Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 86-86)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يجوز أن تكون " الباء " على حالها من الإلصاق أو المصاحبة ، أو تكون بمعنى " في " يقال : قَعَدَ لَهُ بمكان كذا ، وعلى مكان كذا ، وفي مكان كذا ، فتتعاقب هذه الحروف في هذا الموضع لتقارب معانيها ، فقعد بمكان : الباء للإلصاق ، وقد التصق بذلك المكان ، و " على " للاستعلاء ، وقد علا ذلك المكان ، و " في " للحلول ، وقد حلّ ذلك المكان . و " تُوعَدُونَ " ، و " تَصُدُّون " ، و " تَبْغُونَ " هذه الجمل أحوال [ أي ] : لا تَقْعُدُوا مُوْعدين وصادِّين وباغين . ولم يذكر الموعد له لِتَذْهَبَ النَّفسُ كلَّ مذهبٍ : ومفعول " تصدُّون " " مَنْ آمَن " . قال أبُو البقاء : " مَنْ آمَنَ " مفعول " تَصُدُّونَ " لا مفعول " تُوعدُونَ " ، إذْ لو كان مفعولاً للأوَّل لقال : " تَصُدُّونَهُم " ، يعني أنَّه لو كان كذلك لكانت المسألة من التَّنازع ، وإذا كانت من التنازع وأعْمَلْتَ الأولَ لأضْمَرْتَ في الثاني فكنت تقول : " تَصُدُّونهم " لكنه ليس القرآن كذا ، فدل على أن " تُوعَدُونَ " ليس عاملاً فيه ، وكلامُه يحتمل أنْ تكون المسألة من التَّنازع - ويكون ذلك على إعمال الثاني ، وهو مختار البصريين وحذف من الأوَّل - وألاَّ تكون وهو الظَّاهر . وظاهرُ كلام الزمخشري : أنَّهَا من التَّنَازُع ، وأنَّهُ من إعمال الأوَّل ، فإنَّهُ قال : فإن قلت : إلاَمَ يَرْجِعُ الضَّميرُ في " من آمَنَ بِهِ " ؟ قلتُ : إلى كلِّ صراطٍ ، تقديره : تُوْعِدون من آمن به وتَصُدُّون عنه ، فوضعَ الظَّاهر الذي هو " سبيل الله " موضع المضمر زيادة في تقبيح أمرهم . قال أبو حيَّان : وهذا تعسُّف وتكلُّفٌ مع عدم الاحتياج إلى تقديم وتأخير ، ووضع ظاهر موضع مضمر ، إذ الأصل خلاف ذلك كُلِّهِ ، ولا ضرورة تَدْعُو إليه ، وأيضاً فإنَّهُ من إعمال الأوَّل وهو مذهب مَرْجُوحٌ ، ولو كان من إعمال الأوَّلِ لأضمر في الثاني وُجُوباً ، ولا يجوز حذفهُ إلا في ضرورة شعرٍ عند بعضهم [ كقوله ] : [ مجزوء الكامل ] @ 2519 - بِعُكَاظَ يُعْشِي النَّاظِريـ ـنَ إذَا هُمُ لَمَحُوا شُعَاعَهْ @@ فأعمل " يُغشي " ورفع به " شُعَاعه " وحذفَ الضمير من " لَمَحُوا " تقديره : لمحوه ، وأجازه بعضهم بقلةٍ في غير الشِّعْرِ . والضَّمير في " به " : إمَّا لكل صراط كما تقدَّم عن الزمخشريِّ ، وإمَّا على الله للعلم به ، وإمَّا على سبيل الله ، وجاز ذلك ؛ لأنَّهُ يذكَّر ويُؤنَّثُ ، وعلى هذا فقد جمع بين الاستعمالين هنا حيث قال : " به " فذكَّر ، وقال : " وتَبْغُونها عِوَجاً " فأنَّث ، ومثله : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [ يوسف : 108 ] [ وقد تقدَّم ] نحو قوله : { تَبْغُونَهَا عِوَجاً } [ آل عمران : 99 ] في آل عمران . ومعنى الآية أنَّهُم كانوا يجلسون على الطَّريق فيقولون لمن يريدُ الإيمانَ بشُعَيْبٍ : إنَّ شُعَيْباً كذاب فلا يفتننَّك عن دينك ، ويتوعدون المؤمنين بالقَتْل ، ويخوفونهم . قال الزمخشريُّ : قوله : { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ } أي : ولا تقتدوا بالشَّيْطان في قوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] قال : والمرادُ من قوله : " صِرَاطٍ " كلُّ ما كان من مناهج الدِّين ويدلُّ عليه قوله : { وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } . قوله : " وَاذْكُرُوا " إمَّا أن يكون مفعوله محذوفاً ، فيكون هذا الظَّرف معمولاً لذلك المفعول أي : اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عليكم في ذلك الوقت ، وإمَّا أن يجعل نفس الظرف مفعولاً به . قاله الزمخشريُّ . وقال ابن عطية : إنّ " الهاء " في " به " يجوز أن تعود على شعيب عند مَنْ يرى أنَّ القُعُودَ على الطرق للردِّ عن شعيب ، وهو بعيد ؛ لأن القائل : " ولا تقعدوا " هو شعيب ، وحينئذ كان التركيب " مَنْ آمَنَ بِي " ، والادِّعَاءُ بأنَّهُ من باب الالتفات بعيد جداً ؛ إذ لا يَحْسُن أن يُقال : " [ يا ] هذا أنا أقول لك لا تُهِنْ مَنْ أكرَمَه " أي : مَنْ أكرمني . قوله : { إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } . قل الزَّجَّاج : " هذا الكلام يحتمل ثلاث أوجه : كثر عددكم بعد القلّة ، وكثركم بالغنى بعد الفقر ، وكثركم بالقوة بعد الضعف " قال السدي : " كانوا عشارين " . [ قوله ] : { وَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } . " كيف " وما في حيِّزها معلِّقة للنظر عن العمل ، فهي وما بعدها في محل نصب على إسقاط الخافض . والنظرُ هنا التفكُّرُ ، و " كيف " خبر كان ، واجب التقديم . والمعنى : انظر كيف كان عاقبة المفسدين أي : جزاء قوم لوط من الخزي والنكال وعذاب الاستئصال .