ادِّعَاءِ الرِّسالة . قال ابْنُ عبَّاسٍ : في سفاهة أي تدعو إلى دينٍ لا نقر به . وقيل : في حُمْقِ ، وخفَّةِ عَقْلٍ ، وجهالةٍ . { وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } اختلفُوا في هذا الظن فقيل : المرادُ القَطْعُ والجزم كقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ } [ البقرة : 46 ] وهو كثير . وقال الحسنُ والزَّجَّاجُ : كان ظنّاً لا يقيناً ، كفرُوا به ظانين لا متيقّنين وهذا يَدُلُّ على أنَّ حصول الشَّكِّ والتَّجويز في أصول الدِّين يوجبُ الكفر . الخامس : قال نوح - عليه السلامُ - : { أبلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ } وقال هود عليه السلام : { وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِيْنٌ } ، فأتى نوح بصيغة الفعل ، وهود أتى بصيغة اسم الفاعل ، ونوح - عليه السلام - قال : { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 62 ] ، وهود لم يقل ذلك ، وإنَّما زاد كونه " أمِيناً " ، والفرقُ بينهما أنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ القَاهِرِ النَّحْوِيَّ ذكر في كتاب " دلائِلِ الإعْجازِ " أن صيغة الفعل تدلُّ على التَّجَدُّدِ ساعةً فساعَةً . وأما صِيغَةُ اسم الفاعِلِ فهي دالَّةٌ على الثَّباتِ ، والاستمرار على ذلك الفعل . وإذا ثبت هذا فَنَقُولُ : إنَّ القَوْمَ كانوا مبالغين في السَّفَاهَةِ على نوح - عليه السَّلام - ثم إنَّهُ في اليوم الثَّاني كان يعودُ إليهم ، ويدعوهم إلى الله كما ذكر اللَّهُ - تعالى - عنه في قوله : { رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } [ نوح : 5 ] . فلما كانت عادته - عليه السلام - العود إلى تجديد الدعوة في كل يوم وفي كل ساعة ، لا جرم ذكره بصيغة الفعل فقال : " وأنْصَحُ لَكُمْ " . وأما قول هود - عليه السلامُ - : { وَأَنَا لَكُم نَاصِحٌ أَمِينٌ } فإنَّهُ يَدُلُّ على كونه مثبتاً مستقراً في تلك النَّصِيحَةِ ، وليس فيها إعلامٌ بأنه سيعود إليها حالاً فحالاً ، ويوماً فيوماً . وأما قول نوح - عليه السَّلامُ - { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 62 ] وهود - عليه السلام - وصف نفسه بكونه أميناً ، فالفرقُ أنَّ نوحاً - عليه السَّلامُ - كان منصبه في النُّبُوَّةِ أعلى من منصب هود عليه السَّلام ، فلم يبعد أن يقال : إن نُوحاً - عليه السلام - كان يعلم من أسرار حكم اللَّهِ ما لا يصلُ إليه هُودٌ ، فلهذا أمْسَكَ هود لسانه عَنْ ذكر تلك الجملة ، واقتصر على وَصْفِ نفسه بالأمانة ومقصود منه أمور : أحدها : الرَّدُ عليهم في قولهم : { وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } . وثانيها : أن مدار الرِّسالة والتبليغ عن الله على الأمانة ، فوصف نفسه بالأمانةِ تقريراً للرِّسالة والنبوة . وثالثها : كأنَّهُ قال لهم : كنت قبل هذه الدعوى أميناً فيكم ، وما وجدتمْ منِّي غدراً ولا مكراً ولا كذباً ، واعترفتم لي بِكَوْنِي أميناً ، فكيف نسبتموني الآن إلى الكذب ؟ والأمين هو الثقة ، وهو فعيل من أمِنَ يأمَنُ فهو آمِنٌ وأمين بمعنى واحد . واعلم أنَّ القومَ لمَّا قالوا له : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } لم يقابل سفاهتهم بالسَّفاهَةِ ، بل قابلها بالحلم ، ولم يزد على قوله : { لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ } ، وذلك يَدُلُّ على أنَّ ترك الانتقام أولى كما قال : { وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً } [ الفرقان : 72 ] . وقوله : { وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } مدح نفسه بأعْظَمِ صفات المَدْحِ ، وإنَّمَا فعل ذلك ؛ لأنَّهُ كان يجب عليه إعلام القوم بذلك ، وذلك يَدُلُّ على أنَّ مدح الإنسان لِنَفْسِه في موضع الضَّرُورةِ جائزٌ . السادس : قال نوحٌ عليه السلامُ : { أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ } إلى قوله : { وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، [ وفي قصَّةُ هود حذف قوله : { وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، والفرق أنَّهُ لمَّا ظهر في قِصَّةِ نُوح - عليه السلام - أنَّ فائدة الإنذار هي حصول التقوى الموجبة للرحمة ، لم يكن لإعادته في هذه القصَّة حاجة . قوله : " إذْ جَعَلَكُمْ " في " إذْ " وجهان : أحدهما : أنَّه ظرفٌ منصوبٌ بما تضمنتهُ الآلاء من معنى الفعلِ ، كأنه قيل : " واذكُرُوا نِعَمَ اللَّهِ عليكم في هذا الوَقْتِ " ، ومفعول " اذْكُرُوا " محذوفٌ لدلالة قوله بعد ذلك : { فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ } ، ولأن قوله : { إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ } ، وزادكم كذا هو نفس الآلاء وهذا ظاهر قول الحُوفِي . قال الزَّمَخْشَرِيُّ : " إذْ " مفعول " اذْكُرُوا " أي : اذكروا هذا الوقت المشتمل على هذه النعم الجسيمة ، وتقدَّم الكلامُ في الخلفاء والخلائف والخليف . قوله : " فِي الخَلْقِ " يحتملُ أن يراد به المصدر بمعنى في امتداد قامتكم وحسن صوركم ، وعظم أجْسَامِكُمْ ، ويحتمل أنْ يراد به معنى المفعول به ، أي : في المَخْلُوقين بمعنى زادكم في النَّاسِ مثلكم بسطة عليهم ، فإنَّهُ لم يكن في زمانهم مثلهم في عظم الأجرام . قال الكَلْبِيُّ والسُّدِّيُّ : " كانت قامة الطّويل منهم مائة ذراع ، وقامة القصير ستُّون ذراعاً " . وتقدم الكلامُ على " بسطة " في البقرة . قوله : { فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ } ، أي : نعمه ، وهو جمع مفرده " إلْي " بكسر الهمزة وسُكُونِ اللاَّمِ ؛ كحِمْل وأحْمَال ، أو " ألْيٌ " بضمِّ الهمزة وسُكُونِ اللاَّم ؛ كقُفْل ، وأقْفَالٍ ، أو " إلى " بكسر الهمزة ، وفتح اللام ؛ كضِلَع وأضلاع ، وعِنَب وأعْنَاب ، أو " ألَى " بفتحهما كَقَفَا وأقْفَاء ؛ قال الأعْشَى : [ المنسرح ] @ 2501 - أبْيَضُ لا يَرْهَبُ الهُزَالَ وَلاَ يَقْطَعُ رِحْماً ولا يَخُونُ ألَى @@ يُنشد بكسر الهمزة ، وهو المشهورُ ، وبفتحها ؛ ومثلها " الآنَاء " جمع " إِنْي " أو " أُنْي " أو " إِنًى " أو " أَنًى " . وقال الأخفش : " إنْوٌ " . والآناء الأوقات كقوله : { وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْل } [ طه : 130 ] ، وسيأتي . ثم قال : " لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " فلا بُدَّ هاهنا من إضمار ؛ لأنَّ الصَّلاح الذي هو الظَّفر بالثَّواب لا يحصل بمجرد التذكر ، بل لا بدّ من العمل ، والتقدير : فاذكروا آلاء اللَّهِ واعملوا عملاً يليق بذلك الإنعام لعلّكم تفلحون . قوله : " لِنَعْبُدَ " متعلق بالمجيء الذي أنكروه عليه . واعلم أنَّ هوداً - عليه السلام - لما دعاهم إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدَّلِيل القاطع ، وهو أنَّهُ بيَّن أنَّ نعم الله عليهم كثيرة والأصنام لا نعمة لها ؛ لأنَّهَا جمادات ، والجمادُ لا قُدْرَةَ له على شَيْءٍ أصلاً - لم يكن للقوم جوابٌ عن هذه الحُجَّةِ إلا التمسك بالتَّقْليد فقالُوا : { أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } فأنكروا عليه أمره لهم بالتَّوحيد ، وترك التقليد للآباء ، وطلبوا منه وقوع العذاب المشار إليه بقوله : " أفَلاَ تَتَّقُونَ " وذلك أنَّهُم نسبوه إلى الكذب ، وظنُّوا أنَّ الوعيد لا يتأخر ، ثم قالوا : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } جوابه محذوف أو متقدِّم بـ " ما " ، وذلك لأنَّ قوله : { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } مشعر بالتَّهْديد والتَّخويف بالوعيد ، فلهذا قالوا : { فَأتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } . قوله : { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } جوابه محذوف أو مُتَقَدِّم ، وهو فأت به . واعلم أنَّ القوم كانُوا يعتقدون كذبه لقولهم : { وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } فلهذا قالوا : { فَأتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } وإنَّما قالُوا كذلِكَ لظنهم أن الوعيد لا يجوز أن يتأخر ، فعند ذلك قال هود - عليه السلام - : { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم } ، أي : وجب عليكم . فصل في تفسير هذه الآية قال القَاضِي : تفسير هذه الآية على قولنا ظاهر ؛ لأنَّ بعد كفرهم وتكذيبهم حدثت هذه الإرادة ، واعلمْ أنَّ هذا بَاطِلٌ ؛ لأنَّ في الآية وجوهاً من التَّأويل . أحدها : أنَّهُ تعالى أخبر في ذلك الوقت بنزول العذابِ عليهم ، فلمَّا حدث الإعلام في ذلك الوقت ، لا جرم قال هُودٌ في ذلك الوقت : { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ } . وثانيها : أنَّهُ جعل المُتَوقَّع الذي لا بُدَّ من نزوله بمنزلة الواقع ، كقوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] . وثالثها : أن يحمل قوله : " وقع " على معنى وجد وجعل ، والمعنى : إرادة إيقاع العذاب عليكم حصلت من الأزل . قوله : " مِن رَّبِّكُمْ " إمَّا متعلق بـ " وقع " و " من " للابتداء مجازاً ، وإمَّا أن يتعلق بمحذوف لأنَّهَا حال ، إذْ كانت في الأصل صفة لـ " رجس " . والرِّجْس : العذاب والسين مبدلة من الزاي . وقال ابن الخطيب : لا يمكن أن يكون المراد لأنَّ المُرادَ من الغضب العذابُ ، فلو حملنا الرِّجْسَ عليه لَزِمَ التَّكْرِيرُ ، وأيضاً الرجس ضد التطهير قال تعالى : { لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } [ الأحزاب : 33 ] والمرادُ التَّطْهِيرُ عن العقائد الباطلةِ . وإذا ثبت هذا فالمراد بالرجس أنَّهُ تعالى خصّهم بالعقائِدِ المذمُومَةِ ، فيكون المعنى أنَّهُ تعالى زادهم كُفْراً ثم خصَّهم بمزيدِ الغضبِ . قوله : " أتُجَادِلُونَنِي " استفهام على سبيل الإنْكَارِ في أسماء الأصنام وذلك أنهم كانوا يسمون الأصْنَامَ بالآلهة ، مع أن معنى الإلهية فيها معدومٌ ، سموا واحداً منها بالعُزَّى مشتقاً من العزِّ ، والله - تعالى - ما أعطاه عِزّاً أصلاً ، وسمُّو آخر منها باللاَّتِ ، وليس له من الإلهية شيء . قوله : " سَمَّيْتُمُوهَا " صفة لـ " أسْمَاء " ، وكذلك الجملة من قوله : { مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } يُدلُّ على خلوِّ مذاهبهم عن الحُجَّةِ . و " مِنْ سُلْطَانٍ " مفعول " نزَّلَ " ، و " مِنْ " مزيدةٌ ، ثمَّ إنَّهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ذكر لهم وعيداً مجرَّداً فقال : فانتظروا ما يحصل لكم من عبادة الأصْنَامِ إنِّي معكم من المنتظرين . فقوله : " مِنَ المُنتَظِريْنَ " خبر " إني " ، و " مَعَكُمْ " فيه ما تقدَّم في قوله : { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } ، ويجوزُ - وهو ضعيف - أن يكون " مَعَكُمْ " هو الخبر و " مِنَ المُنتَظِرِينَ " حال ، والتقديرُ : إني مصاحبكم حال كوني من المنتظرين النّصر والفرج من الله ، وليس بذلك ؛ لأنَّ المقصُودَ بالكلامِ هو الانتظار ، لمقابلة قوله : " فانْتَظِرُوا " فلا يُجعل فضلة .