Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 23-26)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا } . يجوز أن يكون توكيداً لاسم " إن " وأن يكون فصلاً و " نَزَّلْنَا " على هذين الوجهين هو خبر " إن " ، ويجوز أن يكون " نحن " مبتدأ ، و " نَزَّلْنَا " خبره والجملة خبر " إنَّ " . وقال مكي : " نَحْنُ " في موضع نصب على الصِّفة لاسم " إن " لأن الضمير يوصف بالمضمر ؛ إذ هو بمعنى التأكيد لا بمعنى الغلبةِ ، ولا يوصف بالمظهر ؛ لأنه بمعنى التَّحلية والمضمر مستغن عن التحلية ، لأنه لم يضمرْ إلا بعد أن عرف تحليته وعينه ، وهو محتاج إلى التأكيد لتأكيد الخبر عنه . قال شهاب الدين : وهذه عبارة غريبة جدًّا ، كيف يجعل المضمر موصوفاً بمثله ، ولا نعلم خلافاً في عدم جواز وصف المضمر إلا ما نقل عن الكسائي أنه جوّز وصف ضمير الغائب بضمير آخر ، فلا خرف في عدم جوازه ، ثم كلامه يؤول إلى التأكيد فلا حاجة إلى العدول عنه . فصل في مناسبة اتصال الآية بما قبلها وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما ذكر الوعد والوعيد بين أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجةً إليه ، فليس بسحرٍ ولا كهانةٍ ولا شعرٍ وأنه حقٌّ . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - أنزل القرآن متفرقاً آية بعد آية ، ولم ينزل جملة واحدة فلذلك قال : " نَزَّلْنَا " . قال ابن الخطيب : المقصود من هذه الآية تثبيت الرسول وشرح صدره فيما نسبوه إليه من كهانة وسحر ، فذكر تعالى أن ذلك وحي من الله تعالى ولا جرم بالغ في تكرار الضمير بعد إيقاعه تأكيداً على تأكيد فكأنه تعالى يقول : إن كان هؤلاء الكفار يقولون : إن ذلك كهانة فأنا الله الملك الحق ، أقول على سبيل التأكيد : إن ذلك وحيٌ حقٌّ وتنزيلُ صدقٍ من عندي ، وفي ذلك فائدتان : إحداهما : إزالة الوحشة الحاصلة بسبب طعن الكفار ؛ لأن الله - تعالى - عظّمهُ وصدقه . والثانية : تقويته على تحمُّل مشاق التكليف ، فكأنه - تعالى - يقول : إني ما نزلت عليك القرآن متفرقاً إلا لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين ، وقد اقتضت تلك الحكمة تأخير الإذن في القتال . { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي : لقضاء ربك . وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : اصبر على أذى المشركين ، ثم نسخ بآية القتال . وقيل : اصبرْ لما حكم به عليك من الطَّاعات ، أو انتظر حكم الله إذ وعدك بالنصر عليهم ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة ، { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً } أي : ذا إثمٍ { أَوْ كَفُوراً } أي : لا تطع الكفار . روى معمر عن قتادة ، قال : قال أبو جهل : إن رأيتُ محمداً لأطأنَّ على عنقه ، فأنزل الله تعالى : { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } . وقيل : نزلت في عتبة بن أبي ربيعة والوليد بن المغيرة ، وكانا أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضان عليه الأموال والتزويج على أن يترك ذكر النبوة ففيهما نزلت ، وعرض عليه عتبة ابنته وكانت من أجمل النساء ، وعرض عليه الوليد أن يعطيه من الأموال حتى يرضى ، ويترك ما هو عليه ، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات من أول " حم " السجدة ، إلى قوله : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [ فصلت : 1 - 13 ] ، فانصرنا عنه وقال أحدهما : ظننت أنَّ الكعبة ستقع عليَّ . قوله : { أَوْ كَفُوراً } . في " أوْ " هذه أوجه : أحدها : أنها على بابها ، وهو قول سيبويه . قال أبو البقاء : وتفيد في النهي عن الجميع ، لأنك إذا قلت في الإباحة : جالس الحسن أو ابن سيرين كان التقدير : جالس أحدهما ، فأيهما كلمه كان أحدهما فيكون ممنوعاً منه ، فكذلك في الآية ، ويؤول المعنى إلى تقدير : ولا تطع منهما آثماً ولا كفوراً . قال الزمخشري رحمه الله : فإن قلت : معنى " أو " ولا تطع أحدهما ، فهلا جيء بالواو لتكون نهياً عن طاعتهما جميعاً ؟ . قلت : لو قال : لا تطعهما لجاز أن يطيع أحدهما ، وإذا قيل : لا تطع أحدهما علم أن الناهي عن طاعة أحدهما هو عن طاعتهما جميعاً أنهى ، كما إذا نهي أن يقول لأبويه : " أفٍّ " علم أنه منهي عن ضربهما على طريق الأولى . الثاني : أنها بمعنى " لا " أي : لا تطع من أثم ولا من كفر . قال مكي : " وهو قول الفراء ، وهو بمعنى الإباحة التي ذكرنا " . الثالث : أنها بمعنى الواو ، وقد تقدم أن ذلك قول الكوفيين . والكفور وإن كان يستلزم الإثم إلا أنه عطف لأحد أمرين : إما أن يكونا شخصين بعينهما كما تقدم فالآثم عتبة ، والكفور الوليد . وإما لما قاله الزمخشري : " فإن قلت : كانوا كلهم كفرةً ، فما معنى القسمة في قوله " آثماً او كفوراً " ؟ . قلت : معنا لا تطع منهم راكباً لما هو إثم داعياً إليه أو فاعلاً لما هو كفر داعياً لك إليه ، لأنهم إمَّا أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل هو إثم أو كفر ، أو غير إثم ولا كفر ، فنهي أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث " . فصل قال ابن الخطيب : قوله تعالى : { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } يدخل فيه ألاَّ تطع فيه آثماً أو كفوراً ، فكأن ذكره بعد ذلك تكرار ؟ . والجواب أن الأول أمر بالمأمورات ، والثاني : نهي عن المنهيات ، ودلالة أحدهما على الآخر بالالتزام لا بالتصريح ، فيكون التصريح ، فيكون التصريح منه مفيداً . فإن قيل : إنه صلى الله عليه وسلم ما كان يطيع أحداً منهم ، فما فائدة هذا النهي ؟ . فالجواب : أن المقصود بيان أن الناس محتاجون إلى مواصلة التنبيه والإرشاد لأجل ما تركب فيهم من الشهوة الداعية إلى الفساد ، وأن أحداً لو استغنى عن توفيق الله - تعالى - وإرشاده لكان أحق الناس به هو الرسول المعصوم - عليه الصلاة والسلام - ومتى ظهر ذلك عرف كل مسلم أنه لا بدَّ من الرغبة إلى الله - تعالى - والتضرع إليه أن يصونه عن الشُّبهات والشَّهوات . فإن قيل : ما الفرقُ بين الآثم والكفور ؟ . فالجواب : أن الآثم هو الآتي بالمعاصي أيِّ معصيةٍ كانت ، والكفُور : هو الجاحد للنعمة ، فكل كفور آثم ، وليس كل آثم كفوراً ، لأن الإثم عام في المعاصي كلها ، قال الله تعالى : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } [ النساء : 48 ] . فسمى الشرك آثماً ، وقال تعالى : { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ } [ البقرة : 283 ] وقال تعالى : { وَذَرُواْ ظَاهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } [ الأنعام : 120 ] ، وقال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } [ البقرة : 219 ] . قد نزلت هذه الآيات على أن الإثم جميع المعاصي . قوله تعالى : { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } . أي : صلِّ لربِّك أول النَّهار وآخره ففي أوله صلاة الصُّبح والظهر والعصر ، وهو الأصيل ، { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة ، { وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } يعني التَّطوع فيه . قاله ابن حبيب . وقال ابن عباس وسفيان : كل تسبيح في القرآن فهو صلاة . وقيل : هو الذِّكْر المطلق ، سواءٌ كان في الصَّلاة أو في غيرها . وقال ابن زيد وغيره : إنَّ قوله تعالى : { وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } منسوخ بالصلوات الخمس . وقيل : هو ندب . وقيل : هو مخصوص بالنبي عليه الصلاة والسلام . وجمع الأصيل : الأصائل ، والأصل ، كقولك : سفائن وسفن ، والأصائل : جمع الجمع ، ودخلت " من " على الظرف للتبغيض ، كما دخلت على المفعول في قوله تعالى : { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } [ الأحقاف : 31 ] . قوله : { وَسَبِّحْهُ } فيه دليل على عدم صحة قول بعض أهل المعاني والبيان ، أن الجمع بين الحاء والهاء - مثلاً - يخرج الكلمَ عن فصاحتها ، وجعلوا من ذلك قوله : [ الطويل ] . @ 5050 - كريمٌ مَتَى أَمْدحْهُ والوَرَى مَعِي وإذَا ما لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدِي @@ البيت لأبي تمام ، ويمكن أن يفرق بين ما أنشدوه وبين الآية بأن التكرار في البيت هو المخرج عن الفصاحة بخلاف الآية فإنه لا تكرار فيها .