Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 10-14)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } ، أي : من الأذى ، والسب ، والاستهزاء ، ولا تجزع من قولهم ، ولا تمتنع من دعائهم ، وفوض الأمر إليّ ، فإني إذا كنت وكيلاً لك ، أقوم بإصلاح أمرك أحسن من قيامك بأمور نفسك { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } ، الهجر : ترك المخالطةِ ، أي : لا تتعرض لهم ، ولا تشتغل بمكافأتهم فإن ذلك ترك للدعاء إلى الله تعالى ، وكان هذا قبل الأمر بالقتال ، ثم أمر بعد ذلك بقتالهم . قال قتادة وغيره ، نسختها آية القتال . وقال أبو الدرداء : إنا لنكشر في وجوه [ أقوام ] ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتلعنهم . قال ابن الخطيب : وقيل وهو الأصح إنّها محكمة . قوله : { وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ } . يجوز نصب " المُكذِّبِيْنَ " على المعية ، وهو الظاهر ، ويجوز على النسق وهو أوفق للصناعة . والمعنى : ارض بي لعقابهم ، نزلت في صناديد قريش ورؤساء مكة من المستهزئين . وقال مقاتل : نزلت في المطعمين يوم بدر ، وهم عشرة تقدم ذكرهم في الأنفال . وقال يحيى بن سلام : إنهم بنو المغيرة . وقال سعيد بن جبير : أخبرت أنهم اثنا عشرة رجلاً ، " أولي النعمة " أي : أولي الغنى ، والترفه واللذة في الدنيا { وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } يعني إلى مدة آجالهم ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : لما نزلت هذه الآية لم يكن إلا يسيراً حتى وقعت وقعة بدر . وقيل : " ومَهِّلهُمْ قَلِيلاً " مدة الدنيا . قوله : " أوْلِي النَّعمَةِ " ، نعت للمكذبين . و " النعمة " - بالفتح - : التنعم ، وبالكسر ، الإنعام ، وبالضم : المسرَّةُ ، يقال : نِعْمة ونُعْمة عين . وقوله : " قَلِيلاً " ، نعت لمصدر ، أي : تمهيلاً ، أو لظرف زمان محذوف ، أي : زماناً قليلاً . قوله : { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً } ، جمع نكل ، وفيه قولان : أشهرهما : أنه القيد . وقيل : الغل ؛ وقالت الخنساء : [ المتقارب ] . @ 4929 - دَعَاكَ فقطَّعْتَ أنْكالَهُ وقَدْ كُنَّ مِنْ قَبْلُ لا تُقطَعُ @@ قال الحسن ومجاهد وغيرهما : الأنكال : القيود ، واحدها : نكل ، وهو ما منع الإنسان من الحركة ، وقيل : سمي نكلاً ، لأنه ينكل به . قال الشعبي : أترون أن الله جعل الأنكال في أرجل أهل النار خشية أن يهربوا - لا والله - ولكنهم إذا أراد أن يرتفعوا اشتعلت بهم . وقال الكلبيُّ : الأنكال : الأغلال . وقال مقاتل : الأنكال : أنواع العذاب الشديد . وقال عليه الصلاة والسلام : " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ النَّكلَ على النَّكلِ " - قال الجوهريُّ : بالتحريك - قيل : وما النكل ؟ قال : " الرجل القوي المجرب على الفرس القوي المجرب " - ذكره الماورديُّ ، قال : ومن ذلك سمي القَيْدُ نِكلاً لقوته وكذلك الغُلّ وكل عذاب قوي . قال ابن الأثير : " النَّكَلُ - بالتحريك - من التنكيل ، وهو المنع ، والتنحية عما يريد يقال : رجل نَكَلٌ ونِكْلٌ ، كشبه وشبهٌ ، أي : ينكل به أعداؤه ، وقد نكل الأمر ينكل ، ونكل ينكل : إذا امتنع ، ومنه النكول في اليمين وهو الامتناع منها وترك الإقدام عليها " . والجحيم : النار المؤجَّجَةُ . { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ } . " الغُصَّةُ " : الشجى ، وهو ما ينشب في الحلق فلا ينساغ ، ويقال : " غَصِصتُ " - بالكسر - فأتت غَاصٌّ وغصَّان ، قال : [ الرمل ] @ 4930 - لَو بِغيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ كُنْتُ كالغَصَّانِ بالمَاءِ اعتِصَارِي @@ والمعنى : طعاماً غير سائغ يأخذ بالحلق ، لا هو نازل ، ولا هو خارج وهو كالغسلين ، والزَّقُّوم والضريع . قاله ابن عباس . وعنه أيضاً : أنه شوك يدخل الحلق فلا ينزل ولا يخرج . وقال الزجاجُ : أي : طعامهم الضريع ، وهو شوك كالعوسج . وقال مجاهد : هو كالزقوم . والغصة : الشجى ، وهو ما ينشب في الحلق من عظم ، أو غيره ، وجمعها : غُصَص ، والغَصَصُ - بالفتح - مصدر قولك " غَصِصْتَ " يا رجل تَغُصُّ ، فأنت غاصٌّ بالطعام وغصَّان وأغْصصتُهُ أنا ، والمنزل غاص بالقوم أي ممتلىء بهم " . ومعنى الآية : أن لدينا في الآخرة ما يضادّ تنعمهم في الدنيا ، وهذه هي الأمور الأربعة : الأنكال ، والجحيم ، والطعام الذي يغص به ، والعذاب الأليم ، والمراد به : سائرُ أنواع العذابِ . قوله : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } . أي : تتحرك ، وفي نصب " يوم " أوجه : أحدها : أنه منصوب بـ " ذرني " ، وفيه بعد . والثاني : أنه منصوب بنزع الخافض أي : هذه العقوبة في يوم ترجف . الثالث : أنه منصوب بالاستقرار المتعلق به " لَديْنَا " . والرابع : أنه صفة لـ " عَذاباً " فيتعلق بمحذوف ، أي عذاباً واقعاً يوم ترجف . الخامس : أنه منصوب بـ " ألِيْم " . والعامة : " تَرجُف " - بفتح التاء ، وضم الجيم - مبنياً للفاعل . وزيد بن علي : مبنياً للمفعول ، من أرجفها : والرجفة : الزلزلة والزعزعة الشديدة . قوله : { وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ } ، أي : وتكون الجبال { كَثِيباً مَّهِيلاً } ، الكثيب : الرمل المجتمع . قال حسان : [ الوافر ] @ 4931 - عَرفْتُ دِيَارَ زَينَب بالكَثِيبِ كخَطِّ الوحْي في الورَقِ القَشِيبِ @@ والجمع في القلة : " أكْثِبَةٌ " ، وفي الكثرة : " كثبان " و " كُثُب " كـ " رَغيف وأرغِفَة ، ورُغْفَان ورُغُف " . قال ذو الرمة : [ الطويل ] @ 4932 - فَقلْتُ لهَا : لا إنَّ أهْلِي لَجيرةٌ لأكْثِبَةِ الدَّهْنَا جَمِيعاً ومَالِيَا @@ قال الزمخشري : من كثبت الشيء إذا جمعته ، ومنه الكثبة من اللبن ؛ قالت الضائنة : أجَزُّ جُفالاً ، وأحلبُ كُثَباً عُجَالاً . [ والمهيل : أصله " مهيول " كـ " مضروب " استثقلت الضمة على الياء ] فنقلت إلى الساكن قبلها ، وهو الهاء فالتقى ساكنان ، فاختلف النحاة في العمل في ذلك : فسيبويه ، وأتباعه حذفوا الواو ، وكانت أولى بالحذف ، لأنها زائدة ، وإن كانت القاعدة إنما تحذف لالتقاء الساكنين الأول ، ثم كسروا الهاء لتصح الياء ، ووزنه حينئذ " مفعل " . والكسائي والفراء والأخفش : حذفوا الياء ، لأن القاعدة في التقاء الساكنين : إذا احتيج إلى حذف أحدهما حذف الأول ، وكان ينبغي على قولهم أن يقال فيه : " مهول " إلا أنهم كسروا الهاء لأجل الياء التي كانت فقلبت الواو ياء ، ووزنه حينئذ " مفعول " على الأصل ، و " مفيل " بعد القلب . قال مكي : " وقَدْ أجَازوا كلهم أن يأتي على أصله في الكلام ، فتقول : مهيول ومبيوع " ، وما أشبه ذلك من ذوات الياء ، فإن كان من ذوات الواو لم يجز أن يأتي على أصله عند البصريين ، وأجازه الكوفيون ، نحو : مقوول ، ومصووغ . وأجازوا كلهم : مهول ومبوع ، على لغة من قال : بوع المتاع ، وقول القول ، ويكون الاختلاف في المحذوف منه على ما تقدم . قال شهاب الدين : " التمام في " مبيوع ، ومهيول " وبابه ، لغة تميم ، والحذف لغة سائر العرب " . ويقال : هلتُ التراب أهيله هيلاً ، فهو مهيل فيه . وفيه لغة : أهلتُه - رباعيّاً - إهالةً فهو مُهال ، نحو أبعته إباعة فهو مباع . والمهيل من هال تحته القدم أي انصب أي هلت التراب أي طرحته . وقال القرطبيُّ : والمَهِيلُ : الذي يمر تحت الأرجل ، قال الضحاك والكلبي : المهيل : الذي إذا وطئته بالقدم زل من تحتها ، فإذا أخذت أسفله انهال . وقال ابن عباس : " مهيلاً " أي : رملاً سائلاً متناثراً . قال القرطبيُّ : وأصله مَهْيُول ، وهو " مفعُول " من قولك : هلت التراب عليه أهيلة إهالة وهيلاً ، إذا صببته . يقال : مَهِيل ومَهْيُول ، ومَكِيل ومكيول ، ومَدِين ومديُون ومَعِين ومَعْيُون . قال الشاعر : [ الكامل ] @ 4933 - قَدْ كَانَ قَومُكَ يَحسبُونكَ سيِّداً وإخَالُ أنَّكَ سيِّدٌ مَعيُونُ @@ وقال - عليه الصلاة والسلام - حين شكوا إليه الجدوبة : " " أتكِيْلُون أمْ تَهِيْلُون " ؟ قالوا : نهيل . قال : " كِيلُوا طَعامَكُم يُبارِكْ لَكُمُ الله فِيْهِ " " .