Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 15-26)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } أي : قد جاءك وبلغك ، وهذه تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي : أنَّ فرعون كان أقوى من كفار عصرك ، ثُمَّ أخذناه , وكذلك هؤلاء . وقيل : " هَلْ " بمعنى : " ما " أي : ما أتاك ، ولكِّي أخبرك به ، فإنَّ فيه عِبْرَةً لمن يخشى . وقال ابنُ الخطيبِ : قوله : " هَلْ أتَاكَ " يحتملُ أن يكون معناه : أليْسَ قَدْ أتَاكَ حديثُ موسى ، هذا إن كان قد أتاه ذلك قبل هذا الكلام ، أمَّا إن لم يكن قد أتاه ، فقد يجوز أن يقال : " هَلْ أتَاكَ " أي : أنا أخبرك وتقدم الكلام على موسى وفرعون فإنَّ فيه عبرة لمن يخشى . قوله : { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ } منصوب بـ " حديث " لا بـ " أتاك " ؛ لاختلاف وقتيهما ، وتقدم الخلاف بين القراء في " طُوَى " في سورة [ طه : 12 ] . و " الوادي المقدس " : المُبَاركُ المُطَهَّر . قال الفراء : " طُوى " واد بين " المدينة " و " مصر " ، قال : وهو معدولٌ ، من " طاو " ، كما عدل " عُمَرُ " من " عامر " . قال الفراء : مَنْ صرفه قال : هو ذكر ، ومن لم يصرفه جعله معدولاً كـ " عمر ، وزفر " . قال : " والصَّرفُ أحبُّ إليَّ إذا لم أجد في المعدول نظيراً " أي : لم أجد له اسماً من الواو والياء عدلَ من " فاعل " إلى " فُعَل " غير طُوى . وقيل : " طوى " معناه : يا رجل ، بالعبْرَانيَّةِ ، فكأنَّه قيل : اذهب يا رجل إلى فرعون ، [ قاله ابن عباس . وقيل : الطوى : أي : ناداه بعد طويّ من الليل اذهب إلى فرعون ] ؛ لأنك تقول : جئتك بعد طويّ ، أي بعد ساعة من الليل . وقيل : معناه " بالوَادِ المُقدَّسِ طُوى " أي بُورِكَ فيهِ مرَّتيْنِ . قوله : { ٱذْهَبْ } يجوز أن يكون تفسيراً للنداء ، ناداه اذهب ، ويجوز أن يكون على إضمار القول . وقيل : هو على حذف ، أي : أن اذهب ، ويدل له قراءة عبد الله : أن اذهب . و " أن " هذه الظَّاهرة أو المقدرة ، يحتملُ أن تكون تفسيرية ، وأن تكون مصدرية ، أي : ناداه ربُّه بكذا . " اذهب إلى فرعون إنه طغى " أي تجاوز القدر في العصيان . قال ابنُ الخطيب : ولم يُبيِّنُ أنَّه طغَى في أيِّ شيءٍ . فقيل : تكبَّر على الله تعالى ، وكفر به . وقيل : تكبَّر على الخلقِ واسْتعبَدهُمْ . روي عن الحسن قال : كان فرعون علجاً من " همدان " . وقال مجاهد : كان من أهل " إصطخر " وعن الحسن - أيضاً - كان من أهل " أصبهان " ، يقال له : ذو ظفر ، طوله أربعة أشبارٍ . قوله : { هَل لَّكَ } خبر مبتدأ مضمر . و { إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } متعلِّق بذلك المبتدأ ، وهو حذفٌ سائغٌ ، والتقدير : هل لك سبيل إلى التزكية ، ومثله : هل لك في الخير ، تريد : هل لك رغبة في الخير ؛ قال : [ الطويل ] @ 5098 - فَهَلْ لَكمُ فِيهَا إليَّ فإنَّنِي بَصِيرٌ بِمَا أعْيَا النِّطاسِيَّ حِذْيَمَا @@ وقال أبو البقاء : لمَّا كان المعنى : أدعوك ، جاء بـ " إلى " . وقال غيره : يقال : هل لك في كذا ، هل لك إلى كذا كما تقول : هل ترغب فيه وهل ترغب إليه ؟ . قال الواحدي : المبتدأ محذوف في اللفظ ، مراد في المعنى ، والتقدير : هل لك إلى أن تزكَّى حاجة . وقرأ نافع وابن كثير : بتشديد الزاي من " تزكَّى " والأصل تتزكى ، وكذلك " تَصدَّى " في السورة تحتها ، فالحرميان : أدغما ، والباقون : حذفوا ، نحو تنزل ، وتقدَّم الخلاف في أيتهما المحذوفة . فصل في تفسير الآية معنى " هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزكَّى " أي : تُسْلِم فتطهرُ من الذُّنُوبِ . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - هل لك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله . و " أهْديكَ إلى ربِّك فتَخْشَى " أي : تخافُه وتتقيه . قال ابن الخطيب : سائر الآيات تدل على أنه - تعالى - لمَّا نادى موسى - عليه الصلاة والسلام - ذكر له أشياء كثيرة ، كقوله تعالى في سورة " طه " : { نُودِيَ يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ } [ طه : 11 ، 12 ] إلى قوله : { لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } [ طه : 23 ، 24 ] . فدلَّ [ قوله تعالى - هاهنا - : " اذْهَبْ إلى فِرعَوْنَ إنَّه طَغَى " ] أنه من جملة ما ناداه به [ لا كل ما ناداه به ] ، وأيضاً فليس الغرض أنَّه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثاً إلى فرعون فقط بل إلى كل من كان في الطور ، إلاَّ أنَّه خصَّه دعوته جاريةٌ مجرى دعوةِ كُلِّ القَوْمِ . فصل في كلام المعتزلة تمسَّك المعتزلة بهذه الآية في إبطال القول بأن الله - تعالى - يخلق فعل العبد ، فإن هذا استفهام على سبيل التقرير ، أي : لك سبيل إلى أن تزكَّى ، ولو كان ذلك بفعل الله - تعالى - لا نقلب الكلام حجةً على موسى . والجواب : ما تقدَّم في نظائره . حكى القرطبيُّ عن صخرِ بنِ جويرية قال : " لمَّا بعث الله تعالى موسى - عليه الصلاة والسلام - إلى فرعون ، قال له : " اذْهَبْ إلى فِرْعَونَ " إلى قوله : " وأهْديكَ إلى ربِّك فتَخْشَى " ، ولن يفعل ، فقال : يا رب ، وكيف أذهب إليه ، وقد علمت أنه لا يفعل ، فأوحى الله - تعالى - إليه أن امض إلى ما أمرتَ به ، فإنَّ في السماء اثني عشر ألفاً ملك ، يطلبون علم القدرة ، فلم يبلغوه ، ولم يدركوه " . قوله تعالى : { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } " الفاء " في " فأراه " : معطوف على محذوف ، يعني فذهب فأراه ، كقوله تعالى : { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ } [ البقرة : 60 ] أي : فضرب فانفجرت . واختلفوا في الآية الكبرى ، أي : العلامة العظمى ، وهي المعجزة . فقيل : هي العصا . وقيل : اليدُ البيضاءُ تبْرقُ كالشَّمْسِ ، قاله مقاتل والكلبي . والأول : قول عطاء وابن عباس ؛ لأنَّه ليس في اليد إلا انقلاب لونها ، وهذا كان حاصلاً في العصا ؛ لأنَّها لمَّا انقلبت حيّة ، فلا بد وأن يتغيَّر اللون الأول ، فإذن كل ما في اليد ، فهو حاصل في العصا ، وأمور أخر ، وهي الحياة في الجرم الجمادي ، وتزايد الأجر إليه ، وحصول القدرةِ الكبيرة والقُوَّة الشديدة ، وابتلاعها أشياء كثيرة ، وزوال الحياة ، والقدرة عليها ، وبقاء تلك الأجزاء التي عظمت ، وزوال ذلك اللون والشكل اللذين صارت العصا بهما حيَّة ، وكلُّ واحدٍ من هذه الوجوه كان معجزاً مستقلاً في نفسه ، فعلمنا أن الآية الكبرى هي العصا . وقال مجاهد : هي مجموع العصا واليد . وقيل : فلق البحر ، وقيل : جميع آياته ومعجزاته . { فَكَذَّبَ } أي : كذَّب بِنَبِيِّ الله موسى و " عصى " ربَّه تبارك وتعالى . فإن قيل : كل من كذَّب الله فقد عصى ، فما فائدة قوله : " فكذب وعصى " ؟ . فالجواب : كذَّب بالقول ، وعصى بالتمرد والتجبر . { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } أي : يعملُ بالفساد في الأرض . وقيل : يعمل في نكاية موسى . وقيل : " أدْبَرَ يَسْعَى " هارباً من الحيَّة . قال ابن الخطيب : معنى " أدْبَرَ يَسْعَى " أي : أقبل يسعى ، كما يقالُ : أقبل يفعل كذا ، يعني : إن شاء يفعل ، فموضع " أدبر " موضع " أقبل " لئلاَّ يوصف بالإقبَالِ . قوله : { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ } لم يذكر مفعولاهما ، إذ المراد : فعل ذلك ، أو يكون التقدير : فحشر قومه فناداهم . وقوله : " فَقَالَ " تفسير للنِّداء . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي : فنادى فحشر ؛ لأنَّ النداء قبل الحشر ، ومعنى " حشر " ، أي : جمع السَّحرة ، وجمع أصحابه ليَمْنَعُوهُ من الحيَّة . وقيل : جمع جنوده للقتال ، والمحاسبة ، و " السَّحَرةُ " : المعارضة . وقيل : حَشَرَ النَّاس للُضُور " فنادى " , أي : قال لهم بصوتٍ عالٍ . { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } أي : لا ربَّ فوقِي . وقيل : أمر منادياً ينادي فنادى في النَّاس بذلك . وقيل : قام فيهم خطيباً فقال ذلك . وعن ابن عباس ، ومجاهدٍ ، والسديِّ ، وسعيد بن جبير ، ومقاتلٍ : كلمته الأولى { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] والأخرى : { أنَا ربُّكمُ الأعْلَى } . قال ابنُ عباس : كان بين الكلمتين أربعون سنة ، والمعنى : أمهله في الأولى ، ثم أخذه في الآخرة فعذبه بكلمتيه . قال ابن الخطيب : واعلم أنَّا بينَّا في سورة " طه " أنه لا يجوز أن يعتقد الإنسانُ في نفسه كونه خالقاً للسماوات والأرض والجبال والنبات والحيوان ، فإنَّ العلمَ بفسادِ ذلك ضروريٌّ ، فمن تشكك فيه كان مجنوناً ، ولو كان مجنوناً لما جاز من الله بعثة الرسل إليه ، بل الرَّجل كان دهرياً منكراً للصَّانع والحشر والنشر ، وكان يقول : ليس لأحدٍ أمرٌ ولا نهيٌ إلاَّ لي " فأنَا ربُّكم " ، بمعنى مربيكم والمُحسنُ إليكم ، وليس للعالم إله حتى يكون له عليكم أمرٌ ، أو نهيٌ ، أو يبعث إليكم رسولاً . قال القاضي : وقد كان الأليق به بعد ظهور خزيه عند انقلاب العصا حية ألا يقول هذا القول ؛ لأن عند ظهور الدلالة والمعجزة ، كيف يليق أن يقول : " أنَا ربُّكم الأعْلَى " فدلت هذه الآية أنَّه في ذلك الوقت صار كالمعتوه الذي لا يدري ما يقول . قوله تعالى : { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } يجوز أن يكون مصدر الأخذِ ، والتجوز إما في الفعل ، أي : نكل بالأخذِ نكال الآخرة ، وإما في المصدر ، أي : أخذه أخذ نكالٍ ، ويجوز أن يكون مفعولاً له ، أي : لأجلِ نكالهِ ، ويضعف جعله حالاً لتعريفه ، وتأويله كتأويل جهدك وطافتك ، غير مقيس . ويجوز أن يكون مصدراً مؤكِّداً لمضمون الجملة المتقدِّمة ، أي : نكل الله [ به ] نكال الآخرة . قاله الزَّمخشريُّ ، وجعله كوعد الله ، وصبغة الله . وقال القرطبيُّ : وقيل : نُصِبَ بنَزْعِ حرف الصِّفة ، أي : فأخذه الله بنكال الآخرة ، فلمَّا نُزعَ الخافضُ نُصِبَ . والنكال : اسم لما جعل نكالاً للغير ، أي : عقوبة له حتى يعتبر ، يقال : نَكَل فلانٌ بفلانِ ، إذا ألحقهُ عُقوبة ، والكلمة من الامتناع ، ومنه النُّكُول عن اليمين ، والنكل : القيد وقد مضى في سورة " المزمل " ، والنكال : بمنزلة التنكيل ، كالسلام بمعنى التسليم . والآخرة والأولى : إمَّا الدَّاران وإمَّا الكلمتان , والاخرة قوله : " أنَا ربُّكمُ الأعْلَى " ، والأولى : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] , كما تقدم , فحذف الموصول للعلم به . فصل في تفسير الآخرة والأولى قيل : الآخرة والأولى : هما الكلمتان كما تقدَّم . وقال الحسنُ وقتادةُ : " نكال الآخرة والأولى " : هو أن أغرقهُ في الدَّنيَا وعذّبه في الآخرة . وروي عن قتادة - أيضاً - : الآخرةُ قوله : { أنَا ربُّكمُ الأعْلَى } , والأولى تكذيبه بموسى عليه الصلاة والسلام . قال الفقال : وهذا كأنَّه هو الأظهرُ ؛ لأنَّه - تعالى - قال : { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } فذكر القصتين ، ثم قال : { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } . فظهر أنَّ المراد : أنَّه عاقبه على هذين الأمرين . ثمَّ إنَّه - تعالى - ختم هذه القصة بقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } ، إنَّ فيما قصصنا عليك اعتباراً وعظةً لمن يخاف .