Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 41-50)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } . قال مقاتل والكلبي : المراد بالمتقين : الذين يتقون الشرك بالله تعالى ؛ لأن السورة من أولها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم وتخويفهم . قال ابن الخطيب : فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرضِ ، وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها ، وإنما يتم النظم بأن يكون الوعد للمؤمنين بسبب إيمانهم ، فأما من جعله بسبب الطاعة فلا يليق بالنظم ، وأيضاً فإن المتقي للشرك يصدق عليه أنه متَّقٍ ؛ لأن غاية هذا أنه عام مخصوص ، فتبقى حُجَّة فيما عدا محل التخصيص ، وأيضاً فأن يحمل اللفظ على المعنى الكامل أولى وأكمل أنواع التقوى تقوى الشرك ، فالحمل عليه أولى . وقال بعضهم : هذه الآية أيضاً من جملة التهديد ، فإن الكفار في الدنيا يكون الموت عليهم أسهل من أن يكون للمؤمنين دولة ، فإذا رأوا عاقبة الفريقين في الآخرة تضاعف خسرانهم وندمهم ، ولما أوعد الكفار بظل ذي ثلاث شعب ، وعد المؤمنين بظلال وعيون وفواكه . قوله : { فِي ظِلاَلٍ } . هذه قراءة العامة . والأعمش والزهري وطلحة والأعرج : " ظُلَل " جمع ظلة ، يعني في الجنة . وتقدم في " يونس " مثل لها . قوله : { كُلُواْ } . معمولاً لقول ذلك المنصوب على الحال من الضمير المستكن في الظرف ، أي كائنين في ظلال مقولاً لهم : وكذلك كلوا وتمتعوا قليلاً ، فإن كان ذلك مقولاً لهم في الدنيا فواضح ، وإن كان مقولاً في الآخرة فيكون تذكيراً بحالهم ، أي حقاً بأن يقال لهم في دنياهم كذا ؛ ومثله قوله : [ المديد ] @ 5066 - إخوتِـي لا تَبعَـدُوا أبَـداً وبَلَـى ، واللَّـهِ قَـدْ بَعِـدوا @@ أي هم أهل إن دعا لهم بذلك . قوله { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } . أي : نثيب الذين أحسنوا في تصديقهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وأعمالهم في الدنيا . فصل في الكلام على الآية اختلفوا في قوله { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } هل هو أمر أو إذن ؟ . فقال أبو هاشم : هو أمر ، وأراد الله تعالى منهم الأكل والشرب لأن سرورهم يعظم بذلك إذا علموا أن الله تعالى أراده منهم جزاء على عملهم ، فكما يريد إجلالهم وإعظامهم بذلك ، فكذلك يريد نفس الأكل والشرب منهم . وقال أبو علي : ليس بأمر وإنما يقوله على وجه الإكرام ، والأمر والنهي إنما يحصلان في زمان التكليف لا في الاخرة . فصل فيمن قال : العمل يوجب الثواب تمسّك من قال : العمل يوجب الثواب بالباء في قوله : { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ؛ لأن الباء للإلصاق ، ولمَّا جعل هذا العمل علامة لهذا الثواب كان الإتيان بذلك كالآلة والصلة إلى تحصيل ذلك الثواب ، وقوله تعالى : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } المقصود منه تذكير الكفار بما فاتهم من النعيم العظيم ليعلموا أنهم لو كانوا من المتقين المحسنين لفازوا بمثل تلك الخيرات ، فلما لم يفعلوا وقعوا فيما وقعوا فيه . قوله تعالى : { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } هذا مردود إلى ما تقدم قبل المتقين وهو وعيد وتهديد ، وهو حال من المكذبين ، أي : الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم : { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } أي كافرون . وقيل : مكتسبون فعلاً يضركم في الآخرة من الشرك ، فكأنه - تعالى - يقول للكافر : إنك في الدنيا عرضت نفسك لهذه الآفات التي وصفناها لمحبتك الدنيا ، ورغبتك في طيباتها ، إلا أن طيباتها قليلةٌ بالنسبة إلى تلك الآفات العظيمة ، فالمشتغل بتعظيمها يجري مجرى لُقْمةٍ واحدة من الحلوى ، وفيها السم المهلك ، فإنه يقال لآكلها تذكيراً له ونصحاً : كُلْ هذا ، وويلٌ لك منه بعدُ ؛ فإنك من الهالكين بسببه ، فهذا وإن كان في اللفظ أمر إلا أنه في المعنى نهيٌ بليغ وزجر عظيم . قوله تعالى : { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } نزلت في ثقيف ، حين امتنعوا من الصلاة فنزلت فيهم . قال مقاتل : قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أسْلِمُوا وأمرهم بالصلاة ، فقالوا : لا نَنْحَنِي ، فإنها مَسبَّة علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا خَيْرَ فِي دِينٍ ليس فيهِ رُكوعٌ ولا سجُودٌ " . وقال ابن عباس : إنما يقال لهم هذا في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون . وقال قتادة : هذا في الدنيا . فصل في وجوب الركوع قال ابن العربي : هذه الآية تدلّ على وجوب الركوع ، وكونه ركناً في الصلاة ، وقد انعقد الإجماع عليه . وقال قوم : إن هذا يكون في الآخرة ، وليست بدار تكليف فيتوجه فيها أمر يكون عليه ويل وعقاب ، وإنما يدعون إلى السجود كشفاً لحال الناس في الدنيا ، فمن كان يسجد لله تمكن من السجود ، ومن كان يسجد رياء لغيره صار ظهره طبقاً واحداً . وقيل : إذا قيل لهم : اخضعوا للحق لا يخضعون ، فهي عامّة في الصلاة وغيرها ، وإنما ذكره الصلاة لأنها أصل الشرائع بعد التوحيد ، والأمر بالصلاة أمر الإيمان لا يصح من غير إيمان . فصل في المراد بالآية حكى ابن الخطيب عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن المراد بقوله : { وإذا قيلَ لهم اركعُوا لا يَرْكعُونَ } هو الصلوات ، قال : وهذا ظاهر ، لأن الركوع من أركانها فبين أن هؤلاء الكفار من صفتهم أنهم إذا دعوا إلى الصلاة لا يصلون ، وهذا يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، وأنهم حال كفرهم يستحقُّون الذم والعقاب بترك الصلاة ، لأن الله - تعالى - ذمهم حال كفرهم على ترك الصلاة . فصل في أن الأمر للوجوب استدلوا بهذه الآية على أن الأمر للوجوب ، لأن الله - تعالى - ذمهم بمحمود ترك المأمور به ، وهذا يدل على أن مجرد الأمر للوجوب . فإن قيل : إنما ذمهم لكفرهم . فالجواب : أنه - تعالى - ذمهم على كفرهم من وجوه ، إلا أنه - تعالى - إنما ذمهم في هذه الآية لترك المأمور به ؛ فدل على أن ترك المأمور به غير جائز . قوله : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ } . متعلق بقوله : { يُؤْمِنُونَ } . والعامة : على الغيبة ، وقرأ ابن عامر في رواية ويعقوب : بالخطاب على الالتفات ، أو على الانفصال . فصل في الكلام على الآية قال ابن الخطيب : اعلم أنه تعالى لما بالغ في زجر الكفار من أول هذه السورة إلى آخرها في الوجوه العشرة المذكورة ، وحثَّ على التمسُّك بالنظر والاستدلال ، والانقياد للدين الحق ، ختم السورة بالتعجُّب من الكفار ، وبين أنهم إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل العقلية بعد تجليتها ووضوحها ، { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } . قال القاضي : هذه الآية تدلّ على أن القرآن محدث ؛ لأن الله - تعالى - وصفه بأنه حديث ، والحديث ضد القديم ، والضدان لا يجتمعان ، فإذا كان حديثاً وجب ألاَّ يكون قديماً . وأجيب : بأن المراد منه هذه الألفاظ ، ولا نزاع في أنها محدثة . روى الثعلبي عن أبيِّ بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورةَ " المُرْسَلاتِ " كُتِبَ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ المُشْرِكينَ " .