Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 75-79)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " قَالَ المَلأُ " قرأ ابنُ عامرٍ وحدَهُ " وَقَالَ " بواو عطف نسقاً لهذه الجملة على ما قبلها ، وموافقة لمصاحفِ الشَّام ، فإنها مرسومة فيها ، والباقون بحذفها : إما اكتفاء بالربط المعنوي ، وإمّا لأنَّهُ جواب لسؤال مقدَّر كما تقدَّم ، وهذا موافقة لمصاحفهم ، وهذا كما تقدَّم في قوله : { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ } [ الأعراف : 43 ] إلا أنَّهُ هو الذي حذف الواو هناك . قوله : { ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } . السين في " اسْتَكْبَرُوا " و " اسْتُضْعِفُوا " يجوز أن تكون على بابها من الطلب ، أي : طلبوا - أولئك - الكِبْرَ من أنفسهم ومن المؤمنين الضعف . ويجوزُ أن يكون " اسْتَفْعَلَ " بمعنى : فعل [ كَعَجِبَ ] واسْتَعْجَبَ . واللاَّم في " الذِينَ اسْتُضْعِفُوا " للتبليغ ، ويضعف أن تكون للعلّة ، والمراد بالذين استكبروا الرّؤساء ، وبالذين استضعفوا المساكين . قوله : { لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } بدلٌ من " الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا " بإعادة العامل ، وفيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ بدل كلٍّ من كُلٍّ ، إن عاد الضَّمير في " مِنْهُم " على قومه ، ويكون المستضعفون مؤمنين فقط ، كأنَّهُ قيل : قال المستكبرون للمؤمنين من قوم صالح . والثاني : بدلُ بعض من كلٍّ ، إنْ عاد الضَّميرُ على المستضعفين ، ويكون المستضعفون ضربين : مؤمنين وكافرين ، كأنَّهُ قيل : قال المستكبرون للمؤمنين من الضُّعَفَاءِ دون الكَافِرينَ من الضُّعفاء . وقوله : " أتَعْلَمُونَ " في محل نصب بالقول . و " مِن رَّبِّهِ " متعلق بـ " مُرْسَلٌ " ، و " من " لابتداء الغاية مجازاً ، ويجوز أن تكون صفةً فتتعلق بمحذوف . واعلم أنَّ المستكبرين لمَّا سألوا المُسْتَضْعفين عن حال صالح وما جاء به ، فأجاب المُسْتَضْعَفُون بقولهم : إنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ صالح مؤمنون ، أي : مُصَدّقون ، فقال المستكبرون : بل نحن كافرون بما آمنتم به ، أي : بالذي جاء به صالح . قوله : { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ } متعلق بـ " مُؤمِنُونَ " قُدِّم للاختصاص والاهتمام وللفاصلة . قوله : " قَالَ الذي " " ما " موصولة ، ولا يجوزُ هنا حذف العائد وإن اتحد الجار للموصول وعائده ؛ لاختلاف العامل في الجارين وكذلك قوله : { بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } . قوله : " فَعَقَرُوا النَّاقَةَ " أصل العَقْرِ : كَشْفُ العَراقِيبِ في الإبل ، وهو أن يضرب قَوَائمَ البَعِيرِ أو النَّاقَةِ فتقع ، وكانت هذه سنتهم في الذَّبْحِ . قال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ 2505 - وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي فَيَا عَجَباً مِنْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ @@ ثم أطلق على كل نَحْرٍ " عَقْرٌ " ، وإن لم يكن فيه كشف عراقيب تسمية للشَّيء بما يلازمه غالباً ، إطلاقاً للمسبّب على مسبّبه هذا قول الأزهري . وقال ابن قتيبة : " العَقْرُ : القتل كيف كان ، عَقَرْتُها فهي معقورة " . وقيل : العقر : الجرح . وعليه قول امرىء القيس : [ الطويل ] @ 2506 - تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيطُ بِنَا معاً عَقَرْتَ بَعِيرِي يَا امْرَأ القَيْسِ فانْزِلِ @@ يريد : جَرَحْتَهُ بثقلك وتمايلك ، والعَقْر والعُقر بالفتح ، والضمّ [ الأصل ] ، ومنه عَقَرْتُه أي : أصبتُ عقره يعني أصله كقولهم : كَبَدْتُه ورَأسْتُه أي : أصبت كَبِدَهُ ورأسه ، وعَقَرْتُ النخل : قطعته من أصله ، والكَلْبُ العقور منه ، والمرأة عَاقِرٌ ، وقد عُقِرَت . والعقر بالضَّمِّ آخر الولد وآخر بيضة يقال : عُقر البيض . والعَقار بالفتح : الملك من الأبنية ، ومنهُ " ما غُزِيَ قومٌ في عُقْرِ دارِهمِ إلاَّ ذُلُّوا " ، وبعضهم يخصه بالنَّخل . والعُقارُ بالضمِّ : الخمر ؛ لأنَّها كالعَاقِرَة للعقل ، ورفع عَقِيْرَتَهُ أي : صَوْتَهُ ، وأصله أن رجلاً عَقَر رجْلَه فرفع صوته فاستعير لكلِّ صائحٍ ، والعُقر بالضمِّ : المَهْرُ . وأضاف العقر إليهم مع أنَّه ما كان باشره إلا بعضهم ؛ لأنَّهُ كان برضاهم . قوله : " وَعَتَوْا " العُتُوُّ ، والعُتِيُّ : النُّبُوُّ أي : الارتفاع عن الطَّاعة يقال منه : عَتَا يَعْتُو عُتُوّاً وعُتِيّاً بقلب الواوين ياءين ، والأحسن فيه إذا كان مصدراً تصحيح الواوين كقوله : { وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً } [ الفرقان : 21 ] وإذا كان جمعاً الإعلالُ نحو : قوم عُتِيٌّ ، لأنَّ الجمع أثقلُ ، قياسُه الإعلال تخفيفاً . وقوله : { أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [ مريم : 66 ] محتمل للوجهين قوله : { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [ مريم : 8 ] أي : حالة تتعذر مداواتي فيها كقوله : [ الكامل ] @ 2507 - … وَمِنَ العَنَاءِ رِيَاضَةُ الهَرِمِ @@ وقيل : العاتي : الجاسي أي اليَابِسُ . ويقال : عَثَا يَعْثُو عُثُوّاً بالثاء المثلثة من مادة أخرى ؛ لأنَّهُ يقال : عَثِي يَعْثَى عِثِيّاً وعثا يَعْثُوا عُثُواً ، [ فهو في إحْدَى لغتيه يشاركه " عَتَا " بالمثناة وزناً ومعنى ، ويقاربه في حروفه . والعيث أيضاً - بتقديم الياء من أسْفَل ] على الثاء المثلثة - هو الفساد ، فيحتمل أن يكون أصلاً ، وأن يكون مقلوباً فيه . وبعضهم يجعل العَيْث الفساد المدرك حِسّاً ، والعِثِيَّ في المدرك حكماً ، وقد تقدَّم طرفٌ من هذا . ومعنى الآية : استكبروا عن امتثال أمر ربّهم وكذّبوا بنبيهم . قوله : { وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا } يجوزُ لك على رواية من يسهِّل الهمزة وهو وَرْشٌ والسوسي أن تقلب الهمزة واواً ، فتلفظ بصورة " يَا صالح وُتِنا " في الوصل خاصة تُبْدل الهمزة بحركة ما قبلها ، وإن كانت منفصلة من كلمة أخْرَى . وقرأ عاصمْ وعيسى بْنُ عُمَرَ " أُوْتِنَا " بهمزة وإشباع ضم ولعله عاصم الجحدريّ لا عاصم بن أبي النجود ، وهذه القراءة لا تبعد عن الغلطِ ؛ لأن همزة الوصل في هذا النحو مكسورة فمن أين جاءت ضمة الهمزة إلاَّ على التوهُّم ؟ قوله : " بِمَا تَعِدُنَا " العائِدُ محذوف أي : " تَعِدُناه " ولا يجوز أن تقدر " تَعِدُنا " متعدياً إليه بالباء ، وإنْ كان الأصْلُ تعديته إليه بها ، لئلا يلزم حذف العائد المجرور بحرف من غير اتّحاد متعلقهما لأن " بِمَا " متعلِّقٌ بـ " الإتيان " ، و " به " متعلق بـ " الوعد " ثم قالوا { إِن كُنتَ مِنَ ٱلمُرْسَلِينَ } وإنما قالوا ذلك ؛ لأنَّهم كانوا مكذبين في كل ما أخبر عنه من الوَعْدِ والوَعيدِ . قوله : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } قال الفراء والزجاج هي الزلزلة الشديدة يُقالُ رَجَفَتِ الأرْضُ تَرْجُفُ رَجْفاً وَرَجيفاً ورجفاناً قال تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } [ المزمل : 14 ] . وقال اللَّيثُ : الرَّجْفَةُ : الطَّامة التي يتزعزع لها الإنسان ويضطرب . ومنه قيل للبحر رجَّافٌ لاضطرابه . وقيل : أصله مِنْ رَجفَ به البعيرُ إذا حركه في سيره ، كما يرجف الشجر إذا رجفه الريح . قال ابن أبي ربيعة : [ الطويل ] @ 2508 - ولمَّا رَأيْتُ الحَجَّ قَدْ حَانَ وَقْتُهُ وَظَلَّتْ جِمَالُ الحَيِّ بالقَوْمِ تَرْجُفُ @@ والإرْجَافُ إيقاعُ الرَّجْفَةِ ، وجمعه الأرَاجِيفُ ، ومنه " الأراجِيفُ ملاقيحُ الفتنِ " . وقوله : { تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } [ النازعات : 6 ] . كقوله : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [ الزلزلة : 1 ] . ومنه [ الطويل ] @ 2509 - تُحْيِي العِظَامَ الرَّاجِفَاتِ مِنَ البِلَى فَلَيْسَ لِدَاءِ الرُّكْبَتَيْنِ طبِيبُ @@ قوله : { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [ يعني في بلدهم ، كما يقال : دار الحرب ، ودار البزّازين ] . الجثوم : اللُّصوق بالأرْضِ من جثوم الطَّائر والأرْنَبِ ، فإنَّهُ يلصق بطنه بالأرْضِ ، ومنه رجل جُثَمَةٌ وجثَّامَةٌ كناية عن النَّؤوم والكَسْلان ، وجثمانُ الإنسان شَخْصُه قاعداً وقال أبو عبيد : " الجُثُوم للنَّاس والطير كالبرول للإبل " وأنشد لجرير : [ الوافر ] @ 2510 - عَرَفْتُ المُنْتَأى وعَرَفْتُ مِنْهَا مَطَايَا القِدْرِ كالْحِدَأ الجُثُومِ @@ قال الكَرْمَانِيّ : حيث ذُكِرَت الرجفة وُحدت الدَّار ، وحيث ذكرت الصيحة جُمِعَت الدار ، لأنَّ الصيحة كانت من السماء فبلوغها أكبر وأبلغ من الزلزلة ، فذكر كل واحد بالأليق [ به ] وقيل : في دارهم أي في بلدهم كما تقدَّم ، وقيل : المراد بها الجنس . فصل في بيان فائدة موضع الفاء في الآية الفاء في " فأخذتهم " للتَّعقيب ، وقوله : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } يقتضي أنَّ الرَّجفة أخذتهم عقيب قولهم : { ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } وليس الأمر كذلك لقوله تعالى في آية أخرى : { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] فالجوابُ : أنَّ أسباب الهلاك وجدت عقيب قولهم : { ائتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } ، وهو أنَّهم اصفرت وجوههم في اليوم الأوَّل ، واحمرّت في اليوم الثاني : واسودَّت في اليوم الثالث ، فكان ابتداء العذاب متعقباً قولهم . ويمكن أن تكون عاطفة على الجملة من قوله : " فَائْتِنَا " أيضاً وذلك على تَقْديرِ قرب زمان الهلاك من زمان طلبِ الإتيان . ويجوز أن يقدر ما يصحُّ العطف عليه بالفاءِ ، والتقديرُ : فوعدهم العذاب بعد ثلاث فانقضت فأخذتهم . فصل في دحض شبهة للملاحدة . لا يلتفت إلى ما ذكره بعض الملاحدةِ في قوله : { فأخَذَتْهُم الرَّجْفَةُ } ، وفي موضع آخر { ٱلصَّيْحَةُ } [ هود : 67 ] ، وفي موضع آخر { بِٱلطَّاغِيَةِ } [ الحاقة : 5 ] واعتقد ما لا يجوز من وجوب التناقض إذ لا منافاة بين ذلك فإن الرجفة مترتبة على الصَّيحة ؛ لأنَّهُ لمَّا صيح بهم ؛ رجفت قلوبهم فماتوا ، فَجَازَ أن يسند الإهلاكُ إلى كل منهما . وأمّا " بالطَّاغية " فالباء للسببية ، والطَّاغية : الطغيان مصدر كالعاقبة ، ويقال للملك الجبَّار : طاغية ، والتّاء فيه كعلاَّمةٍ ونسَّابةٍ ، ففي أهلكوا بالطاغية ، أي : بطغيانهم كقوله : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } [ الشمس : 11 ] . قال أبو مسلمٍ : الطَّاغية : اسم لكلِّ ما تجاوز عن حدِّه سواء كان حيواناً أو غير حيوان ، قال تعالى : في الحيوان : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ } [ العلق : 6 ] ، وقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } [ الشمس : 11 ] . وقال في غير الحيوان : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ } [ الحاقة : 11 ] أي : غلب وتجاوز عن الحدِّ . فصل في شهود الناقة قيل إنَّ القوم قد شاهدوا خُرُوج النَّاقةِ من الصخرة ، وذلك معجزة قاهرة تلجىء المكلف ، وأيضاً شاهدوا الماء الذي كان شرباً لكل أولئك الأقوام في أحد اليومين ، كان شَرباً لتلك النَّاقة الواحدة في اليَوْمِ الثَّانِي ، وذلك معجزة قَاهِرَةٌ تقرب الملكف من الإلجاء . وأيضاً إنَّ القوم لما نحروها توعدهم صالح بالعذابِ ، وشاهدوا صدقه على ما روي أنَّهم احمروا في اليوم الأوَّل ، واصفرُّوا في اليوم الثَّاني ، واسودُّوا في اليوم الثالث ، مع مشاهدة تلك المعجزة العظيمة ، ثم شاهدوا علامات نُزول العذاب الشديد في آخر الأمر ، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مُصرّاً على كفره ؟ فالجوابُ : أن يقال : إنَّهَم قبل مشاهدتهم تلك العلامات من نزول العذاب كانُوا يكذبون ، فلما نزلت بهم أول علامات العذاب وشاهدوها خرجوا عند ذلك عن حد التكليف فلم تكن توبتهم مَقْبُولَةً . قوله : " فَأصْبَحُوا " يجوز أن تكون النَّاقصة و " جَاثِمينَ " خبرها و " في دَارِهِم " متعلّق به ، ولا يجوز أن يكُونَ الجارُّ خبراً و " جَاثِمِين " حال ، لعدم الفائدة بقولك : { فَأصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ } ، وإن جاز الوجهان في قولك : أصبح زيد في الدَّار جالساً . ويجوز أن تكون التامة ، أي : دخلوا في الصباح ، و " جَاثِمِين " حال ، والأول أظهر . قوله : " فَتَوَلَّى عَنْهُمْ " . قيل : إنه تولى عنهم بعد موتهم لقوله تعالى : { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّىٰ } و " الفاءُ " تقتضي التعقيب . وقيل : تولّى عنهم قبل موتهم لقوله : { يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّاصِحِينَ } فدلَّ ذلك على كونهم أحياء من ثلاثة أوْجُهٍ : [ الأول ] : قوله لهم " يَا قَوْم " ، والأموات لا يوصفون بالقوم ، لاشتقاق لفظ القوم من القيام ، وهو مفقود في حقِّ الميت . والثاني : أنَّ هذه الكلمات خِطَاب معهم ، وخطاب الميت لا يجوز . والثالث : قوله : { وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّاصِحِينَ } يقتضي كونهم بحيث تصحُّ حصول المحبّة فيهم . ويمكن الجوابُ : بأنَّه قد يقولُ الرَّجلُ لصاحبه الميت ، وقد كان نصحه فلم يقبل النَّصيحة ، حتى ألقى نفسه في الهلاك : يا أخي منذ كم نصحتك فلم تقبل ، وكم منعتك فلم تمتنع ، فكذا هاهنا . وفائدتُهُ : إمّا لأن يسمعه الحيُّ فيعتبر به ، وينزجِر عن مثل تلك الطريقة ، وإما لإحراق قلبه بسبب تلك الواقعة ، فإذا ذكر ذلك الكلام فرَّجت تلك القضية من قلبه . وذكروا جواباً آخر ، وهو أن صالحاً - عليه السلامُ - خاطبهم بعد كونهم " جَاثِمينَ " ، كما خاطب نبينا - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - قتلى " بدر " . فقيل : تتكلم مع هؤلاء الجيف ؟ فقال : " مَا أنْتُم بأسْمَعَ مِنْهُم ، ولكنْ لا يَقْدِرُونَ على الجوابِ " . وقيل : في الآية تقديمٌ وتأخير ، تقديره : فتولَّى عنهم وقال : يا قَوْم لَقَدْ أبْلَغْتُكُم رسالةَ ربِّي ، فأخذتهم الرجفة .