Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 38-40)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ } . منصوب على الظرف ، إمَّا بـ " لا يَتكلَّمُونَ " بعده ، وإمَّا بـ " لا يَمْلِكُونَ " و " صفًّاً " حال : أي : مُصطفِّيْنَ ، و " لاَ يَتَكلَّمُونَ " إمَّا حال أو مستأنف . فصل في المراد بالروح احتلفوا في الروح . فقال ابن عباس : هو ملك ما خلق الله بعد العرش أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفًّا ، وقام الملائكة كلهم صفًّا ، ونحوه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : الرُّوح ملك أعظم من السموات السبع والأرضين السبع والجبال . وقيل : جبريل - عليه الصلاة والسلام - قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير . وروى عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الرُّوحُ في هَذِهِ الآيةِ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللهِ لَيْسُوا مَلائِكةً لَهُمْ رُءوسٌ وأيْدٍ وأرْجُلٌ يَأكُلونَ الطَّعام ، ثُمَّ قَرَأَ : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً } " ، وهذا قول أبي صالح ، ومجاهد ، وعلي - رضي الله عنهم - وعلى هذا هو خلقٌ على صورة بني آدم كالناس ، وليسوا بناس ، وما ينزل من السماء ملك إلاَّ ومعه واحد منهم ، نقله البغوي . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - " هُمْ أرْواحُ النَّاسِ " . وقال مقاتل بن حيان : هُمْ أشراف الملائكة . وقال ابن أبي نجيحٍ : هم حفظة على الملائكة . وقال الحسن وقتادة : هم بنو آدم ، والمعنى : ذو الروح . وقال العوفي ، والقرظي : هذا ممَّا كان يكتمه ابن عباس . وقيل : أرواح بني آدم تقومُ صفًّا ، فتقومُ الملائكةُ صفًّا ، وذلك بين النَّفختين قبل أن تردُّ إلى الأجسادِ . قاله عطية . وقال زيد بن أسلم : هو القرآن . وقرأ : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] ، و { صَفّاً } مصدر ؛ أي : يقومون صفوفاً ، والمصدر يغني عن الواحد والجمع كالعدل ، والصوم ، ويقال ليوم العيد : يوم الصف . وقال في موضع آخر سبحانه : { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] ، وهذا يدل على الصفوف ، وهذا حين العرض والحساب ، قيل : هما صفان . وقيل : يقوم الكلُّ صفًّا واحداً ، " لا يتَكلَّمُونَ " أي : لا يشفعون . قوله : { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ } يجوز أن يكون بدلاً من " واو " يتكلَّمون ، وهو الأرجح ، لكونه غير موجب ، وأن يكون منصوباً على أصل الاستثناء . والمعنى : لا يشفعون إلاَّ من أذن لهُ الرحمن في الشفاعة . وقيل : لا يتكلمون إلا في حقِّ من أذنَ له الرحمنُ ، وقال صواباً . والمعنى : لا يشفعون إلاَّ في حقِّ شخصٍ أذن الرحمن في شفاعته ، وذاك الشخص كان ممن قال صواباً ، والمعنى قال صواباً ، يعنى : " حقًّا " . قاله الضحاك ومجاهد . وروى الضحاكُ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لا يشفعون إلاَّ لمن قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وأصل الصَّواب : السداد من القول والفعل ، وهو من أصاب يصيب إصابة ، كالجواب من أجاب يجيبُ . وقيل : " لا يتكلَّمون " يعني : الملائكة ، والروح الذين كانوا صفًّا لا يتكلمون هيبة وإجلالاً إلا من أذن له الرب تعالى في الشفاعة ، وهم الذين قالوا صواباً ، وأنهم يوحدون الله - تعالى - ويسبِّحونه . قوله تعالى : { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ } . " ذلك " إشارة إلى ما تقدَّم ذكره { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } ، أي : موجباً بالعمل الصالح . وقال قتادة : " مآباً " سبيلاً . ثم إنه - تعالى - زاد في تخويف الكفَّار فقال تعالى : { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } يعني العذاب في الآخرة ، وسماه قريباً ؛ لأن كل ما هو آت قريب . كقوله تعالى : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات : 46 ] . وقال قتادة : عقوبة الدنيا ؛ لأنه أقرب العذابين . وقال مقاتل : هي قتل قريش بـ " بدر " ، وهذا خطاب لكفَّار قريش ، ولمشركي العرب ؛ لأنهم قالوا : لا نُبْعَثُ ، وإنَّما سمَّاهُ إنذاراً ؛ لأنَّه - تعالى - قد خوَّف بهذا الوصف نهاية التخويف ، وهو معنى الإنذار . قوله : { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ } . يجوز أن يكون بدلاً من " يوم " قبله ، وأن يكون منصوباً بـ " عذاباً " أي : العذاب واقع في ذلك اليوم . وجوّز أبو البقاء ان يكون نعتاً لـ " قريباً " ولو جعله نعتاً لـ " عَذاباً " كان أولى . والعامَّة : بفتح ميم " المرء " وهي الغالبة ، وابن أبي إسحاق : بضمها ، وهي لغة يتبعُون اللام الفاء . وخطَّأ أبو حاتم هذه القراءة ، وليس بصواب لثبوتها لغة . فصل في المراد بـ " المرء " أراد بالمرء : المؤمن في قول الحسن ، أي : ليجد لنفسه عملاً ، فأمَّا الكافر فلا يجد لنفسه عملاً ، فيتمنى أن يكون تراباً ، قال : { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ } فعلم أنه أراد بالمرء المؤمن ، وقيل : المراد هنا أبيُّ بنُ خلفٍ ، وعُقبَةُ بنُ أبِي معيط ، ويَقول الكافِرُ : أبو جهل . وقيل : هو عام في كل أحد يرى في ذلك اليوم جزاء ما كسبَتْ . قوله : { مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } . يجوز في " ما " أن تكون استفهامية معلقة لـ " يَنْظُر " على أنَّه من النظر ، فتكون الجملة في موضع نصب على إسقاط الخافض ، وأن تكون موصولة مفعولة بها ، والنَّظر بمعنى الانتظارِ ، أي : ينتظر الذي قدمت يداه . قوله تعالى : { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } . العامة : لا يدغمون تاء " كنت تراباً " قالوا : لأنَّ الفاعل لا يحذف ، والإدغامُ يشبه الحذف ، وفي قوله تعالى : { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ } وضع الظاهر موضع المضمر شهادة عليه بذلك . فصل في نزول هذه الآية قال مقاتل : نزل قوله تعالى : { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } في أبِي سلمةَ بْنِ عَبْدِ الأسدِ المخزوميِّ . ويقول الكافر : " يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً " في أخيه بْنِ عبدِ الأسدِ . وقال الثعلبي : سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : الكافر هنا إبليس - لعنة الله عليه - وذلك بأنه عاب آدم - عليه الصلاة والسلام - بأنه خلقَ من تُرابٍ ، وافتخر بأنه خلقَ من نار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه من آدم وبنوه من الثواب والراحة ، ورأى ما هو فيه من الشدة والعذاب ، تمنى أنه كان بمكان آدم ، فيقول : يا ليتني كنت تراباً ، قال : ورأيته في بعض التفاسير للقشيري أبي نصر . روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " يُحْشَرُ الخَلقُ كُلُّهُمْ مِنْ دابَّةٍ ، وطَائِرٍ ، وإنْسَانٍ ، ثُمَّ يُقَالُ للبَهَائِمِ والطَّيْرِ : كُونُوا تُرَاباً ، عند ذلكَ يَقُولُ الكَافِرُ : يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً " . وقيل : معنى " يا ليتني كنت تراباً " أي : لم أبعثْ . وقال أبو الزناد : إذا قُضِيَ بين الناس ، وأمِرَ بأهْلِ الجنَّة إلى الجنَّة ، وأهْلِ النَّار إلى النار ، قيل لسائر الأمم ولو من الجن : عودوا تراباً ، فيعودون تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر حين يراهم : يا ليتني كنت تراباً . وقال ليث بن أبي سليم : مُؤمنو الجِنِّ يعُودُونَ تُرَاباً . وقال عُمرُ بْنُ عبدِ العزِيْزِ والزُّهْرِيُّ والكلبيُّ ومجاهدٌ : مؤمنو الجِنِّ حول الجنَّةِ في رَبضِ ورحابٍ وليسوا فيها ، وهذا أصح ، فإنهم مُكَلَّفُونَ : يُثَابُونَ ويُعَاقَبُونَ كبَنِي آدمَ . روى الثعلبي عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } سقاه الله تعالى بَرْدَ الشَّرابِ يَوْمَ القِيَامَةِ " .