Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 96-98)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمّا بيَّن أنَّ الذين عَصَوا وتَمَرَّدُوا ؛ أخذهم بَغْتَةً بيَّن في هذه الآية أنَّهُم لو أطَاعُوا فتح عليهم أبْوابَ الخيرات ، وقد تقدَّمَ أنَّ ابن عامر يَقْرَأُ : " لفَتَّحنْا " بالتَّشديد ووافقه هنا عيسى بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ ، وأبو عبد الرَّحْمنِ السُّلمِيُّ . وأصل البركة المواظبةُ على الشَّيءِ ، أي تابعنا عليهم المطر والمراد بـ " بَرَكَات السَّماءِ " المَطَرُ ، وبـ " بركات الأرْضِ " النَّبَاتُ والثِّمَارُ وكثرة المواشي والأمن والسَّلامة ، وذلك لأنَّ السَّماءَ تجري مجرى الأب ، والأرض تجري مجرى الأم ، ومنهما يَحْصُلُ المَنَافِعِ ، والخَيْرَات بخلق الله تعالى تدبيره . ثم قال : { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ } بالجدب والقَحْطِ { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الكفر والمَعْصِيَةِ ، ثمَّ إنَّهُ تعالى أعاد التَّهْديدَ بعذابِ الاسْتئِصَالِ فقال : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى } يعني " مكَّة " وما حولها { أَن يَأتِيَهُمْ بَأسُنَا } أي : العذاب ، وهذا استفهامٌ بمعنى الإنْكَارِ ، خوَّفَهُم الله - تعالى - بنزول العذاب عليهم في وقت غَفْلَتِهِم ، وهو حال النَّومْ باللَّيْل ، وحال الضُّحَى بالنَّهَارِ ؛ لأنَّهُ وقت اشتغال المرء باللَّذَّاتِ . وقوله : " وَهُمْ يَلْعَبُونَ " يحتملُ التَّشَاغُلَ بأمور الدُّنيا فهي لَعِبٌ ولهو ، ويحتملُ في كُفْرِهم ؛ لأنَّهُ كاللَّعِبِ في أنَّهُ يضرُّ ولا يَنْفَعُ . قوله : " أفَأمِنَ " . قال الزَّمخشريُّ : " فإن قلت : ما المعطوف عليه ، ولم عطفت الأولى بالفَاءِ والثَّانية بالواو ؟ . قلتُ : المعطوف عليه قوله : " فَأخَذْنَاهُم بَغْتَةً " ، [ وقوله : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ } إلى : " يَكْسِبُونَ " وقع اعتراضاً بين المعطوف والمعطوف عليه وإنَّمَا عطفت بالفاء ؛ لأنَّ المعنى : " فَعَلُوا وَصَنعوا فأخذناهم بغتة ، أبعد ذلك ] أمن أهل القرى أن يأتيَهُمْ بأسنا بياتاً أو أمن أهل القُرَى أن يأتيهم بَأسُنَا ضُحًى " . قال أبُو حيَّان : وهذا الَّذي ذَكَرَهُ رجوعٌ عن مذهبه في مثل ذلك إلى مذهب الجَماعَةِ ، وذلك أنَّ مَذْهَبَهُ في الهمزة المصدرة على حرف العطف تقدير معطوف عليه بين الهمزة وحرف العطفِ ، ومذهب الجماعةِ أنَّ حَرْفَ العطف في نِيَّةِ التقدُّم ، وإنَّمَا تأخَّرَ وتقدَّمت عليه همزةُ الاستفهام لقوَّةِ تَصَدُّرها في أوَّلِ الكلام " . وقد تقدَّم تحقيقه ، والزَّمَخْشريُّ هنا لم يقدِّر بينهما معطوفاً عليه ، بل جعل ما بعد الفاءِ معطوفاً على ما قَبْلَهَا من الجُمَلِ ، وهو قوله : " فأخَذْنَاهُم بَغْتَةً " . قوله : " بَيَاتاً " تقدَّم أوَّلَ السُّورةِ أنَّهُ يجوز أن يكون حالاً ، وأن يكون ظرفاً . وقوله : " وهُمْ نَائِمُونَ " جملة حاليّة ، والظَّاهِرُ أنَّها حال من الضَّميرِ المستتر في " بَيَاتاً " ؛ لأنَّهُ يتحمَّل ضميراً لوقوعه حالاً ، فيكون الحالان مُتَدَاخِلَيْنِ . قوله : " ضُحًى " مَنْصوبٌ على الظَّرف الزَّمانيِّ ، ويكون متصرفاً وغير متصرّف ، [ فالمتصرِّفُ ] ما لم يرد به وقته من يوم بِعَيْنِهِ نحو : " ضُحاك ضحًى مُبَارَك " . فإن قلت : " أتَيْتُكَ يوم الجُمْعَةِ ضُحًى " فهذا لا يتصرّف ، بل يَلْزَمُ النَّصْبُ على الظَّرْفية ، وهذه العبارَةُ أحسنُ من عِبَارَةِ أبِي حيَّان حيث قال : " ظرف متصرِّفٌ إذا كان نكرةً ، وغير متصرِّف إذا كان من يوم بعينه " ؛ لأنَّهُ تَوَهَّم [ متى ] كان معرفةً بأي نوع كان من أنواع التَّعْرِيف فإنَّهُ لا يتصرَّفُ ، وليس الأمر كذلك قال تعالى : { وَٱلضُّحَىٰ } [ الضحى : 1 ] فاستعمله مجروراً بالقسم مع أنه معرفٌ بأل ، وقال تعالى : { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [ الشمس : 1 ] جرّه بحرف القسم أيضاً مع أنَّهُ معرَّفٌ بالإضافة ، وهو امتداد الشَّمْسِ وامتداد النَّهار . ويقال : ضُحى ، وضحاءُ ، إذا ضَمَمْتَ قَصَرْتَ ، وإذا فتحت مَدَدْتَ . وقال بعضهم : الضُّحى بالضم والقسر لأول ارتفاع الشمس والضَّحَاءُ بالفتح والمدِّ لقوَّة ارتفاعها قبل الزَّوَالِ . والضُّحى مُؤنَّثٌ ، وشذُّوا في تصغيرِهِ على " ضُحَيٌّ " بدون تاء كعُرَيْب وأخواتها ، والضَّحَاءُ أيضاً طعامُ الضُّحَى كالغَدَاء طَعَامُ وَقْتِ الغدْوَة يقال منهما : تَضَحَّى ضَحَاءً وتَغَدَّى غَدَاءً . وضَحِيَ يَضْحَى إذَا برز للشَّمْسِ وقت الضُّحَى ، ثم عُبِّر بِه عن إصَابَةِ الشَّمْسِ مطلقاً ، ومنه قوله : { وَلاَ تَضْحَىٰ } [ طه : 119 ] [ أي ] : لا تبرزُ للشمس . ويقال : ليلة أضحِيَانَةٌ بضمِّ الهمزة ، وضَحْيَاء بالمدِّ أي : مضيئة إضاءَةَ الضُّحى ، والأضْحِيَة وجمعها : أضَاحٍ ، والضَّحِيَّة وجمعها ضحايا ، والأضْحَاة وجمعها أضْحًى هي المَذْبُوحُ يوم النَّحْرِ ، سمِّيَتْ بذلك لذَبْحها ذلك الوقت لقوله عليه الصلاة والسلام : " مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ صَلاتِنَا هَذِهِ فَلْيُعِدْ " . وضواحي الشَّيء نواحيه البارزة . قوله : " وَهُمْ يَلْعَبُونَ " حالٌ ، وهذا يقوِّي أنَّ " بَيَاتاً " ظرفٌ لا حال ، لتتطابق الجملتان فيصيرُ في كلٍّ منهما وقت وحال ، وأتى [ بالحال ] الأولى مُتَضَمِّنَة لاسم فاعلٍ ؛ لأنَّهُ يدلُّ على ثباتٍ واستقرارٍ وهو مناسب للنَّوْمِ ، وبالثَّانيةِ متضمِّنة لفعل ؛ لأنَّهُ يدلُّ على التجدُّدِ والحدوث وهو مناسبٌ لِلَّعب والهزل . قال النَّحَّاسُ : " وفي الصِّحاح : اللَّعِبُ معروفٌ ، واللّعْبُ مثله ، وقد لَعِبَ يَلْعَبُ ، ويَلْعبُ مرة بعد أخرى ، ورجل تَلْعَابَةٌ : كثيرُ اللَّعبِ والتَّلْعَابُ بالفتح المصدر ، وجارته لَعُوبٌ " . وقرأ نافع وابن عامِر وابنُ كثيرٍ " أوْ " بسكون الواو والباقون بفتحها ، ففي القراءة الأولى تكونُ " أو " بجملتها حرف عطف ومعناها حينئذ التقسيم . قال ابنُ الخطيبِ : تستعملُ على ضَرْبَيْن : أحدهما : أن تكون بمعنى أحد الشَّيْئيْنِ كقوله : زيد أو عمرو جاءك ، والمعنى : أحدهما جاء . والثاني : أن تكون للإضْرابِ عمَّا قبلها كقولك : " أنَا أخْرُجُ " ثم تقول : " أو أقيم " أضربت عن الخروج وأثبت الإقامة ، كأنك قلت : لا بل أقيمُ ، فوجه هذه القراءة أنَّهُ جعل " أو " للإضراب ، لا على أنَّه أبطل الأوَّلَ . وزعم بعضهم أنَّها للإبَاحةِ والتَّخْيير ، وليس بظاهرٍ . وفي القراءة الثَّانية هي واو العَطْفِ دخلت عليها همزة الاستفهام مقدَّمة عليها لفظاً ، وإنْ كانت بَعْدَهَا تقديراً عند الجمهور . وقد عرف مذهب الزَّمَخْشَرِيِّ في ذلك ، ومعنى الاستفهام هنا : التَّوبيخُ ، والتَّقريعُ . وقال أبُو شَامَة وغيره : " إنَّهُ بمعنى النَّفي " . وكرّرت الجملة في قوله تعالى : { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ } : " أفَأمِنوا " توكيداً لذلك ، وأتي في الجُمْلَةِ الثَّانية بالاسم ظاهراً ، وحقّه أن يضمر مبالغة في التَّوْكِيد .