Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } قد تقدم أن البزي يدخل هاء السكت عوضاً من ألف " ما " الاستفهامية في الوقف . ونقل عن ابن كثير أنه يقرأ " عمه " - بالهاء - وصلاً ، أجرى الوصل مجرى الوقف . وقرأ عبد الله ، وأبي ، وعكرمة وعيسى : " عمّا " بإثبات الألف ، وقد تقدم أنه يجوز ضرورة وفي قليل من الكلام ؛ ومنه قوله : [ الوافر ] @ 5067 - عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمنِي لَئيمٌ كَخِنْزيرٍ تَمرَّغَ في رَمَادِ @@ وتقدم أن الزمخشري جعل منه { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } [ يس : 27 ] في " يس " ، و " عم " فيه قولان : أظهرهما : أنه متعلق بـ " يَتَساءَلون " . قال أبو إسحاق : الكلام تام في قوله : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } ، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب ، فيقول : يتساءلون عن النبأ العظيم فاقتضى إيجاز القرآن ، وبلاغته أن يبادر المحتجّ بالجواب الذي يقتضيه الحال والمجاورة اقتضاءً بالحجة ، وإسراعاً إلى موضع قطعهم . والثاني : أنه متعلق بفعل مقدر ، ويتعلق " عن النبأ العظيم " بهذا الفعل الظاهر . قال الزمخشري : " وعن ابن كثير : أنه قرأ " عمّه " بهاء السكت ، ولا يخلو إما أن يجري الوصل مجرى الوقف ، وإما أن يقف ، ويبتدئ بـ " يتساءلون عن النبأ العظيم " على أن يضمر " يتساءلون " ؛ لأن ما بعده يفسره كشيء مبهم ثم يفسر " . فصل في لفظ عم قال ابن الخطيب : " عم " أصله : " عن ما " ؛ لأنه حرف جر دخل على " ما " الاستفهامية . قال حسان بن ثابت : [ الوافر ] @ 5068 - عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ … … … . @@ والاستعمال الكثير على الحذف ، وعلى الأصل قليل ، وذكروا في سبب الحذف وجوهاً : أحدها : قال الزجاج : لأن الميم تشرك النون في الغُنَّة في الأنف فصارا كالحرفين المتماثلين . وثانيها : قال الجرجاني : أنهم إذا وضعوها في استفهام حذفوا ألفها تفرقةً بينها وبين أن يكون اسماً ، كقولهم : فيمَ ولِمَ وبِمَ وحتام . وثالثها : قالوا : حذفت الألف لاتصال " ما " بحرف الجر حتى صارت كالجزء منه لينبئ عن شدة الاتصال . ورابعها : حذف للتخفيف في الكلام ، فإنه لفظ كثير التَّرداد على اللسان . فصل في أن السائل والمجيب هو الله تعالى قال ابن الخطيب : قوله تعالى { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } سؤال ، وقوله : " عن النبأ العظيم " جواب ، والسائل والمجيب هو الله تعالى ، وذلك يدلّ على علمه بالغيب ، بل بجميع المعلومات ، وفائدة ذكره في معرض السؤال والجواب ؛ لأنه أقرب إلى التفهيم والإيضاح ، ونظيره قوله تعالى : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . فصل في لفظ ما " ما " لفظة وضعتْ لطلب ماهيَّات الأشياء ، وحقائقها ، تقول : ما الملك ؟ وما الروح ؟ وما الجن ؟ والمراد طلب ماهياتها ، وشرح حقائقها ، وذلك يقتضي كون ذلك المطلوب مجهولاً ، ثم إنَّ الشيء العظيم الذي يكون لفظه مزيَّة يعجز العقل عن أن يحيط بكنهه كأنه مجهول ، فحصل بين الشيء المطلوب ، وبين الشيء العظيم مشابهة من هذا الوجه ، فلذلك سُئل عنه بما استعاره ، وكأنه مجهول ، ومنه { ٱلْحَاقَّةُ مَا ٱلْحَآقَّةُ } [ الحاقة : 1 ، 2 ] { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } [ المطففين : 8 ] ، و { مَا ٱلْعَقَبَةُ } [ البلد : 12 ] وشبهه . فصل قال الفراء : السؤال هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل ، وقد يستعمل أيضاً في أن يتحدثوا به ، وإن لم يكن بينهم سؤال ، قال تعالى : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } [ الصافات : 50 ، 51 ] الآية ، وهذا يدل على التحدث . فصل في نزول الآية والضمير في { يَتَسَآءَلُونَ } لـ " قريش " . روى أبو صالح عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : كانت قريش تجلس لمَّا نزل القرآن ، فتتحدث فيما بينهم ، فمنهم المصدقُ ، ومنهم المكذبُ به ، فنزلت { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } . وقيل : " عم " قسم ، فشدد المشركون أين يختصمون ، بدليل قوله تعالى : { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [ النبأ : 4 ، 5 ] وهذا تهديد ، والتهديد لا يليق إلا بالكفار . فإن قيل : فما تصنع بقوله : { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } مع أنَّ الكفَّار كانوا متفقين في إنكار الحشر ؟ فالجواب : لا نسلم اتفاقهم في إنكار الحشر ؛ لأن منهم من كان يثبت المعاد الروحاني ، وهم جمهور النصارى ، وأما المعاد الجسماني ، فمنهم من كان شاكَّا فيه لقوله : { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً } [ فصلت : 50 ] { وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] . ومنهم من ينكرهُ ، ويقول : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ الأنعام : 29 ] . ومنهم من يُقرُّ بهِ لكنه ينكر نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم فقد حصل اختلافهم . وأيضاً فهبْ أنَّهم كانوا منكرين له ، لكن لعل اختلافهم في كيفية إنكاره ، فمنهم من أنكر ؛ لإنكاره الصانع المختار ، ومنهم من ينكره ؛ لاعتقاده أنَّ إعادة المعدوم ممتنعة لذاتها ، والقادر المختار إنما يكون قادراً على الممكن في نفسه . وقيل : الضمير في " يتَساءَلُونَ " هم الكفَّار والمؤمنون كانوا جميعاً يتساءلون عنه ، فأما المسلمُ فيزداد يقيناً وبصيرةً في دينه ، وأمَّا الكافر فاستهزاءٌ وسخريةً ، وعلى سبيل إيراد الشكوك ، والشُّبهاتِ . قال ابن الخطيب : ويحتملُ أنهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون : ما هذا الذي تعدنا به من أمر الآخرة ؟ قوله : { عَنِ ٱلنَّبَإِ } يجوز فيه ما جاء في قوله تعالى : { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } [ المرسلات : 12 ] في البدليَّة ، والتعلُّق بفعلٍ مقدرٍ ، ويزيد عليه ها هنا أنَّه يتعلق بالفعل الظاهر ، ويتعلق ما قبله بمضمرٍ كما تقدم عن الزمخشري . وقال ابن عطية : قال أكثر النحاة : " عن النَّبأ العظيم " يتعلق بـ " يَتَسَاءَلُونَ " الظاهر كأنه قال : لم يتساءلون عن النبأ ، وقوله " عَمَّ " هو استفهام توبيخ وتعظيم . وقال المهدوي : " هن " ليس تتعلق بـ " يَتَسَاءَلُونَ " الذي في التلاوة ؛ لأنه كان يلزمُ دخول حرف الاستفهام ، فيكون " أعن النبأ العظيم " ؟ كقولك : كم مالك أثلاثون أم أربعون ؟ فوجب لما ذكرنا امتناع تعلقه بـ " يتساءلون " الذي في التلاوة ، وإنما يتعلق بـ " يتساءلون " آخر مضمر ، وحسُن ذلك لتقدم " يَتَسَاءَلُونَ " . قال القرطبي : " وذكر بعضهم أن الاستفهام في قوله : " عن " مكرر إلا أنَّه مضمر كأنه قال : " عمَّ يَتَساءَلُون أعنِ النَّبَأ العَظيمِ " ، فعلى هذا يكون متصلاً بالآية الأولى ، والنبأ العظيم ، أي : الخبر الكبير ، " الذي هم فيه مختلفون " أي : يخالف فيه بعضهم بعضاً فيصدقُ واحدٌ ويكذبُ آخر " . قوله : { مُخْتَلِفُونَ } خبر " هم " والجار متعلق بـ " هم " ، والموصول يحتمل الحركات الثلاث إتباعاً وقطعاً رفعاً ونصباً . فصل في المراد بهذا النبأ قال ابن عباس - رضي الله عنه - " النَّبَأُ " هو القرآن ، قال تعالى : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } فالقرآن نبأ وخبر وقصص ، وهو نبأ عظيم ، وكانوا يختلفون فيه ، فجعله بعضهم سحراً ، وبعضهم شعراً ، وبعضهم قال : أساطيرُ الأولين . وقال قتادة : هو البعث بعد الموت اختلفوا فمصدِّق ومكذِّب ، ويدل عليه قوله تعالى : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } [ النبأ : 17 ] . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه أَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه لما بعث سأله اليهود عن أشياء كثيرة ، فأخبره الله باختلافهم ، وأيضاً فجعل الكفار يتساءلون فيما بينهم ، ما هذا الذي حدث ؟ فأنزل الله - تعالى - " عَمَّ يتسَاءَلُون " وذلك أنَّهُم عجبُوا من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } [ ق : 2 ] ، وعجبوا أن جاءهم بالتوحيد أيضاً كما قال تعالى : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : 5 ] ، فحكى الله - تعالى - عن مسألة بعضهم بعضاً على سبيل التعجب بقوله : " عم يتساءلون " .