Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 74-74)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قيل : لمَّا أهلك الله - تعالى - عاد عمرت ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض ، وعمّروا أعماراً طوالاً . قوله : { وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } بوَّأه : أنزله منزلاً ، والمباءَةُ المنزل ، وتقدَّمت هذه المادة في " آل عمران " ، وهو يتعدى لاثنين ، فالثَّاني محذوف أي : بوَّأكم منازل . و " فِي الأرْضِ " متعلّق بالفِعْلِ ، وذكرت ليبنى عليها ما يأتي بعدها من قوله : " تَتَّخِذُونَ " . قوله : " تَتَّخِذُونَ " يجوز أن تكون المُتَعدية لواحد فيكون من سهولها متعلقاً بالاتخاذ ، أو بمحذوف على أنَّهُ حال من قصوراً إذ هو في الأصل صِفَةٌ لها لو تَأخَّر ، بمعنى أنَّ مادة القُصُور من سهل الأرض كالطّين واللّبن والآجر كقوله : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ } [ الأعراف : 148 ] [ أي مادته من الحلي ] . وقيل : " مِنْ " بمعنى " في " . وفي التَّفسير أنَّهُم كانوا يسكنون في القُصُورِ صَيْفاً ، وفي الجبال شِتَاء ، وأن تكون المتعدية لاثنين ثانيهما " مِنْ سُهُولِهَا " والسهلُ من الأرض ما لان وسهل الانتفاع به ضد الحزن ، والسهولة : التّيسير . قوله : " قُصُوراً " [ والقصور هو جمع قصر ] وهو البيت المُنِيفُ ، سُمِّي بذلك لقصور النَّاس عن الارتقاء إليه ، أو لأن عامة النَّاس يقصرون عن بناء مثله بخلاف خواصهم ، أو لأنَّهُ يقتصر به على بقعة من الأرض ، بخلاف بيوت الشّعر والعُمُد ، فإنَّهَا لا يقتصر بها على بقعة مخصوصة لارتحال أهلها ؛ أو لأنَّه يقصر من فيه أي : يحبسه ، ومنه : { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } [ الرحمن : 72 ] . قوله : { وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً } يجُوزُ أن يكون نصب " الجِبَالَ " على إسْقَاطِ الخافض أي : من الجبال ، كقوله : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] ، فتكون " بُيُوتاً " مفعوله . ويجوز أن يُضَمَّن " تَنْحِتُونَ " معنى ما يتعدَّى لاثنين أي وتتخذون الجبال بُيُوتاً بالنحت أو تصيرونَها . [ بيوتاً بالنَّحت . ويجوز أن تكون " الجبَالَ " هو المفعول به و " بُيُوتاً " حال مقدرة كقولك : خِطْ هذا الثَّوب جبة [ وابْرِ هذه القصبة قلماً ؛ وذلك لأن الجبال لا تكون بيتاً في حال النحت ، ولا الثوب ولا القصبة قميصاً وقلماً في حالة الخياطة والبري ] ، أي : مُقَدّراً له كذلك ] و " بُيُوتاً " وإن لم تكن مشتقة فإنَّهَا في معناه أي : مسكونة . وقرأ الحسنُ : " تَنْحَتُون " بفتح الحاء . وزاد الزَّمَخْشَرِيُّ أنه قرأ " تنحاتُونَ " بإشباع الفتحة [ ألفاً ] ، وأنشد : [ الكامل ] @ 2503 - يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ … @@ وقرأ يحيى بن مصرف وأبو مالكٍ بالياء من أسفل على الالتفات إلا أن أبا مالك فتح الحاء كقراءة الحسنِ . والنَّحتُ : النَّجر في شيء صُلب كالحجر والخشبِ . قال : [ البسيط ] @ 2504 - أمَّا النَّهَارُ فَفِي قَيْدٍ وسِلْسلَةٍ واللَّيْلُ فِي بَطْنِ مَنْحُوتٍ مِن السَّاجِ @@ فصل في جواز البناء الرفيع قال القُرْطُبِي : استدلَّ بهذه الآية من أجاز جواز البناء الرفيع كالقُصُور ونحوها ، وبقوله تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } [ الأعراف : 32 ] ، وبقوله عليه الصَّلاة والسلام : " إنَّ الله إذَا أنْعَمَ على عَبْدٍ نِعْمَةً يُحِبُّ أنْ يُرَى أثَرُ النِّعْمَةِ عليْهِ " . ومن آثار النعمة البناء الحسن ، والثياب الحسنة ، ألا ترى أنه لو اشترى جارية جميلة بمال عظيم ، فإنَّهُ يجوز ، وقد يكفيه دون ذلك ، فكذلك البناء ، وكرهه الحسن وغيره لقوله عليه الصَّلاة والسلام : " إذا أرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ سُوءاً أهْلَكَ مَالَهُ فِي الطِّيْنِ واللَّبِنِ " . وقوله عليه الصلاة والسلام : " مَن بَنَى فوق مَا يَكْفِيْهِ جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ على عُنْقِهِ " قوله : { فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ } أي نعم الله عليكم . { وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ } قرأ الأعمش بكسر حرف المضارعة وقد تقدم أن ذلك لغة . و " مُفْسِديْنَ " حال مؤكدة إذ معناها مفهوم من عَامِلِهَا . و " فِي الأرْضِ " متعلق بالفعل قبله أو بـ " مفسدين " .