Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 8-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الوزن مبتدأ ، وفي الخبر وجهان : أحدهما : هو الظَّرْف أي : الوزن كائن أو مستقرٌّ يومئذٍ أي : يوم إذ يُسْألُ الرُّسُلُ والمرسلُ إليهم . فحذف الجملة المضاف إليها " إذْ " وعوَّض منها التَّنْوين ، هذا مذهب الجُمْهُور خلافاً للأخْفَش . وفي " الحقّ " على هذا الوجه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه نَعْتٌ للوزن أي : الوزن الحق في ذلك اليوم . الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوفٍ كأنَّهُ جوابُ سؤالٍ مقدَّرٍ من قائل يقول : ما ذلك الوزن ؟ فقيل : هو الحقُّ لا البَاطِلُ . الثالث : أنه بدلٌ من الضَّميرِ المستكن في الظَّرْفِ وهو غَرِيبٌ ذكرهُ مَكِيٌّ . والثاني : من وجهي الخبر أن يكون الخبر " الحق " ، و " يومئذ " على هذا فيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ منصوب على الظَّرْفِ ناصبه " الوَزْنُ " أي : يقع الوَزْنُ ذلك اليوم . والثاني : أنَّهُ مفعول به على السَّعةِ وهذا الثاني ضعيفٌ جدّاً لا حَاجَةَ إليه . ولمَّا ذَكَرَ أبُو البقاءِ كون " الحق " خبراً ، وجعل " يَوْمئذٍ " ظرفاً للوزن قال : " ولا يَجُوزُ على هذا أن يكون صِفَةً ، لَئِلاّ يلزم الفَصْلُ بين المَوصُولِ وصِلَتِهِ " . قال شهابُ الدِّين : وأين الفَصْلُ ؟ فإن التركيبَ القرآنيَّ إنما جاء فيه " الحق " بعد تمام الموصول بصلته ، وإذا تمَّ الموصول بصلته جاز أن يُوصَفَ . تقول : " ضَرْبُكَ زَيْداً يَوْمَ الجُمْعَةِ الشديدُ حسنٌ " . فالشَّديدُ صفة لِضَربِكَ . فإنْ تَوَهَّمَ كون الصِّفَةِ محلُّها أن تقع بعد الموصوف وتليه ، فَكَأنَّهَا مُقدَّمَةٌ في التَّقدير فَحَصَلَ الفَصْلُ تقديراً فإن هذا لا يُلْتَفَتُ إليه ؛ لأنَّ تلك المعمولات من تَتِمَّةِ الموصول فلم تل إلاَّ الموصول وعلى تقدير اعتقاد ذلك له ، فالمَانِعُ من ذلك أيضاً صيرورةُ المبتدأ بلا خبر ، لأنَّكَ إذا جعلت " يَومئذٍ " ظرَفْاً للوزن و " الحقُّ " صفته فأين خبره ؟ فهذا لو سَلِمَ من المانع الذي ذكره كان فيه هذا المانع الآخر . وقد طوَّلَ مكيٌّ بذكر تقديم " الحقّ " على " يومئذ " وتأخيره عنهُ باعتبار الإعرابات المتقدمة ، وهذا لا حَاجَةَ إليه لأنَّا مقيَّدُونَ في القرآن بالإتيان بِنَظْمِهِ . وذكر أيضاً أنه يجوز نصبه ، يعني أنَّهُ لو قُرِىءَ به لكان جَائِزاً ، وهذا أيضاً لا حاجة إليه . قوله : " مَوَازِيْنُهُ " فيها قولان : أحدهما : أنَّها جمع ميزان : الآلة [ التي ] يوزنُ بها ، وإنَّمَا جمع ؛ لأن كلَّ إنسانٍ له ميزان يخصُّه على ما جاء في التَّفْسير ، أو جُمع باعتبار الأعمال الكثيرة وعبّر عن هذا الحال بالمحل . والثاني : أنَّها جمع موزون ، وهي الأعمال ، والجمع حينئذٍ ظاهر . قيل : إِنَّمَا جمع الميزان ههنا ، وفي قوله : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [ الأنبياء : 47 ] ؛ لأنَّه لا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزانٌ ، ولأفعال الجوارح ميزانٌ ، ولما يتعلق بالقول ميزان . وقال الزَّجَّاجُ : إنَّمَا جمع الموازين ههنا لوجهين : الأوَّلُ : أنَّ العرب قد تُوقِعُ لَفْظَ الجَمْعِ على الواحد فيقولون : خرج فلان إلى مَكَّةَ راكباً البِغَالَ . والثاني : أن الموازين ههنا جمع موزون لا جمع ميزان . قال القرطبيُّ : والموازين جمع ميزان وأصلُهُ : " مِوْزَانٌ " قلبت الواوُ ياءً لكسرة ما قبلها . فصل في المراد بالميزان قال مُجَاهِدٌ والأعْمَشُ والضَّحَّاكُ : المراد بالميزان العدل والقضاء ، وذهب إلى هذا القول كثيرٌ من المُتأخِّرينَ قالوا : لأنَّ لَفْظَ الوزن على هذا المعنى شَائِعٌ في اللُّغَةِ ؛ لأن العدل في الأخذ والإعطاء لا يظهر إلاَّ بالكَيْل ، والوزن في الدُّنْيَا ، فلم يبعد جعل الوزن كِنَايَةً عن العَدْلِ ، ويؤيِّدُ ذلك أنَّ الرَّجُلَ إذا لم يكن له قَدْرٌ ولا قِيمَةٌ عند غيره يقال : إنَّ فُلاناً لا يقيم لفلان وَزْناً . قال تعالى : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } [ الكهف : 105 ] ، ويُقَالُ هذا الكلامُ في وزن هذا وفي وزانه ، أي : يعادله ويُسَاويه مع أنَّهُ ليس هناك وَزْنٌ في الحَقيقَةِ ؛ قال الشَّاعِرُ : [ الكامل ] @ 2405 - قَدْ كُنْتُ عِنْدَ لِقَائِكُمْ ذَا قُوَّةٍ عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ @@ أيْ عندي لكل مخاصم كلامٌ يعادل كلامه ، فجعل الوزن مثلاً للعدل وإذا ثبت هذا فَنَقُولُ : المُرَادُ من الآية هذا المعنى فقط ، والدَّلِيلُ عليه أنَّ الميزانَ إنَّما يراد ليتوصل به إلى مَعْرِفةِ مقدار الشيء ، ومقاديرُ الثواب والعِقَابِ لا يمكن إظْهَارُهَا بالميزان ؛ لأن أعْمَالَ العِبَادِ أعْرَاضٌ ، وهي قد فنِيَتْ وعُدِمَتْ ، ووزن المعدوم مُحَالٌ ، وأيضاً فبتقدير بِقَائِهَا كان وزنها محالاً . وأُجيب بأنَّ فائدته أنَّ جميع المكلفين يعلمون يَوْمَ القيامة أنَّهُ تعالى مُنَزَّهٌ عن الظُّلْم والجَوْرِ . وفائدةُ وضع الميزانِ أنْ يظهر ذلك الرُّجْحَانُ لأهل المَوْقِفِ ، فإن رجحت الحسنات ازداد فَرَحُهُ وسُرُورُهُ ، وإنْ كان بالضِّدِّ فيزداد غمُّه . وقال القُرْطُبِيُّ : " الصَّحيحُ أنَّ المراد بالميزان وزن أعمال العباد " . فإن قيل : الموزون صَحَائِفُ الأعْمَالِ ، أو صور مخلوقة على حَسْبِ مقَاديرِ الأعْمالِ . فنقول : إنَّ المكلف يوم القيامة إمَّا أن يكون مقراً بأنَّ اللَّهَ - تعالى - عَادِلٌ حَكِيمٌ ، أو لا يكون مقرًّا بذلك فإن كان مقرّاً بذلك فحينئذ كفاه حكم اللَّه تعالى بمقادير الثَّواب والعقاب في علمه بأنه عَدْلٌ وصوابٌ ، وإنْ لم يكن مُقِرّاً بذلك لم يعرف من رجحان كفَّةِ الحسنات على كفَّةِ السيِّئات أو بالعَكْس من حُصُولِ الرُّجْحَانِ لا على سبيل العَدْلِ والإنْصافِ ، فثبتَ أنَّ هذا الوَزْنَ لا فَائِدَةَ فيه ألْبَتَّةَ وقال أكْثَرُ المفسرين : أرَادَ وزن الأعْمَالِ بالميزان ، وذلك أنَّ الله - تعالى - ينصب ميزاناً له لسان يوزن بها أعمال العباد خيرها وشرها وكفتان ، كل كَفَّةٍ بِقَدْرِ ما بين المَشْرِقِ والمَغْرِبِ . واختلفوا في كَيْفيَّةِ الوَزْنِ ، فقال بعضهم : توزن صحائف الأعمال . وروي أنَّ رَجُلاً ينشر عليه تسعة وتسعون سِجلاًّ ، كل سِجِّلٍّ منها مدُّ البَصَرِ فيها خطاياه وذنوبه فتوضع في كفَّة الميزان ثم يخرج له بِطَاقَةٌ فيها شهادةُ أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله ، فتوضع السِّجلات في كفه ، والبطاقة في كفَّة فطاشت السِّجلات وثقلت البطاقة . وقيل : توزن الأشخاص . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لَيَأتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامةِ فلا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ " وقيل : توزن الأعمال . رُوِيَ ذلك ابْنِ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فيؤتى بالأعْمَالِ الحَسَنَةِ على صُورةٍ حَسَنَةٍ ، وبالأعمال السيِّئَةِ على صورة قَبِيحَة ، فتوضع في الميزانِ . والحكمة في وَزْنِ الأعْمَالِ امتحان اللَّه عباده بالإيمان به في الدُّنْيَا ، وإقامة الحُجَّةِ عليهم في العقبى .