Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 85-85)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } القصة . اختلف في " مَدْيَنَ " : فقيل : أعجميٌّ ، فمنعه للعُجْمَةِ والعلمية ، وهو مدين بن إبراهيم - عليه السلام - فسُمِّيت به القبيلة . وقيل : هو عربيٌّ اسم بلد ، قاله الفرَّاءُ ، وأنشد : [ الكامل ] @ 2518 - رُهْبَانُ مَدْيَنَ والَّذينَ عَهِدْتُهُمْ يَبْكُونَ مِنْ حَذَرِ العَذَابِ قُعُودَا لَوْ يَسْمَعُونَ كَمَا سَمِعْتُ كَلامَهَا خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُودَا @@ فمنعهُ للعَلِميَّة والتَّأنيث . ولا بدّ حينئذ من حذف مضاف ، أي : وإلى أهل مدين ، ولذلك أعاد الضَّمير في قوله : " أخَاهُم " على الأهل ، ويجوز أن يراد بالمكان سَاكِنُوه ، فروعي ذلك بالنِّسْبَةِ إلى عود الضمير عليه وعلى تقدير كونه عربياً قالوا : فهو شاذ ، إذ كان من حقِّه الإعلال كمتاع ومقام ، ولكنهم شذُّوا فيه كما شذوا في مَرْيم ومَكْوذَة ، وليس بشاذٍّ عند المبرِّد ، لعدم جَرَيَانِهِ على الفعل ، وهو حقٌّ وإن كان الجمهور على خلافه . قوله : " شُعَيْباً " يجوز أن يكون تصغير شَعْب أو شِعْب هكذا قالوا ، والأدبُ ألاَّ يقالَ ذلك ، بل هذا موضوعٌ على هذه الزِّنَةِ ، وأمَّا أسماءُ الأنْبِيَاءِ فلا يدخلُ فيها تصغيرٌ ألْبَتَّةَ ، إلا ما نطق به القرآن على صيغة تشبهه كشُعَيْب عليه السلام ، وهو عربي لا أعجمي . فصل قال عطاء : " هو شعيبُ بْنُ نويب بنِ مَدْينَ بنِ إبراهيمَ " . وقال ابْنُ إسحاقَ : " هو شُعَيْبُ بْنُ ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم ، وأم ميكائيل بنت لوط " . وقيل : هو شُعَيْبُ بنُ ميرون بن مدْينَ ، وكان شعيب أعمى ، ويقال له : " خَطِيبُ الأنْبِيَاء " لحسن مراجعته قومه وكان أهل كفر وبخس للكَيْلِ والميزان ، وهم أصحاب الأيكة . { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } وهذا أصل معتبر في شرائع جميع الأنبياء . { قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } واعلم أنَّ المراد من البيِّنَةِ هنا المعجزة ، ولم تذكر في القرآن . كما لم يذكر في القرآن كثير من مُعْجِزاتِ رسُولِنَا . قال الزمخشريُّ : " ومن معجزات شعيب أنَّهُ دفع إلى موسى عصاه وصارت ثعباناً ، وأيضاً قال لموسى - عليه [ الصلاة ] والسلام - : هذه الأغنام تلد أوْلاداً فيها سواد وبياض ، وقد وهبتها لك ، فكان الأمر كذلك " . قوله : { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } . اعلم أنَّ قوم شُعَيْبٍ كانوا مشغوفين بالبَخْسِ والتَّطْفيف . فإن قيل : " الفاء " في قوله : " فأوفوا " توجب أن يكون الأمر بإيفاء الكيل كالتعليل لما سبق ذكره ، وهو قوله : { قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } فكيف وجهه ؟ فالجوابُ : كأنَّهُ يقول لهم : البخس والتطفيف عبارة عن الخيانة بالشَّيءِ القليل ، وهو مستقبح في العقل ، ومع ذلك فقد جاءت البينة والشريعة بتحريمه فلم يبق فيه عذر " فَأوْفُوا الكَيْلَ " . وقال هنا : " الكَيْلَ " ولم يقل : " المِكْيَالَ " كما في سورة هود [ 84 ] ؛ لأنَّهُ أراد بالكيل آلة الكيل وهو المكيال ، أو يسمى ما يكال به الكيل كما يقال : " العيش " لما يعاش به . قوله : { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } قد تقدّم معنى هذه اللفظة في قوله : { وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } [ البقرة : 282 ] ، وهو يتعدّى لاثنين ، وهما " النَّاس " و " أشياءهم " ، أي : لا ينقصوهم أشياءهم ولا يظلموهم ، ويدخلُ فيه المَنْعُ من الغَصْبِ ، والسرقة والرشوة ، وقطع الطريق ، وانتزاع الأموال بطريق الحيل . قوله : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } . وذلك أنَّهُ لما كان أخذُ أموال النَّاس بغير رضاهم يوجب المُنازَعَة والخصومة ، وهما يوجبان الفَسَادَ ، لا جَرَمَ قال بعده : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } . وقيل : أراد المَنْعَ من كلِّ فسادٍ . وقيل : أراد بقوله : { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } المنع من فساد الدُّنيا ، وبقوله : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } المنع من فساد الدِّين . واختلفوا في معنى " بَعْدَ إصلاحِهَا " : فقيل : بعد أن صلحت ببعثة الرسل . وقيل : بعد أن أصلحها بتكثير النّعَمِ . ثم قال : " ذَلِكُمْ " وهو إشارةٌ إلى ما تقدَّم من الأمر والنهي " خَيْرٌ لَّكُمْ " في الآخرة { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } مصدِّقين بما أقول .