Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 5-14)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } قال ابن الخطيب : هذا متعلق بـ " سألَ سَائلٌ " ؛ لأن استعجالهم بالعذاب كان على وجه الاستهزاءِ برسول الله صلى الله عليه وسلم والتعنُّت فأمر بالصبر . ومن قَرَأ : " سَالَ سَائِل " ، وسيل فالمعنى جاء العذاب لقرب وقوعه فاصبر على أذى قومك ، والصَّبرُ الجميلُ هو الذي لا جزع فيه ، ولا شكوى لغير الله . وقيل : أن يكون صاحب مصيبة في القوم لا يدرى من هو . قال ابنُ زيدٍ والكلبيُّ : هذه الآيةُ منسوخة بالأمر بالقتال . قوله : { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً } . الضميرُ في " إنَّهُمْ " لأهل " مكة " ، وفي " يَرونَهُم ، ونَرَاه " لليوم إن أريد به يوم القيامة . قال القرطبيُّ : أي : نعلمه ؛ لأن الرؤية إنما تتعلقُ بالموجودِ ، كقولك : الشافعي يرى في هذه المسألةِ كذا . وقال الأعمشُ : يرون البَعْثَ بعيداً ؛ لأنهم لا يؤمنون به ، كأنهم يستبعدونه على جهة الإحالة كمن يقول لمن يناظره : هذا بعيدٌ لا يكون . وقيل : الضمير يعودُ إلى العذاب بالنار ، أي : غير كائن ، " ونراه قريباً " لأن ما هو آت ، فهو قريب . قوله : { يَوْمَ تَكُونُ } ، فيه أوجه : أحدها : أنه متعلق بـ " قريباً " وهذا إذا كان الضمير في " نراه " للعذاب ظاهراً . الثاني : أنه يتعلق بمحذوف يدل عليه " واقع " ، أي : يقع يوم يكون . الثالث : أنه يتعلق بمحذوفٍ مقدر بعده ، أي : يوم يكون كان وكيت وكيت . الرابع : أنه بدل من الضمير في " نَرَاهُ " إذا كان عائداً على يومِ القيامةِ . الخامس : أنَّه بدل عن " فِي يَوْمٍ " ، فيمن علقه بـ " واقع " . قاله الزمخشري . وإنَّما قال : فيمن علقه " بِواقعٍ " لأنه إذا علق بـ " تَعْرُجُ " في أحد الوجهين استحال أن يبدل عنه هذا لأن عروج الملائكة ليس هو في هذا اليوم الذي تكون السماء كالمُهْلِ ، والجبال كالعِهْنِ ، ويشغل كل حميمٍ عن حميمه . قال أبو حيان : " ولا يجوز هذا " يعني : إبداله من " في يوم " قال : لأن " فِي يَوْمٍ " وإن كان في موضع نصبٍ لا يبدل منه منصوب ؛ لأن مثل هذا ليس بزائد ، ولا محكوم له بحكم الزائد ، كـ " رُّبَّ " وإنما يجوز مراعاة الموضع في حرف الجر الزائد ؛ كقوله : [ الكامل ] @ 4859 - أبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمَا بِيدٍ إلاَّ يَداً ليْسَتْ لَهَا عَضُدُ @@ ولذلك لا يجوز " مررتُ بزيد الخياط " على موضع " بزيد " ولا " مررتُ بزيد وعمراً " ، ولا " غضب على زيد وجعفراً " ولا " مررت بزيد وأخاك " على مراعاة الموضع . قال شهاب الدين : قد تقدم أن قراءة { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } [ المائدة : 6 ] من هذا الباب فمن نصب الأرجل فليكن هذا مثله . ثم قال أبو حيَّان : فإن قلت : الحركة في " يوم " تكون حركة بناء لا حركة إعرابٍ ، فهو مجرور مثل " فِي يَوْمٍ " . قلتُ : لا يجوز بناؤه على مذهب البصريين ؛ لأنه أضيف إلى مُعرب ، لكنه يجوز على مذهب الكوفيين فيتمشى كلامُ الزمخشريِّ على مذهبهم إن كان استحضره وقصده انتهى . قال شهاب الدين : إن كان استحضره فيه تحامل على الرجل ، وأي كبير أمر في هذا حتى لا ييستحضر مثل هذا . وتقدم الكلام على المهل في " الدخان " . قوله : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } . قيل : " العِهْنُ " هو الصُّوف مطلقاً ، وقيل : يقدر كونه أحمر وهو أضعف الصوف ، ومنه قول زهير : [ الطويل ] @ 4860 - كَأنَّ فُتَاتَ العِهْنِ في كُلِّ مَنْزِلٍ يَزَالُ بِه حَبُّ الفَنَا لمْ يُحَطَّمِ @@ الفتات : القطع ، والعِهْنُ : الصُّوف الأحمر ، واحده عهنة . وقيل : يقيد كونه مصبوغاً ألواناً ، وهذا أليق بالتشبيه ؛ لأن الجبال متلونة ، كما قال تعالى : { جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ } [ فاطر : 27 ] . والمعنى : أنها تلين بعد شدة ، وتتفرق بعد الاجتماع . وقيل : أول ما تتفرق الجبال تصير رمالاً ثم عِهْناً منفوشاً ، ثم هباءً مَنْثُوراً . قوله : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } . قرأ العامة : " يَسْألُ " مبنياً للفاعل ، والمفعول الثاني محذوف ، فقيل : تقديره : لا يسأله نصره ، ولا شفاعته لعلمه أنَّ ذلك مفقود . وقيل : لا يسأله شيئاً من حمل أو زادٍ . وقيل : " حَمِيْماً " منصوب على إسقاط الخافض ، أي : عن حميم ، لشغله عنه . قاله قتادة . لقوله تعالى : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 37 ] . وقرأ أبو جعفر ، وأبو حيوة ، وشيبة ، وابن كثير في رواية قال القرطبيُّ : والبزي عن عاصم : " يُسْألُ " مبنياً للمفعول . فقيل : " حميماً " مفعول ثان لا على إسقاط حرف ، والمعنى : لا يسأل إحضاره . وقيل : بل هو على إسقاط " عَنْ " ، أي : عن حميم ، ولا ذو قرابة عن قرابته ، بل كل إنسان يُسأل عن عمله ، نظيره : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [ المدثر : 38 ] . قوله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } عدي بالتضعيف إلى ثان ، وقام الأول مقام الفاعل ، وفي محل هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها في موضع الصفة لـ " حَمِيم " . والثاني : أنها مستأنفة . قال الزمخشريُّ : فإن قلت : ما موقع " يُبصَّرُونهُم " ؟ قلت : هو كلام مستأنف ، كأنه لمَّا قال : { لاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } قيل : لعله لا يبصره ، فقال : " يُبَصَّرُونهُم " ، ثم قال : ويجوز أن يكون " يبصرُونهُم " صفة ، أي : حميماً مبصرين معرفين إياهم انتهى . وإنما اجتمع الضميران في " يبصرُونهُم " وهما للحميمين حملاً على معنى العمومِ ؛ لأنهما نكرتان في سياق النفي . وقرأ قتادةُ : " يُبصِرُونهُمْ " مبنياً للفاعل ، من " أبصَرَ " ، أي : يبصر المؤمن الكافر في النار . فصل في قوله تعالى يبصرونهم " يُبصَّرُونهُم " ، أي : يرونهم ، يقال : بصرت به أبصر ، قال تعالى : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } [ طه : 96 ] ، ويقال : " بصَّرَني زيدٌ بكذا " فإذا حذفت الجار قلت : بصَّرني زيدٌ ، فإذا بنيت الفعل للمفعول ، وقد حذفت الجارَّ ، قلت : بصرت زيداً ، فهذا معنى : " يُبَصَّرونهُمْ " أي : يعرف الحميمُ الحميمَ حين يعرفه ، وهو مع ذلك ، لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه ، فيبصر الرجلُ أباه ، وأخاه ، وقرابته ، وعشيرته ، فلا يسألهُ ، ولا يكلمه ؛ لاشتغالهم بأنفسهم . وقال ابن عبَّاس : يتعارفون ساعة ، ثم لا يتعارفون بعد ذلك . وقال ابن عباس أيضاً : يُبْصِرُ بعضهم بعضاً ، فيتعارفون ثم يفرُّ بعضهم من بعضٍ ، فالضمير في " يُبَصَّرونهُم " على هذا للكافر ، والهاءُ والميم للأقرباء . وقال مجاهدُ : المعنى : يُبَصِّرُ الله المؤمنين الكفَّار في يوم القيامةِ ، فالضمير في " يُبَصَّرونهم " للمؤمنين ، والهاءُ والميمُ للكفار . وقال ابنُ زيدٍ : المعنى : يُبصِّرُ الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدُّنيا ، فالضميرُ في " يُبَصَّرونَهُم " للتابعين ، والهاءُ والميم للمتبوعين . وقيل : إنه يُبصِرُ المظلومُ ظالمه ، والمقتولُ قاتله . وقيل : إن الضمير في " يُبصَّرونَهم " يرجع إلى الملائكة ، أي : يعرفون أحوال الناس ، فيسوقون كلَّ فريقٍ إلى ما يليق بهم ، وتمَّ الكلامُ عند قوله : " يُبصَّرُونَهُم " . قوله : " يَوَدُّ المُجرِمُ " ، أي : يتمنَّى الكافرُ { لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ } ، أي : من عذاب جهنم ، وقيل : المرادُ بالمجرم كلُّ مذنب ، وتقدم الكلام على قراءتي " يَومئذٍ " فتحاً وجرًّا في " هود " والعامة : على إضافة " عَذابِ " لـ " يَومِئذٍ " . وأبو حيوة : بتنوين " عذابٍ " ، ونصب " يَومئذٍ " ، على الظرف . قال ابنُ الخطيب : وانتصابه بعذاب ؛ لأن فيه معنى تعذيب . وقال أبو حيَّان هنا : " والجمهور يكسرها - أي : ميم يومئذ - والأعرج وأبو حيوة : يفتحها " انتهى . وقد تقدم أنَّ الفتح قراءةُ نافع ، والكسائي . قوله : { وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } . قال ثعلب : الفصيلةُ : الآباء الأدنون . وقال أبو عبيدة : الفخذ . وقال مجاهد وابن زيدٍ : عشيرته الأقربون . وقد تقدم ذكر ذلك عند قوله : " شعوباً وقبائل " . وقال المُبرِّدُ : الفصيلةُ : القطعةُ من أعضاء الجسدِ ، وهي دون القبيلةِ ، وسُمِّيت عترةُ الرجلِ فصيلته تشبيهاً بالبعض منه . قال ابنُ الخطيبِ : فصيلة الرجل : أقرباؤه الأقربون الذين فصل عنهم ، وينتمي إليهم ؛ لأن المراد من الفصيلة المفصولة ؛ لأن الولد يكون مفصولاً من الأبوين ، قال عليه الصلاة والسلام : " فَاطِمَةُ قِطعَةٌ منِّي " فلما كان مفصولاً منهما ، كانا أيضاً مفصولين منه ، فسُمِّيا فصيلة لهذا السببِ . وكان يقالُ للعباس رضي الله عنه : فصيلةُ النبي صلى الله عليه وسلم لأن العمَّ قائم مقام الأب . وقوله : " التي تؤويه " ، أي : ينصرونه . وقال مالك : أمُّه التي تربيه ، حكاه الماورديُّ ، ورواه عنه أشهبُ . قال شهاب الدين : ولم يبدله السوسي عن أبي عمرو ، قالوا : لأنه يؤدي إلى لفظ هو أثقل منه ، والإبدال للتخفيف . وقرأ الزهريُّ : " تؤويهُ ، وتُنجِيهُ " بضم هاء الكناية ، على الأصل . و " ثُمَّ نُنجِيْهِ " عطف على " يَفْتَدِي " فهو داخلٌ في خبر " لَوْ " وتقدم الكلامُ فيها ، هل هي مصدريةٌ أم شرطيةٌ في الماضي ، ومفعول " يَوَدُّ " محذوف ، أي : يودُّ النَّجاة . وقيل : إنها هنا بمعنى " أن " وليس بشيء ، وفاعل " ينجيه " إما ضميرُ الافتداء الدالُّ عليه " يَفْتَدي " ، أو ضمير من تقدم ذكرهم ، وهو قوله : { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } . و { مَن فِي ٱلأَرْضِ } مجرور عطفاً على " بَنِيْهِ " وما بعده ، أي : يودُّ الافتداء بمن في الأرض أيضاً و " حميماً " إما حال ، وإما تأكيد ، ووحد باعتبار اللفظ . فصل فيما يترتب على معنى " فصيلته " من أحكام إذا وقف على فصيلته ، أو أوصى لها فمن ادعى العموم حمله على عشيرته ، ومن ادعى الخصوص حمله على الآباء الأدنى فالأدنى ، والأول أكثر في النطقِ ، قاله القرطبي و " تؤويه " تضمه وتؤمنهُ من خوف إن كان به ، { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } ، أي : ويود لو فدي بهم لافتدى " ثُمَّ يُنجِيْهِ " أي : ويخلصه ذلك الفداءُ ، فلا بُدَّ من هذا الإضمار ، كقوله : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ] أي : وإن أكلهُ لفسقٌ . وقيل : " يَودُّ المُجرمُ " يقتضي جواباً بالفاء كقوله : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] . والجوابُ في هذه الآية " ثُمَّ يُنجِيهِ " لأنَّها من حروف العطف ، أي يودُّ المجرم لو يفتدي ، وينجيهِ الافتداءُ .