Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 36-39)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } . روي أنَّ المشركين كانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ، ويستهزئون به ويكذبونه ، ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنَّة كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فلندخلنَّها قبلهم ، فنزلت هذه الآية إلى قوله : { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ } . وقال أبو مسلمٍ : ظاهر الآية يدل على أنهم هم المنافقون ، فهم الذين كانوا عنده ، وإسراعهم المذكور هو الإسراعُ في الكفر ، لقوله تعالى : { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } [ آل عمران : 176 ] . و " الإهْطَاعُ " : الإسراعُ . قال الأخفش : " مُهْطعيْنَ " ، أي : مُسرِعيْنَ ، قال : [ الوافر ] @ 4867 - بِمكَّةَ أهْلُهَا ولقَدْ أرَاهُمْ إليْهِ مُهْطِعينَ إلى السَّماعِ @@ والمعنى : ما بالهُمْ يسرِعُونَ إليْكَ ، ويجلسُونَ حولك ، ويعملون بما تأمُرهُمْ . وقيل : ما بالهم يسرعون في التكذيب لك . وقيل : ما بالُ الذين كفروا يسرعون إلى السَّماع منك ليعيبوكَ ويستهزئوا بك . وقال عطيةُ : " مُهْطِعيْنَ " : مُعْرضِيْنَ . وقال الكلبيُّ : ناظرين إليك تعجُّباً . وقال قتادةُ : مادّين أعناقهم مديمي النظر إليك ، وذلك من نظر العدو ، وهو منصوبٌ على الحال . قال القرطبيُّ : نزلت في جميع المنافقين المستهزئين ، كانوا يحضرونه - عليه الصلاة والسلام - ولا يؤمنون به ، و " قبلك " ، أي : نحوك . قوله : { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } . أي : عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وشماله حلقاً حلقاً وجماعات . قوله : " عِزيْنَ " ، حالٌ من " الَّذين كَفرُوا " . وقيل : حال من الضمير في " مُهْطعِينَ " فيكونُ حالاً متداخلة ، و " عَن اليَميْنِ " ، يجوز أن يتعلق بـ " عزين " ؛ لأنَّه بمعنى متفرقين . قاله أبو البقاء . وأن يتعلق بـ " مُهْطِعيْنَ " أي : مسرعين عن هاتين الجهتين ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال ، أي : كائنين عن اليمين . قاله أبو البقاء . و " عَزِيْنَ " جمع عزة ، والعِزَة : الجماعة . قال مكيٌّ . قال مكيٌّ : " وإنما جمع بالواو والنون ؛ لأنه مؤنث لا يعقل ؛ ليكون ذلك عوضاً مما حذفَ منه " . قيل : إن أصله : عزهة ، كما أنَّ أصل سنة : سنهة ، ثم حذفت الهاء ، انتهى . قال شهاب الدين : قوله : لا يعقل سَهْو ، لأن الاعتبار بالمدلولِ ، ومدلوله - بلا شك - عقلاء . واختلفوا في لام " عِزَة " على ثلاثة أقوال : أحدها : أنَّها " واو " من : " عزوته أعزوه " ، أي : نسبته ، وذلك أنَّ المنسوبَ مضمومٌ إلى المنسوب إليه ، كما أنَّ كلَّ جماعةٍ مضموم بعضها إلى بعض . الثاني : أنَّها " ياء " ، إذ يقال " عَزيتُه " - بالياء - أعزيه بمعنى عزوته ، فعلى هذا في لامها لغتانِ . الثالث : أنَّها هاءٌ ، وتجمع تكسيراً على " عِزَهٍ " نحو كسرة وكِسَر ، واستغني بهذا التكسير عن جمعها بالألف والتاء ، فلم يقولوا : " عزات " كما لم يقولوا في " شفة وأمة : شفَات ولا أمات " استغناء بـ " شِفَاه وإماء " . وقد كثر ورودُه مجموعاً بـ " الواو " والنون ؛ قال الراعي : [ الكامل ] @ 4868 - أخَلِيفَـةَ الرَّحْمَـنِ إنَّ عَشِيرَتِي أمْسَـى سَرَاتُهُـم عِزيـنَ فُلُـولاَ @@ وقال الكميت : [ الوافر ] @ 4869 - ونَحْـنُ وجنْـدَلٌ بَـاغٍ تَركْنَـا كَتَائِـبَ جَنْـدلٍ شتَّـى عِزينَـا @@ وقال عنترةُ : [ الوافر ] @ 4870 - وقِـرْنٍ قَدْ تَركْـتُ لِذِي ولـيٍّ عليْـهِ الطَّيْـرُ كالعُصَـبِ العِزيـنِ @@ وقال آخر : [ الوافر ] @ 4871 - تَرانَـا عِنْـدَهُ واللِّيـلُ دَاجٍ عَلـى أبْوَابِـهِ حِلقـاً عِزينَـا @@ وقال الشاعرُ : [ الوافر ] @ 4872 - فَلَمَّـا أن أتَيْـنَ علـى أضَاخٍ تَركْـنَ حَصـاهُ أشْتَاتـاً عِزينَـا @@ والعزة لغةً : الجماعة في تفرقة ، قاله أبو عبيدة . ومنه حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم " أنه خرج إلى أصحابه فرآهم حلقاً ، فقال : " مَا لِي أراكُمْ عِزيْنَ ، ألا تصفُّونَ كما تُصَفُّ المَلائِكةُ عِندَ ربِّهَا " ، قالوا : وكيف تصف الملائكةُ ؟ قال : " يتمون الصف الأول فيتراصون في الصف " " . وقال الأصمعيُّ : العِزُونَ : الأصنافُ ، يقال : في الدَّار عزون ، أي : أصناف . وفي " الصِّحاح " : " العِزَةُ " الفرقة من الناس . وقيل : العِزَة : الجماعةُ اليسيرةُ كالثلاثة والأربعة . وقال الراغبُ : " وقيل : هو من قولهم : عَزَا عزاء فهو عز إذا صبر ، وتعزَّى : تصبَّر ، فكأنَّها اسم للجماعة التي يتأسَّى بعضها ببعض " . قال القرطبيُّ : ويقال : عِزُونَ ، وعُزُون - بالضم - ولم يقولوا : عزات ، كما قالوا : ثبات ، قيل : كان المستهزئون خمسة أرهُطٍ . وقال الأزهريُّ : وأصلها من قولهم : عَزَا فلانٌ نفسه إلى بني فلانٍ يعزوها عزواً إذا انتمى إليهم ، والاسم : " العَزْوَة " ، كلُّ جماعةٍ اعتزوها إلى آخر واحد . قوله : { أَن يُدْخَلَ } . العامة : على بنائه للمفعول . وزيد بن علي ، والحسن ، وابن يعمر ، وأبو رجاء ، وعاصم في رواية ، قال القرطبي : وطلحة بن مصرف ، والأعرج على بنائه للفاعل . فصل في تعلق الآية بما بعدها لما قال المستهزئون : إن دخل هؤلاء الجنَّة كما يقولُ محمدٌ فلندخلنَّها قبلهم ، أجابهم الله - تعالى - بقوله : { كَلاَّ } لا يدخلونها ، ثم ابتدأ فقال : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } أي : أنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نُطفةٍ ، ثم من علقة ، ثم كما خلق سائر جنسهم ، فليس لهم فضلٌ يستوجبون به الجنة ، وإنما يستوجب بالإيمان ، والعمل الصالح ، ورحمة الله تعالى . وقيل : كانوا يستهزئون بفقراء المسلمينَ ويتكبرون عليهم ، فقال : { إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِّمَّا يَعْلَمُونَ } ، أي : من القذر ، فلا يليقُ بهم هذا التكبرُ . وقال قتادة في هذه الآيةِ : إنَّما خلقت يا ابن آدم من قذرٍ فاتَّقِ اللَّهَ . وروي أنَّ مطرف بن عبد الله بن الشِّخيرِ ، رأى المهلَّب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خَزّ وجُبة خَزّ ، فقال له : يا عبد الله ، ما هذه المشية التي يبغضها الله ؟ . فقال له : أتعرفني ، قال : نعم ، أوّلك نطفةٌ مذرةٌ ، وآخرك جيفةٌ قذرةٌ ، وأنت تحمل العذرةَ ، فمضى المهلَّب وترك مشيته . قال ابن الخطيب : ذكروا في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوهاً : أحدها : لما احتج على صحة البعث دل على أنهم كانوا منكرين للبعث ، فكأنه قيل لهم : كلا إنكم منكرون للبعث فمن أين تطمعون بدخولِ الجنَّة . وثانيها : أنَّ المستهزئين كانوا يستحقرون المؤمنين - كما تقدّم - فقال تعالى : إنَّ هؤلاء المستهزئين مخلوقون مما خلقوا ، فكيف يليق بهم هذا الاحتقار ؟ . وثالثها : أنَّهم مخلوقون من هذه الأشياء المستقذرة ، ولم يتصفوا بالإيمانِ ، والمعرفةِ ، فكيف يليق بالحكمة إدخالهم الجنة ؟ . وقيل : معنى قوله : { خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } ، أي : مراحل ما يعلمون وهو الأمر والنَّهي والثوابُ والعقابُ . كقول الأعشى : [ المتقارب ] @ 4873 - أأزْمَعْتَ من آلِ لَيْلَى ابْتِكَارا وشَطَّتْ على ذِي هَوَى أنْ تُزَارَا @@ أي : من أجل ليلى .