Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 40-44)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ } . قد تقدَّم . وقرأ جماعة : " فلأقسم " دون ألفٍ . { بِرَبِّ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ } ، قرأ العامةَ : بجمع " المشارق ، والمغارب " . والجحدري وابن محيصن وأبو حيوة ، وحميد : بإفرادهما ، وهي مشارقُ الشمس ومغاربها . وقوله : " إنَّا لقَادِرُونَ " ، جواب القسم : { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ } أي : نقدر على إهلاكهم ، وإذهابهم ، والإتيان بخير منهم ، { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } ، أي : لا يفوتنا شيء ، ولا يعجزنا أمرٌ نريده . قوله : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } ، أي : اتركهم يخوضُوا في أباطيلهم ، ويلعبوا في دنياهم على جهة الوعيد ، واشتغل أنت بما أمرت به . وقد تقدم تفسيره في سورة " الطور " . واختلفوا فيما وصف الله به نفسه بالقدرة عليه ، هل خرج إلى الفعل أم لا ؟ . فقيل : بدل بهم الأنصار والمهاجرين . وقيل : بدل الله كفر بعضهم بالإيمان . وقيل : لم يقع هذا التبديلُ ، وإنما ذكر الله ذلك تهديداً لهم لكي يؤمنوا . قوله : { حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } . قرأ ابن محيصن ومجاهد وأبو جعفر : " يَلْقُوا " مضارع " لَقى " ، والمعنى : أنَّ لهم يوماً يلقون فيه ما وعدوا ، وهذه الآية منسوخةٌ بآية السَّيف ، ثُمَّ ذكر ذلك اليوم فقال : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } ، يجوز أن يكون بدلاً من " يومهم " أو منصوب بإضمار " أعني " . ويجوز على رأي الكوفيين أن يكون خبر ابتداءٍ مضمر ، وبني على الفتح ، وإن أضيف إلى معرب ، أي : هو يوم يخرجون ، كقوله : { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ } [ المائدة : 119 ] . وتقدم الكلام عنه مشبعاً . والعامة : على بناء " يَخْرجُونَ " للفاعل . وقرأ السلميُّ والمغيرة ، وروي عن عاصمٍ : بناؤه للمفعول . قوله : " سِراعاً " ، حال من فاعل " يَخْرجُونَ " ، جمعُ سِرَاع كـ " ظِرَاف " في " ظَريف " ، و " كأنَّهُمْ " حال ثانية منه ، أو حال من ضمير الحال ، فتكونُ متداخلة . والأجداثُ : القبور ، ونظيره : { فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [ يس : 51 ] ، أي : سِرَاعاً إلى إجابة الدَّاعي . قوله : { إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } . متعلق بالخبر . والعامَّة : على " نَصْبٍ " بالفتح ، وإسكان الصاد . وابن عامر وحفص : بضمتين . وأبو عمران [ الجوني ] ومجاهد : بفتحتين . والحسن وقتادة وعمرو بن ميمون وأبو رجاء وغيرهم : بضم النون ، وإسكان الصاد . فالأولى : هو اسم مفرد بمعنى العلمِ المنصوب الذي يُسْرعُ الشخصُ نحوه . وقال أبو عمرو : هو شَبكةُ الصَّائدِ ، يُسْرِع إليها عند وقوع الصيد فيها مخافة انفلاته . وأمَّا الثانية ، فتحتملُ ثلاثة أوجهٍ : أحدها : أنه اسم مفرد بمعنى الصنم المنصوب للعبادة . وأنشد للأعشى : [ الطويل ] @ 4874 - وذَا النُّصُبِ المَنْصُوبِ لا تَعْبُدَنَّهُ لِعاقِبَةٍ واللَّهَ ربَّك فاعْبُدَا @@ يعني : إيَّاك وذا النُّصُبِ . الثاني : إنَّه جمعُ " نِصَاب " كـ " كُتُب " و " كِتَاب " . الثالث : أنَّه جمع " نَصْب " نحو : " رَهْن ورُهُن ، وسَقْف وسُقُف " وهذا قول أبي الحسن . وجمع الجمع : أنصاب . وقال النحاسُ : وقيل : نُصُبٌ ونَصْبٌ ، بمعنى واحد ، كما قيل : عُمْر وعُمُر وأسُد وأسْد جمع أسَد . وأما الثالثة : ففعلٌ بمعنى مفعول ، أي : منصوب كالقَبضِ والنَّقضِ . والرابعة : تخفيفٌ من الثانية ، والنصب أيضاً : الشر والبلاء ، ومنه قوله تعالى : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ ص : 41 ] . فصل في معنى قوله : نصب قال ابن عباس : " إلى نصب " ، أي إلى غاية ، وهي التي ينتهي إليها بصرُك . وقال الكلبيُّ : هو شيءٌ منصوب علمٌ أو رايةٌ . وقال الحسنُ : كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمسُ إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوي أوَّلهم على آخرهم . و " يُوفضُونَ " : يُسْرعُونَ . وقيل : يستبقون . وقيل : يسعون . وقيل : ينطلقون ، وهي متقاربة ، والإيفاض : الإسراع ؛ قال الشاعر : [ المتقارب ] @ 4875 - فَوَارسُ ذبْيانَ تَحْتَ الحَدِيـ ـدِ كالجِنِّ يُوفِضْنَ منْ عَبْقَرِ @@ وعبقر : موضع تزعم العرب أنه من أرض الجنِّ ؛ قال لبيد : [ الطويل ] @ 4876 - … كُهُولٌ وشُبَّانٌ كجِنَّةِ عَبقَرِ @@ وقال الآخر : [ الرجز ] @ 4877 - لأنْعَتَنْ نَعَامَةً مِيفَاضَا @@ وقال الليثُ : وفضَتِ الإبل تَفضِي وفُضاً ، وأوفضها صاحبُها ، فالإيفاض متعد ، والذي في الآية لازم يقال : وفض وأوفض ، واستوفض بمعنى : أسْرَع . قوله : { خَاشِعَةً } . حال إما من فاعل " يُوفِضُونَ " وهو أقرب ، أو من فاعل " يَخرُجونَ " وفيه بعدٌ منه ، وفيه تعدد الحال لذي حالٍ واحدةٍ ، وفيه الخلافُ المشهورُ . و " أبْصارُهُمْ " فاعل ، والمعنى : ذليلةٌ خاضعةٌ لا يعرفونها لما يتوقعونه من عذاب الله . قوله : { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } ، قرأ العامةُ ، بتنوين " ذلَّة " ، والابتداء بـ " ذلِكَ اليَوْمَ " ، وخبره " الَّذي كَانُوا " . وقرأ يعقوب والتمَّارُ : بإضافةِ " ذلَّة " إلى " ذلك " وجر " اليَوْم " ؛ لأنه صفةٌ ، و " الَّذِي " نعتٌ لليومِ . و " تَرهَقُهمْ " يجوز أن يكون استئنافاً وأن يكون حالاً من فاعل " يُوفضُونَ " أو " يَخرُجُونَ " ، ولم يذكر مكي غيره . ومعنى : " ترهَقهُمْ " ، أي : يغشاهم الهوانُ والذلة . قال قتادة : هو سوادُ الوُجوهِ . والرَّهقُ : الغشيان : ومنه غلام مراهق إذا غشي الاحتلام ، يقال : رهقه - بالكسر - يرهقه رهقاً ، أي : غشيه . ومنه قوله تعالى : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } [ يونس : 26 ] . { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } ، أي : يوعدونه في الدنيا أنَّ لهم فيه العذاب ، وأخرج الخبر بلفظ الماضي ؛ لأن ما وعد الله به ، فهو حقٌّ كائنٌ لا محالةَ . روى الثَّعلبيُّ عن أبيِّ بن كعبٍ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورَةَ سأل سَائلٍ ، أعْطاهُ اللَّهُ ثَوابَ الَّذينَ لأمَانَاتِهِمْ وعهْدِهِمْ راعُونَ ، والَّذينَ هُمْ على صَلأتِهِمْ يُحَافِظُونَ " .