Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 34-41)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } في جواب " إذا " أوجه : أحدها : قوله : { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } ، نحو : " إذا جاءك بنو تميمٍ ، فأما العاصي فأهنه ، وأمَّا الطائع فأكرمه " . وقيل : محذوف . فقدَّرهُ الزمخشريُّ : فإن الأمر كذلك ، أي : فإنَّ الجحيمَ مأواهُ . وقدَّره غيرهُ : انقسم الرَّاءون قسمين . وقيل : عاينُوا أو علموا . وقيل : جوابها أدخل أهل النار النار ، وأهل الجنة الجنة . وقال أبو البقاء : العامل فيها جوابها ، وهو معنى قوله تعالى : { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ } . والطَّامةُ الكبرى : الدَّاهيَة العُظمَى التي تطمّ على غيرها من الدَّواهي لعظمها ، و " الطَّمُّ " : " الدفن " ، ومنه : طمَّ السَّيلُ الرَّكية ، وفي المثل : جَرَى الوادِي فطمَّ على القُرَى . وقيل : مأخوذٌ من قولهم : طمَّ الفرس طميماً ، إذا استفرغ جهده في الجري ، والمراد بها في القرآن : النَّفخة الثانية ؛ لأن بها يحصل ذلك . قال ابن عباس : هي النَّفخةُ الثانية التي يكون معها البعث . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أيضاً ، والضحاك : أنَّها القيامة ، سميت بذلك ؛ لأنَّها تطمُّ على كل شيء فتغمره . وقال القاسمُ بنُ الوليد الهمداني : الطامةُ الكبرى حين يساق أهل الجنَّة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار . قوله : { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ } بدل من " إذا " ، أو : منصوباًَ بإضمار فعلٍ ، أي : أعني : يوم أو يوم يتذكر كيت وكيت . قوله : { مَا سَعَىٰ } أي : ما عمل من خير أو شر يراه مكتوباً في كتابه فيتذكرهُ ، وكان قد نسيه ، لقوله تعالى : { أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } [ المجادلة : 6 ] . قوله تعالى : { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ } العامة على بنائه للمفعول مشدداً ، و { لِمَن يَرَىٰ } بياء الغيبة . وزيدُ بن علي وعائشة وعكرمة : مبنيًّا للفاعل مخففاً ، و " ترى " بتاء من فوق ، فجوزوا في تاء " ترى " أن تكون للتأنيث ، وفي " ترى " ضمير الجحيم ، كقوله تعالى : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [ الفرقان : 12 ] ، وأن تكون للخطاب ، أي : ترى أنت يا محمد ، والمراد : ترى الناس . وقرأ عبد الله : " لمن رأى " فعلاً ماضياً . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " بُرِّزَتْ " كشفت عنها تتلظّى ، فيراه كل ذي بصرٍ ، فالمؤمنون يمرُّون عليها ، { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم : 71 ] ، وأمَّا الكفار فهي مأواهُم . وقيل : الرؤية هنا : استعارة ، كقولهم : قد تبين الصبح لذي عينين . وقيل : المراد : الكافر ؛ لأنه الذي يرى النار بما فيها من أصناف العذاب . وقيل : يراها المؤمن ليعرف قدر النَّعمةِ . قوله : { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } أي : تجاوز الحدَّ في العصيان . قيل : نزلت في النَّضْرِ وأبيه الحارث ، وهي عامة في كل كافرٍ آثر الحياة الدنيا على الآخرة . قوله : { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } إمَّا هي المأوى له ، أو هي مأواه ، وقامت " أل " مقام الضمير ، وهو رأي الكوفيين وقد تقدم تحقيق هذا والرد على قائله ، خلافاً للبصريين ؛ قال الشاعر : [ الطويل ] @ 5106 - رَحيبٌ قِطَابُ الجَيْبِ مِنْهَا رَقِيقَةٌ بِجَسِّ النَّدامَى بَضَّةُ المُتَجَرَّدِ @@ إذ لو كانت " أل " عوضاً من الضمير لما جمع بينهما في هذا البيت ، ولا بُدَّ من أحد هذين التأويلين في الآية الكريمة لأجل العائد من الجملة الواقعة خبراً للمبتدأ ، والذي حسَّن عدم ذكر العائد كون الكلمة وقعت رأس فاصلة . وقال الزمخشري " فإن الجحيم مأواهُ ، كما تقول للرجل : غُضَّ الطَّرف ، تريد طرفك ، وليس الألف و " اللام " بدلاً من الإضافة ، ولكن لما علم أنَّ الطَّاغي هو صاحب المأوى ، وأنَّه لا يغُضُّ طرف غيره تركت الإضافة ، ودخول الألف واللام في " المأوى " والطرف ، للتعريف ؛ لأنهما معروفان " . قال أبو حيان : " وهو كلام لا يتحصَّل منه الرابط العائد على المبتدأ ، إذ قد نفى مذهب الكوفيين ، ولم يقدّر ضميراً محذوفاً ضميراً كما قدَّره البصريون ، فرام حصول الرابط بلا رابط " . قال شهابُ الدِّين : " ولكن لما علم إلى آخره ، هو عين قول البصريين ، ولا أدري كيف خفي عليه هذا " . قوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } اي : حَذِرَ مقامه بين يدي ربه . وقال الربيعُ : مقامه يوم الحساب . وقال مجاهدٌ : خوفه في الدنيا من الله عند مواقعه الذَّنب فقلع عنه ، نظيره : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] . { ونَهَى النَّفْس عن الهَوى } أي : زجرها عن المعاصي والمحارم . قال ابن الخطيب : هذان الوصفان مضادَّان للوصفين المتقدمين ، فقوله تعالى : { مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } ضدُّ قوله : " فأمَّا من طغى " ، " ونَهَى النفس " ضدُّ قوله : " وآثر الحياةَ الدُّنيا " فكما دخل في ذينك الوصفين جميع القبائح دخل في هذين الهوى ، وسيأتي زمان يقوى الهوى الحقَّ ، فنعوذُ بالله من ذلك الزمنِ . قوله : { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } أي : المنزل ، نزلت لآيتان في مصعبِ بن عميرٍ ، وأخيه عامرِ بنِ عميرٍ . ورى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهم - أمَّا من طغى فهو أخٌ لمصعب بن عمير ، أسر يوم بدر ، فأخذته الأنصار ، فقالوا : من أنت . قال : أنا أخو مصعب بن عمير فلم يشدوه في الوثاق ، وأكرموه ، وبيتوه عندهم ، فلمَّا أصبحُوا حدَّثوا مصعب بن عمير حديثه ، فقال : ما هو لي بأخ ، شدُّوا أسيركم ، فإنَّ أمَّه أكثر أهل البطحاءِ حلياً ومالاً ، فأوثقوه حتى بعثت أمه في فدائه . " وأمَّا من خَاف مَقامَ ربِّهِ " " فمصعب بن عمير ، وَقَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم " أحُدٍ " حين تفرَّق الناس عنه ، حتى نفذت المشاقص في جوفه ، وهي السِّهام ، فلما رأه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشطحاً في دمهِ ، قال : " عِندَ اللهِ أحْتسبهُ " . وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " لَقِدْ رأيْتهُ وعَليْهِ بُرْدَانِ ما تُعرفُ قيمتُهما وإنَّ شِراكَ نَعْليهِ مِنْ ذَهَبٍ " " . وعن ابن عباس : - رضي الله عنهما - " نزلت هذه الآية في رجلين : أبو جهل بن هشام ، ومصعب بن عمير " . وقال السديُّ : نزل قوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } في أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه . وقال الكلبيُّ : هما عامَّتان .