Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 6-14)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ ، وهو جوابُ القسمِ : تقديرهُ : لتُبْعَثُنَّ ، لدلالةِ ما بعده عليه . قال الفرَّاءُ : ويدل عليه قوله تعالى : { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } ألسْتَ ترى أنه كالجواب لقولهم : { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } نُبعث ؟ فاكتفى بقوله : { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } ؟ . وقال الأخفشُ والزجاجُ : يَنْفُخْنَ في الصُّورِ نَفْخَتَيْنِ ، بدليل ذكر " الرَّادفة " و " الرَّاجفَةِ " ، وهما النَّفختانِ . قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف جعلت " يَوْمَ تَرْجفُ " ظرفاً للمضمر الذي هو لَتُبْعَثُنَّ ، ولا يبعثون عند النفخة الأولى ؟ . قلت : المعنى : لتبعثن في الوقت الواسع الذي تقع فيه النفختان ، وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع ، وهو وقت النفخة الأخرى , ودلَّ على ذلك أن قوله : { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } جعل حالاً عن " الرَّاجِفَة " . وقيل : العامل مقدر ، أي : اذكر يوم ترجفُ . وفي الجواب على هذا التقدير وجوهٌ : أحدها : قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً } [ النازعات : 26 ] . واستقبحه أبو بكر بن الأنباري ، لطول الفصل . الثاني : أنه قوله : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } [ النازعات : 15 ] ؛ لأن " هَلْ " بمعنى : " قَدْ " . وهذا غلطٌ ؛ لأنه كما تقدَّم في " هَلْ أتَى " أنَّها لا تكون بمعنى " قد " إلاَّ في الاستفهام على ما قال الزمخشري . الثالث : أن الجواب : " تَتْبعُهَا " وإنَّما حذفتِ " اللامُ " ، والأصل : " اليَوْمَ تَرْجفُ الرَّاجفةُ تَتْبعُهَا " ، فحذفت " اللاَّمُ " ، ولم تدخل نون التوكيد على تتبعها للفصل بين " اللام " المقدَّرة ، وبين الفعل المقسمِ عليه بالظرف ، ومثله : { لإِلَى ٱللهِ تُحْشَرُونَ } [ آل عمران : 158 ] . وقيل : في الكلام تقديم ، وتأخير ، أي : يَوْمَ تَرْجفُ الرَّاجفةُ ، تَتْبعُهَا الرَّادفةُ والنَّازعات . وقال أبو حاتم : هو على التقديم ، والتأخير ، كأنه قالأ : فإذا هم بالساهرة والنازعات . قال ابنُ الأنباريُّ : وهذا خطأ ؛ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام . وقيل : " يَوْمَ " منصوب بما دلَّ عليه " راجِفةٌ " ، أي : يَوْمَ تَرْجفُ رَجَفَتْ . وقيل : بما دلَّ عليه " خَاشِعَة " أي : يوم ترجف خشعت ، وقوله : " تَتْبعُهَا الرَّادفَةُ " يجوز أن يكون حالاً من " الرَّاجِفَةُ " ، وأن يكون مستأنفاً . فصل في تفسير الآية قال عبد الرحمن بن زيد : " الرَّاجِفَةُ " أي : المُضطَرِبَةُ ، ومعناه : أنَّ الأرض تضطرب ، و " الرَّادفة " السَّاعة . وقال مجاهدٌ : الزلزلةُ تتبعها الرادفة ، أي : الصيحة . وعنه - أيضاً - ، وابن عباس والحسن وقتادة : هما الصَّيحتان ، أي : النفختان ، أمَّا الأولى فتُمِيْتُ كُلَّ شيء بإذنِ الله تعالى ، وأمَّا الثانية فتُحْيِي كُلَّ شيءٍ بإذن الله تعالى . قال صلى الله عليه وسلم : " بَيْنَ النَّفْخَتيْنِ أرْبعُونَ سنةً " . وقال مجاهد : " الرَّاجفَةُ " الرجفة حين تنشقُّ السَّماءُ ، وتُحْملُ الأرضُ والجبالُ ، فتُدَكُّ دكَّةً واحدةٍ [ وذلك بعد الزلزلة وقيل : الرجفة تحرك الأرض والرادفة زلزلة أخرى تفني الأرضين ] . وأصل " الرَّجفَةِ " الحركةُ ، قال تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ } [ المزمل : 14 ] ، وليست الرجفة هناك من الحركة فقط ، بل من قولهم : رجف الرَّعدُ يرجف رجفاً ورجيفاً ، أي : أظهرت الصوت والحركة ، ومنه سُمِّيت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها ، وإفاضة النَّاس فيها . وقيل : الرجفة هذه منكرة في السحاب ، ومنه قوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } [ الأعراف : 78 ] . وأما الرادفة : فكل شيء جاء بعد شيء آخر ، يقال : ردفهُ : أي : جاء بعده . قوله : { قُلُوبٌ } مبتدأ ، و " يومئذ " منصوب بـ " وَاجِفَة " ، و " وَاجِفَة " صفة القلوب ، وهو المسوغ للابتداء بالنكرة ، و " أبْصارُهَا " مبتدأ ثانٍ ، و " خَاشِعَة " خبره ، وهو وخبره خبر الأول ، وفي الكلام حذف مضاف ، تقديره : أبصار أصحاب القلوب . قال ابن عطية : وجاز ذلك ، أي : الابتداء بـ " قُلُوب " ؛ لأنها تخصصت بقوله : " يَوْمَئِذ " . ورد عليه أبو حيان : بأن ظرف الزَّمان لا يخصص الجثث ، يعني : لا يوصف به الجثث . و " الواجِفة " : الخائفة الوجلة ، قاله ابن عباس ، يقال : وجَفَ يَجِفُ وجِيفاً ، وأصله : اضطراب القلب . قال قيس بن الخطيم : [ المنسرح ] @ 5088 - إنَّ بَنِي جَحْجَبَى وأسرتَهُمْ أكْبَادُنَا مِنْ وَرائِهمْ تَجِفُ @@ وقال السديُّ : زَائلةٌ عن أماكنها ، ونظيره : { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } [ غافر : 18 ] . وقال المؤرج ، قلقة مستوفزة ، مُرتكضةٌ غير ساكنة . وقال المبرد : مضطربة ، والمعنى متقارب ، والمراد : قلوب الكفَّار ، يقال : وجَفَ القلب يَجِفُ وجِيفاً : إذا خفق ، كما يقال : وجَبَ يَجِبُ وَجِيْباً - بالياء الموحدة - بدل الفاء ، ومنه وجيف الفرس والنَّاقة في العدوِ . والإيجاف : حمل الدابة على السير السريع . قوله : { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } أي : مُنْكَسِرةٌ ذليلة من هول ما ترى ، نظيره : { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [ القلم : 43 ] . قوله : { يَقُولُونَ } أي : يقول هؤلاء المكذِّبون المنكِرُونَ للبعث إذا قيل لهم : إنكم تُبْعَثُون ، قالوا منكرين متعجبين : أنُرَدُّ بعد موتتنا إلى أول الأمر ، فنعود أحياء ، كما كنا قبل الموت ؟ وهو كقولهم : { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [ الإسراء : 49 ] . قوله : { فِي ٱلْحَافِرَةِ } " الحافرة " : التي يرجعُ الإنسان فيها من حيث جاء ، يقال : رجع في حافرته ، ثم يعبر عن الرجوع في الأحوال من آخر الأمر إلى أوله ؛ قال : [ الوافر ] @ 5089 - أحَافِرةً عَلى صَلعٍ وشَيْبٍ ؟ مَعاذَ اللهِ من سَفهٍ وعَارِ @@ يقول : أأرجعُ ما كنت عليه في شبابي مع الغزلِ والصبا بعد أن شبت وصلعت ؟ . وأصله : أنَّ الإنسان إذا رجع في طريقه أثرت قدماه فيها حفراً . وقال الراغبُ ، في قوله تعالى : { فِي ٱلْحَافِرَةِ } مثل لمن يرد من حيث جاء ، أي : أنَحْيَا بعد أن نموت ؟ . وقيل : " الحَافرة " ، الأرضُ التي جُعلتْ قبُورهُمْ فيها ، ومعناه : أئِنَّا لمردودون ونحن في الحافرة ؟ أي : في القبور . وقوله : " في الحافرة " على هذا في موضع الحال ، ويقال : رجع الشيخ إلى حافرته ، أي : هرم لقوله تعالى : { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [ النحل : 70 ] . وقولهم : " النقد عند الحافرة " لما يباع نقداً ، وأصله من الفرس إذا بيع ، فيقال : لا يزول حافره ، أو ينقد ثمنه . والحفر : تآكل الأسنان ، ود حفر فوه حفراً ، وقد أحفر المهر للأثناء والأرباع . والحافرة : " فاعلة " بمعنى : " مفعولة " ، وهي الأرض التي تحفر قبورهم فيها فهي بمعنى : " المحفورة " ، كقوله تعالى : { مَّآءٍ دَافِقٍ } [ الطارق : 6 ] ، و { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ القارعة : 7 ] ، والمعنى : أئِنَّا لمردودون في قبورنا . وقيل : على النسب ، أي : ذاتُ حفر . وقيل : سُمِّيت الأرض الحافرة ؛ لأنها مستقر الحوافر ، كما سمِّيت القدم أرضاً ؛ لأنها على الأرض ، لقولهم : الحافرة جمع حافرة بمعنى : القدم أي : نمشي أحياء على أقدامنا ، ونطأ بها الأرض . وقيل : هي أول الأمر . ويقول التجار : " النقد في الحافرة " أي في أول السّوم ؛ وقال الشاعر : [ السريع ] @ 5090 - آلَيْتُ لا أنْسَاكُم فاعْلَمُوا حَتَّى يُرَدَّ النَّاسُ في الحَافِرَهْ @@ وقال ابن زيدٍ : الحافرة " النَّار " ، وقرأ : " تلك إذا كرَّه خاسرة " . وقال مقاتلٌ وزيدُ بن أسلم : هي اسم من أسماء النار . وقال ابنُ عبَّاسٍ : الحافرة في كلام العرب : الأرض التي تغيَّرت وأنتنت بأجسادِ موتاها ، من قولهم : حفرت أسنانه ، أي : تآكلت ، أي : دكها الوسخُ من باطنها وظاهرها ، ويجوز تعلقه بـ " مردودون " ، أو : بمحذوف على أنه حال . فصل في تفسير الآية قال ابن الخطيب : هذه الأحوال المتقدمة هي أحوال القيامة عند جمهور المفسرين . وقال أبو مسلم : هذه الأحوال ليست هي أحوال القيامة ؛ لأنه فسَّر " النَّازعات " بنزعِ القوسِ ، و " المُدبِّرات " بالأمور التي تحصل أدبار ذلك الرمي ، والعدو ، ثم بنى على ذلك فقال : " الرَّاجفَة " هي خيلُ المشركين ، وكذلك " الرَّادفة " ، وهما طائفتان من المشركين غزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقت إحداهما الأخرى ، والقلوب الواجفة ، هي القلقةُ ، والأبصار الخاشعة ، هي أبصار المنافقين ، كقوله تعالى : { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [ محمد : 20 ] ، كأنَّه قيل : لمَّا جاء خيل العدو ترجف ؛ لأنها اضطربت قلوب المنافقين خوفاً ، وخشعت أبصارهم جُبْناً وضَعْفاً ثم قالوا : " أئِنَّا لمردودون فِي الحَافِرَةِ " أي : نرجع إلى الدنيا حتى نتحمّل هذا الخوف لأجلها . وقالوا أيضاً : " تِلْكَ إذا كَرَّة خَاسِرةٌ " ، فأول هذا الكلام حكاية لحال من غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين ، وأوسطه حكاية لحال المنافقين ، وآخره حكاية لكلام المنافقين في إنكار الحشر ، ثم إنه - تعالى - أجاب عن كلامهم بقوله تعالى : { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } . قال ابن الخطيب : وكلام أبي مسلم محتملٌ ، وإن كان على خلاف قولِ الجمهور . قوله تعالى : { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } . قرأ الأخوان وأبو بكر : " نَاخِرَةً " بألف . والباقون : " نَخِرة " بدُونِهَا . وهما كـ " حَاذِرٍ ، وحَذِر " فاعل لمن صدر عنه الفعل ، و " فعل " لمن كان فيه غريزة أو كالغريزة . وقيل : ناخِرَة ، ونخِرَة بمعنى : بالية . يقال : نَخِر العظم - بالكسر - أي بلي وتفتَّت . وقيل : نَاخِرةٌ ، أي : صارت الريح تَنْخَر فيها ، أيك تصوت ، ونَخِرَةٌ أي : ينخر فيها دائماً . وقيل : ناخرة ، أي : بالية ، ونخرة : متآكلة . وعن أبي عمرو : النَّاخرة : التي لم تنخر بعد ، والنَّخرةُ : البالية . وقيل : النَّاخرةُ : المصوت فيها الريح ، والنَّاخرة : البالية التي تعفّنت . قال الزمخشري : " نَخِرَ العَظْمُ فهو نَخِرٌ ونَاخِرٌ ، كقولك : طمع ، فهو طَمِعٌ وطَامِع ، و " فَعِل " أبلغ من فاعل ، وقد قُرئ بهما ، وهو البالي الأجوف الذي تمرُّ فيه الريح ، فيسمع له نخير " . ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ 5091 - وأخْلَيْتُهَا مِنْ مُخِّهَا فكَأنَّهَا قَوارِيرُ في أجْوافِهَا الرِّيحُ تَنْخُرُ @@ وقال الرَّاجز لفرسه : [ الرجز ] @ 5092 - أقْدِمْ سَجاجِ إنَّها الأسَاوِرَهْ ولا يَهُولنكَ رُءُوسٌ نَادِرَهْ فإنَّمَا قَصْرُكَ تُرْبُ السَّاهِرَهْ ثُمَّ تَعُودُ بَعْدَهَا في الحَافِرَهْ مِنْ بَعْدِ مَا كُنت عِظَاماً نَاخِرَهْ @@ ونُخْرةُ الريح - بضم النون - شدة هبوبها ، والنُّخْرَةُ أيضاً : مقدم أنف الفرس ، والحمار ، والخنزير ، يقال : هشم نخرته ، أي : مقدم أنفه . و " إذَا " منصوبٌ بمُضْمَرٍ ، أي : إذَا كُنَّا كذا نُردُّ ونُبعَثُ . قوله تعالى : { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } . " تلك " مبتدأ بها إلى الرَّجفةِ والردة في الحافرة ، و " كَرَّةٌ " خبرها ، و " خاسرة " صفة ، أي : ذاتُ خسرانٍ ، أو أسند إليها الخسار مجازاً والمراد أصحابُها ، والمعنى : إن كان رجوعنا إلى القيامة حقاً ، فتلك الرجعة رجعة خاسرة [ خائبة ] ، وهذا أفادته " إذن " فإنها حرف جواب وجزاء عند الجمهور . وقيل : قد لا تكون جواباً . وعن الحسن : أن " خاسرة " بمعنى كاذبة ، أي : ليست كائنة . وقال الربيع بن أنس : خاسرةٌ على من كذَّب بها . وقيل : كَرَّةُ خُسران ، والمعنى : أهْلُهَا خاسرون ، كقولك : تِجَارةٌ رابحةٌ ، أي : يَرْبَحُ صاحبها . وقال قتادة ومحمد بن كعب أي : لئن رجعنا أحياءً بعد الموت لنحشرن بالنَّار ، وإنَّما قالوا هذا لأنَّهُم أوعدُوا بالنار ، و " الكَرُّ " : " الرجوع " ، يقال : كرَّهُ ، وكَرَّ بنفسه ، يتعدى ولا يتعدَّى . والكَرَّةُ : المرَّةُ ، الجمع : الكرَّات . قوله : { فَإِنَّمَا هِيَ } ضمير الكرة ، أي : لا تحسبوا تلك الكرَّة صعبة على الله تعالى . قال الزمخشري : " فإن قلت : بم يتعلق قوله : " فإنما هي " ؟ . قلت : بمحذوف ، معناه : لا تستصعبوها فإنما هي زجرة واحدة ، يعني بالتعلُّق من حيث المعنى ، وهو العطف . وقوله : " فإذَا هُمْ " المفاجأة والسبب هنا واضحان . والزجرة : قال ابن عباس رضي الله عنهما : في النَّفخةِ الواحدة " فإذا هُمْ " أي : الخلائق أجمعون ، " بالساهرة " أي : على وجه الأرض من الفلاة ، وصفت بما يقع فيها ، وهو السهر لأجل الخوف . وقيل : لأن السراب يجري فيها من قولهم : " عين ساهرة " أي : جارية الماء ، وفي ضدها نائمة . [ قال الزمخشري : " والساهرةُ : الأرض البيضاء المستوية ، سميت بذلك ؛ لأن السراب يجري فيها ] من قولهم : عين ساهرة : أي : جارية الماء ، وفي ضدِّها نائمة ؛ قال الأشعثُ بن قيسٍ : [ الطويل ] @ 5093 - وسَاهِرةٍ يُضْحِي السَّرابُ مُجَلِّلاً لأقْطَارِهَا قدْ جُبْتُهَا مُتلثِّماً @@ أي : ساكنها لا ينام خوف الهلكة انتهى ؛ وقال أميَّةُ : [ الوافر ] @ 5094 - وفِيهَا لَحْمُ سَاهِرةٍ وبَحْرٍ ومَا فَاهُوا به لهُمُ مُقِيمُ @@ يريد : لحم حيوان أرض ساهرة ؛ وقال أبو كبير الهذليُّ : [ الكامل ] @ 5095 - يَرْتدْنَ سَاهِرةً كَأنَّ جَمِيمهَا وعَمِيمَهَا أسْدافُ ليْلٍ مُظْلِمِ @@ وقال الراغب : هي وجه الأرض . وقيل : أرض القيامة ، وحقيقتها التي يكثر الوطء بها ، كأنَّها سهرت من ذلك . والأسهران : عرقان في الأنف . والساهور : غلافُ القمر الذي يدخل فيه عند كسوفه ؛ قال : [ البسيط ] @ 5096 - … أوْ شُقَّةٌ خَرجتْ مِنْ بَطْنِ سَاهُورِ @@ أي : هذه المرأة بمنزلة قطعة القمرِ . وقال أمية بن أبي الصلت : [ الكامل ] @ 5097 - قَمَـرٌ وسَاهُـورٌ يُسـلُّ ويُغْمَـدُ @@ وروى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " السَّاهرة : أرض من فضَّةٍ لم يُعْصَ اللهُ عليها مُنْذُ خَلقهَا " . وقيل : أرض يجددها الله يوم القيامة . وقيل : السَّاهرة : اسم الأرض السابعة يأتي الله بها ، فيحاسب عليها الخلائقَ ، وذلك حين تبدَّلُ الأرض غير الأرض . وقال الثَّوري : السَّاهرة : أرضُ " الشَّام " . وقال وهبُ بن منبه : جبلُ بيتِ المقدسِ . وقال عثمانُ بنُ أبي العاتكةِ : إنَّه اسم مكان من الأرض بعينه ، بـ " الشام " ، وهو الصقع الذي بين جبل " أريحَا " وجبل " حسَّان " يمُدُّه الله كيف يشاء . وقال قتادةُ : هي جهنَّم ، أي : فإذا هؤلاءِ الكُفَّار في جهنَّم ، وإنَّما قيل لها : ساهرة ؛ لأنَّهُم لا ينامون عليها حينئذ . وقيل : السَّاهرة بمعنى : الصحراء على شفيرِ جهنَّم ، أي : يوقفون بأرض القيامة ، فيدوم السهر حينئذ .