Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 36-40)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ } ، أي : أيظن ابن آدم " أن يترك سُدى " أي : أن يخلى مهملاً ، فلا يؤمر ولا ينهى . قاله ابن زيد ومجاهد . وقيل : أن يترك في قبره أبداً كذلك لا يبعث ، و " سدى " حال من فاعل " يترك " ومعناه : مهملاً ، يقال : إبل سدى ، أي : مهملة . وقال الشاعر : [ المتقارب ] @ 5016 - وأقْسِمُ باللَّهِ جَهْدَ اليَمِيـ ـنِ ما خلقَ اللَّهُ شَيْئاً سُدَى @@ أي : مهملاً ، وأسديت حاجتي ، أو ضيعتها ، ومعنى أسدى إليه معروفاً ، أي : جعله بمنزلة الضائع عند المسدى إليه لا يذكره ولا يمن به عليه . قوله : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةٌ } . العامة : على الياء من تحت في " يك " رجوعاً إلى الإنسان . والحسن : بتاء الخطاب ، على الالتفات إليه توبيخاً له . وقوله : { مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } . قرأ حفص : " يُمْنَى " بالياء من تحت . وفيه وجهان : أحدهما : أن الضمير عائد على المني - أي يصب - فتكون الجملة في محل جر . والثاني : أنه يعود للنطفة ، لأن تأنيثها مجازيّ ؛ ولأنها في معنى الماء . قاله أبو البقاء . وهذا إنما يتمشى على قول ابن كيسان . وأما النحاة فيجعلونه ضرورة ؛ كقوله : [ المتقارب ] @ 5017 - … ولا أرْضَ أبْقلَ إبْقَالهَا @@ وقرأ الباقون : " تُمْنَى " بالتاء من فوق على أن الضمير للنطفة ، فعلى هذه القراءة وعلى الوجه المذكور قبلها تكون الجملة في محل نصب ؛ لأنها صفة المنصوب . فصل في معنى الآية والمعنى من قطرة ما تمنى في الرحم ، أي تراق فيه ، ولذلك سميت " منى " لإراقة الدماء ، والنُّطفة : الماء القليل ، ويقال : نطف الماء ، أي : قطر ، أي ألم يك ماء قليلاً في صلب الرجل وترائب المرأة ، فنبه تعالى بهذا على خسة قدره . ثم قال تعالى : { فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } أي : فسواه تسوية ، وعدله تعديلاً بجعل الروح فيه . وقيل : فخلق فقد فسوى فعدل . وقيل : " فخلق " أي : نفخ فيه " فسوى " فكمل أعضاءه . قاله ابن عباس ومقاتل . { فَجَعَلَ مِنْهُ } أي : من الإنسان . وقيل : من المني " الزوجين ، الذكر والأنثى " أي : الرجل والمرأة . فقوله تعالى { ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } يجوز أن يكونا بدلين من الزوجين على لغة من يرى إجراء المثنى إجراء المقصور ، وقد تقدم تحقيقه في " طه " ومن ينسب إليه هذه اللغة والاستشهاد على ذلك [ طه : 63 ] . فصل فيمن احتج بالآية على إسقاط الخنثى قال القرطبي : وقد احتج بهذه الآية من رأى إسقاط الخنثى وقد مضى في سورة " الشورى " أن هذه الآية وقرينتها إنما خرجت مخرج الغالب . فإن قيل : ما فائدة قوله : " يمنى " في قوله تعالى { من منيّ يمنى } ؟ فالجواب فيه إشارة إلى حقارة حاله ، كأنه قيل : إنه مخلوق من المني الذي يجري مجرى النَّجاسة ، فلا يليق بمثل هذا أن يتمرد عن طاعة الله - تعالى - إلا أنه عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز ، كما في قوله تعالى في " عيسى ومريم " - عليهما الصلاة والسلام - { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } [ المائدة : 75 ] والمراد منه قضاء الحاجةِ . قوله تعالى : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بَقَادِرٍ } أي : أليس الذي قدر على خلق هذه النسمة من قطرة ماء . وقوله : " بقَادرٍ " اسم فاعل مجرور بـ " باء " زائدة في خبر " ليس " وهذه قراءة العامة . وقرأ زيد بن علي : " يقدر " فعلاً مضارعاً . والعامة : على نصب " يحيى " بـ " أن " لأن الفتحة خفيفة على حرف العلة . وقرأ طلحة بن سليمان والفياض بن غزوان : بسكونها ، فإما أن يكون خفف حرف العلة بحذف حرف الإعراب . وإما أن يكون أجرى الوصل مجرى الوقف ، وجمهور النَّاس على وجوب فك الإدغام . قال أبو البقاء : لئلا يجمع بين ساكنين لفظاً وتقديراً . يعني أن الحاء ساكنة ، فلو أدغمنا لسكنا الياء الأولى أيضاً للإدغام ، فيلتقي ساكنان لفظاً ، وهو متعذر النطق ، فهذان ساكنان لفظاً . وأما قوله : تقديراً ؛ فإن بعض الناس جوز الإدغام في ذلك ، وقراءته أن يُحْيِّ ، وذلك أنه لما أراد الإدغام نقل حركة الياء الأولى إلى الحاء فأدغمها فالتقى ساكنان ، الحاء لأنها ساكنة في الأصل قبل النقل إليها والياء ؛ لأن حركتها نقلت من عليها إلى الحاء ؛ واستشهد الفراء لهذه القراءة بقول الشاعر : [ الكامل ] @ 5018 - تَمْشِي بِسُدَّة بَيْتهَا فَتُعيّ @@ وأما أهل " البصرة " فلا يدغمونه ألبتة قالوا : لأن حركة الياء عارضة إذ هي للإعراب . وقال مكي : وقد أجمعوا على عدم الإدغام في حال الرفع ، وأما في حال النصب فقد أجازه الفرَّاء لأجل تحرك الياء الثانية ، وهو لا يجوز عند البصريين ، لأن الحركة عارضة . قال شهاب الدين : ادعاؤه الإجماع مردود بالبيت الذي تقدم إنشاده عن الفراء ، وهو قوله : " فتعيّ " فهذا مرفوع وقد أدغم ، ولا يبعد ذلك لأنه لما أدغم ظهرت تلك الحركة لسكون ما قبل الياء بالإدغام " . فصل في معنى الآية المعنى الذي قدر على خلق هذه النسمة من قطرة ماء قادر على أن يحيي الموتى أي : أن يعيد هذه الأجسام كهيئتها للبعث بعد البِلَى . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنَّه كَانَ إذَا قَرأهَا ، قال : " سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ وبَلَى " " . وقال ابن عباس : من قرأ { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } إماماً كان أو غيره فليقل : " سُبْحَانَ ربِّيّ الأعْلَى " ومن قرأ : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [ القيامة : 1 ] إلى آخرها فليقل : سبحانك اللهم بلى ، إماماً كان أو غير . روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنَ قَرَأ سُورةَ القِيامةِ شَهِدتُ أنَا وجِبْريلُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أنه كَانَ مُؤمِناً بِيوم القِيامَةِ وجَاءَ وَوجْههُ يُسْفِرُ عَن وُجُوهِ الخَلائقِ يَوْمَ القِيامَةِ " والله أعلم وأحكم .