Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 95-95)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بين تعالى أنَّ تدبيره في أهْلِ القرى لا يجري على نَمَطٍ وَاحِدٍ وَإنَّمَا يُدَبِّرُهُم بما يَكُونُ إلى الإيمانِ أقرب فقال : { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ } ؛ لأنَّ ورود النِّعمة [ في البدن والمال ] بعد البأساء والضَّرَّاءِ يدعو إلى الانْقِيَادِ ، والاشتغال بالشُّكْرِ . وفي " مكان " وجهان : أظهرهما : أنَّهُ مفعول به لا ظَرْف ، والمعنى : بَدَّلْنَا مكان الحال السَّيِّئَةِ [ الحال الحسنة ] ، فالحسنةُ هي المأخوذة الحاصلةُ ومكان السيِّئةِ هو المتروك الذَّاهِبُ ، وهو الذي تصحبه " الباء " في مثل هذا التركيب لو قيل في نظيره : بدَّلْتُ زيداً بِعَمْروٍ ، فزيدٌ هو المأخوذ ، وعمرو المتروكُ ، وقد تقدَّمَ تحقيقُ هذا في البَقَرَةِ في موضعين : أولهما : { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ البقرة : 59 ] . والثاني : { وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 211 ] . فـ " مَكَانَ " و " الحَسَنَة " مفعولان إلاَّ أن أحدهُما وصل إليه الفعل بِنَفْسِهِ [ وهو " الحَسَنَةُ " ] ، والآخر بحذف حرف الجرِّ وهو " مكان " . والثاني : أنَّهُ مَنْصُوبٌ على الظَّرْفِ ، والتَّقديرُ : " ثمَّ بَدَّلْنَا [ في ] مكان السَّيِّئَةِ الحسنةِ " إلا أنَّ هذا ينبغي أن يُردَّ ؛ لأن " بدَّل " لا بُدَّ له من مفعولين أحَدُهُمَا على إسقاط الباءِ . والمراد بالحَسَنَةِ والسيِّئَةِ هاهنا : الشِّدَّةُ والرَّخَاءُ . قال أهل اللُّغَةِ : " السَّيِّئَةُ : كلُّ ما يَسُوءُ صَاحِبَهُ ، والحسنَةُ : كل ما اسْتَحْسَنَهُ الطَّبْعُ والعَقْلُ " . قوله : " حَتَّى عَفَوا " " حتَّى " هنا غائيةٌ ، وتقدير مَنْ قدّرها بـ " إلَى " فإنَّمَا يريدُ تَفْسِيرَ المعنى لا الإعرابَ ؛ لأن حتَّى الجارَّة لا تُبَاشِرُ إلاَّ المضارع المنصوب بإضمار " أنْ " ؛ لأنها في التَّقْديرِ داخلة على المصدر المُنْسَبِك منها ، ومن الفعل ، [ وأمّا الماضي ] فلا يطَّرِدُ حذف " أنْ " معه ، فلا يقدّر معه أنَّها حرف جرٍّ داخلة على أن المصدريَّة ، أي : حتَّى أن عفوا ، وهذا الذي ينبغي أن يحمل عليه قول أبي البقاءِ : " حتَّى عَفَوْا أي : إلى أن عفوا " . ومعنى " عَفَوا " هنا كَثُروا من عَفَا الشعْر إذا كَثُر ، ومنه : " وأعْفُوا اللِّحَى " يُقَالُ : عَفَاه ، وأعْفَاه ثلاثياً ورباعيّاً ؛ قال زهيرٌ : [ الوافر ] @ 2530 - أذَلِكَ أمْ أقَبُّ البَطْنِ جَأبٌ عَلَيْهِ مِنْ عَقِيقَتِهِ عِفَاءُ @@ وفي الحديث : " إذَا عَفَا الوَبَرُ وبَرَأ الدُّبُرُ فَقَدْ حَلَّت العُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرَ " ؛ وأنشد الزَّمَخْشريُّ على ذلك قولَ الحُطَيْئَةِ : [ الطويل ] @ 2531 - بِمُسْتأسِدِ القُرْبَانِ عَافٍ نَبَاتُهُ … @@ وقول لَبِيد : [ الوافر ] @ 2532 - ولَكِنَّا نُعِضُّ السَّيْفَ مِنْهَا بأسْوُقِ عَافِيَاتِ الشَّحْمِ كُومِ @@ وتقدَّم تحقيقُ هذه المادّة في البقرة . فصل في المراد من الآية ومعنى الآية أنَّ الله - تعالى - أبدلهم مكان الباساء والضرَّاء الحسنة ، وهي النِّعْمَةُ والسَّعَةُ والخَصْبُ والصِّحَّةُ . " حتى عفوا " كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم ، وقالوا من غرتهم وغفلتهم : { قَدْ مَسَّ آبَآءَنَا ٱلضَّرَّاءُ وَٱلسَّرَّاءُ } ، أي : هكذا كانت عادة الدَّهر قديماً لنا ولآبائنا ، ولم يكن ذلك عقوبةً من اللَّهِ ، فكُونُوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤُكم ، فإنَّهُم لم يتركوا دِينَهُم لما أصابهم من الضَّرَّاءِ . قوله : " فَأخَذْنَاهُمْ " . قال أبُو البقاءِ : " هو عطفٌ على " عَفَوْا " . يريدُ : وما عطف عليه أيضاً ، أعني أنَّ الأخذ ليس متسبباً عن العَفَاءِ فقط ، بل عليه وعلى قولهم تلك المَقَالةِ الجاهليَّةِ ؛ لأنَّ المعنى ليس أنَّهُ لمُجرَّدِ كثْرَتِهِمْ ، ونموِّ أموالِهِمْ أخذهم بغتة بل بمجموع الأمْرَيْنِ ، بل الظَّاهِرُ أنَّهُ بقولهم ذلك فقط " . و " بَغْتَةً " إمَّا حالاً أو مَصْدراً ، والبَغْتَةُ الفُجَاءَة ، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } حال أيضاً وهي في قوَّةِ المُؤكِّدَةِ ؛ لأنَّ " بَغْتَةً " تفيدُ إفادتها ، سواء أعْرَبْنَا " بغتة " حالاً أم مَصْدراً . واعلم أنَّ الحكمة في حكاية هذا المعنى ليعتبر من سمع هذه القصَّة .