Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 15-18)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " كلا " . ردعٌ وزجرٌ . قال القرطبيُّ : " وإنما تكون بمعنى " حقًّا " ، وبمعنى " لا " وهي هنا تحتمل الأمرين ، فإذا كانت بمعنى " حقًّا " فإن تمام الكلام " ينجيه " وإذا كانت بمعنى " لا " كان تمامُ الكلام عليها . إذ ليس ينجيه من عذاب الله إلا الافتداءُ " . قوله : { إِنَّهَا لَظَىٰ نَزَّاعَةً } في الضَّمير ثلاثة أوجه : أحدها : أنه ضميرُ النارِ ، وإن لم يجر لها ذكرٌ لدلالة لفظ عذابٍ عليها . والثاني : أنه ضميرُ القصةِ . الثالث : أنه ضميرٌ مبهمٌ يترجم عنه الخبرُ ، قاله الزمخشريُّ . وقد تقدم تحقيق ذلك في قوله تعالى : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } [ الأنعام : 29 ] . فعلى الأول يجوز في " لَظَى ، نزَّاعةً " أوجه : أحدها : أن يكون " لَظَى " خبر " إن " أي إن النار لظى ، و " نزاعة للشوى " خبر ثان ، أو خبر مبتدأ مضمر ، أي هي نزاعة ، أو تكون " لَظَى " بدلاً من الضمير المنصوب و " نزَّاعةً " خبر " إنَّ " . وعلى الثاني : تكون " لَظَى نزَّاعةً " جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع خبراً لـ " إنَّ " ، مفسرة لضمير القصةِ ، وكذا على الوجه الثالثِ . ويجوز أن تكون " نزَّاعةً " صفة لـ " لَظَى " إذا لم نجعلها علماً ، بل بمعنى اللهبِ ، وإنما أنِّثَ النعتُ ، فقيل : " نزَّاعةً " لأن اللهب بمعنى النارِ ، قاله الزمخشريُّ . وفيه نظرٌ ؛ لأن " لَظَى " ممنوعةٌ من الصرف اتفاقاً . قال أبو حيان بعد حكايته الثالث عن الزمخشري : " ولا أدري ما هذا المضمر الذي ترجم عنه الخبر ، وليس هذا من المواضع التي يُفسِّر فيها المفرد الضمير ، ولولا أنه ذكر بعد هذا أو ضمير القصةِ لحملت كلامه عليه " . قال شهاب الدين : متى جعله ضميراً مبهماً ، لزم أن يكون مفسراً بمفردٍ ، وهو إما " لَظَى " على أن تكون " نزَّاعةً " خبر مبتدأ مضمر ، وإما " نزَّاعةٌ " على أن تكون " لَظَى " بدلاً من الضمير وهذا أقربُ ، ولا يجوز أن تكون " لَظَى ، نزَّاعةٌ " مبتدأ وخبر ، والجملة خبر لـ " إنَّ " على أن يكون الضميرُ مبهماً ، لئلاَّ يتحد القولان ، أعني هذا القول ، وقول : إنَّها ضميرُ القصةِ ولم يُعهد ضميرٌ مفسرٌ بجملة إلا ضمير الشأنِ والقصةِ . وقرأ العامة : " نزَّاعةٌ " بالرفع . وقرأ حفص ، وأبو حيوة والزَّعفرانِيُّ ، واليَزيديُّ ، وابنُ مقسم : " نزَّاعةً " بالنصب . وفيها وجهان : أحدهما : أن ينتصب على الحال ، واعترض عليه أبو علي الفارسي ، وقال : حمله على الحال بعيدٌ ، لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال . قال القرطبيُّ : " ويجوز أن يكون حالاً على أنه حالٌ للمكذبين بخبرها " . وفي صاحبها أوجه : أحدها : أنه الضمير المستكنُّ في " لَظَى " ؛ وإن كانت علماً فهي جاريةٌ مجرى المشتقات كـ " الحارث والعباس " ، وذلك لأنها بمعنى التلظِّي ، وإذا عمل العلم الصريح والكنية في الظرف ، فلأن يعمل العلم الجاري مجرى المشتقات في الأحوال أولى ، ومن مجيء ذلك قوله : [ السريع أو الرجز ] @ 4861 - أنَا أبُو المِنْهَالِ بَعْضَ الأحْيَان @@ ضمنه بمعنى أنا المشهور في بعض الأحيان . الثاني : أنَّه فاعل " تَدعُو " وقدمت حاله عليه ، أي : تدعو حال كونها نزَّاعةً . ويجوز أن تكون هذه الحالُ مؤكدةً ، لأنَّ " لَظَى " هذا شأنها ، وهو معروف من أمرها ، وأن تكون مبنيةً ؛ لأنه أمرٌ توقيفيّ . الثالث : أنه محذوف هو والعامل تقديره : تتلظَّى نزاعة ، ودل عليه " لَظَى " . الثاني من الوجهين الأولين : أنها منصوبة على الاختصاص ، وعبَّر عنه الزمخشريُّ بالتهويل . كما عبَّر عن وجه رفعها على خبر ابتداء مضمر ، والتقدير : أعني نزاعةٌ وأخصُّها . وقد منع المبردُ نصب " نزَّاعة " ، قال : لأن الحال إنما يكون فيما يجوز أن يكون وألاّ يكون و " لَظَى " لا تكون إلا نزَّاعةً ، قاله عنه مكِّيٌّ . وردَّ عليه بقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً } [ البقرة : 91 ] ، { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً } [ الأنعام : 126 ] قال : فالحق لا يكون إلا مصدقاً ، وصراط ربِّك لا يكونُ إلاَّ مستقيماً . قال شهاب الدين : المُبرِّدُ بني الأمر على الحال المبنيةِ ، وليس ذلك بلازم ؛ إذ قد وردت الحال مؤكدة كما أورده مكيٌّ ، وإن كان خلاف الأصلِ ، واللظى في الأصل : اللهب ، ونقل علماً لجهنم ، ولذلك منع من الصرف . وقيل : هو اسم للدَّركة الثانية من النارِ ، والشَّوى : الأطراف جمع شواة ، كـ " نوى ، ونواة " ؛ قال الشاعر : [ الوافر ] @ 4862 - إذَا نَظرَتْ عَرفْتَ النَّحْرَ مِنْهَا وعَيْنَيْهَا ولمْ تَعْرفْ شَواهَا @@ يعني : أطرافها . وقيل : الشَّوى : الأعضاء التي ليست بمقتل ، ومنه : رماه فأشواه ، أي لم يُصِبْ مقتله ، وشوى الفرس : قوائمه ، لأنه يقال : عَبْلُ الشَّوى . وقيل : الشَّوى : جمع شواة وهي جلدة الرأس ؛ وأنشد الأصمعي : [ مجزوء الكامل ] @ 4863 - قَالتْ قُتَيْلَةُ : مَا لَهُ قَدْ جُلِّلتْ شَيْباً شَواتُه @@ وقيل : هو جلد الإنسان ، والشَّوى أيضاً : رُذال المال ، والشيء اليسير . فصل في معنى الآية قال ثابت البناني والحسن : " نزَّاعةً للشَّوى " : أي لمكارم وجهه . وعن الحسن أيضاً : إنه الهام . وقال أبو العالية : لمحاسن وجهه . وقال قتادة : لمكارم خلقته وأطرافه . وقال الضحاك : تفري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئاً . وقال الكسائي : هي المفاصل . وقيل : هي القوائم والجلود . قال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ 4864 - سَلِيمُ الشَّظَى ، عَبْلُ الشَّوى ، شَنِجُ النَّسَا لَهُ حَجَباتٌ مُشرفاتٌ على الفَالِ @@ قوله : { تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ } . يجوز أن يكون خبراً لـ " إنَّ " أو خبراً لمبتدأ محذوف ، أو حال من " لَظَى " أو من " نزَّاعةً " على القراءتين فيها ؛ لأنها تتحملُ ضميراً . فصل في المراد بالآية المعنى : تدعُو " لَظَى " من أدبر في الدنيا عن الطَّاعة لله " وتولَّى " عن الإيمان ودعاؤها أن تقول : يا مشرك إليَّ يا كافر إليَّ . وقال ابن عباس : تدعُو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح : إليَّ يا كافر ، إليَّ يا منافق ، ثم تلتقطهم كما تلتقط الطَّير الحبَّ . وقال ثعلبٌ : " تَدعُو " ، أي : تهلك ، تقول العربُ : دعاك الله ، أي : أهلكك اللَّهُ . وقال الخليلُ : إنَّه ليس كالدُّعاء " تعالوا " ولكن دعوتها إياهم تمكنها منهم ، ومن تعذيبهم . وقيل : الدَّاعي : خزنة جهنَّم أضيف دعاؤهم إليها . وقيل : هو ضرب مثل ، أي : أنها تدعوهم بلسان الحال ، أي : إنَّ مصير من أدبر ، وتولى إليها ، فكأنَّها الدَّاعية لهم . ومثله قول الشاعر : [ الكامل ] @ 4865 - ولقَدْ هَبَطْنَا الوادِيِيْنِ فَوادِياً يَدْعُو الأنيسَ بِهِ الغضِيضُ الأبْكَمُ @@ الغضيضُ الأبكمُ : الذباب ، وهو لا يدعو ، وإنَّما طنينه نبَّه عليه فدعا له . قال القرطبيُّ : " والقولُ الأولُ هو الحقيقةُ لظاهر القرآنِ ، والأخبار الصحيحة " . قال القشيريُّ : ودعا لَظَى بخلقِ الحياةِ فيها حين تدعُو ، وخوارقُ العادةِ غداً كثيرة . قوله : { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ } . أي : جمع المال فجعله في وعاءٍ ، ومنع منه حق الله تعالى ، فكان جموعاً منوعاً . قال ابن الخطيب : " جَمَعَ " إشارة إلى حبّ الدنيا ، والحِرْص عليها ، " وأوْعَى " إشارة إلى الأمل ، ولا شكَّ أنَّ مجامع آفات الدين ليست إلاَّ هذه . وقيل : " جَمَعَ " المعاصي " فأوْعَى " أي : أكثر منها حتى أثقلتهُ ، وأصرَّ عليها ، ولم يَتُبْ منها .