Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 42-46)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } . لما سمع المشركون أخبار القيامة ، ووصفها بالأوصاف الهائلة مثل : " الطَّامة الكبرى " ، و " الصَّاخَّة " ، و " القاَرِعَة " ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً ، متى تكون الساعة ؟ . وقيل : يحتمل أن يكون ذلك إيهاماً لأيقاعهم أنَّه لا أصْلَ لذلكَ ، ويحتملُ أنَّهم كانوا يسألونه عن وقت القيامة استعجالاً كقوله : { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [ الشورى : 18 ] . وقوله : { أَيَّانَ مُرْسَاهَا } ، أي : إقامتها ، والمعنى : أيُّ شيء يقيمُها ويوجدُها ، ويكون المعنى : أيان منتهاها ومستقرها ، كما أنَّ مرسى السفينة : مستقرّها الذي تنتهي إليه فأجابهم الله - تعالى - بقوله : { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } . قوله " فِيْمَ " خبر مقدم , و " أنْتَ " مبتدأ مؤخرٌ ، و " مِنْ ذِكْراهَا " متعلقٌ بما تعلق به الخبر ، والمعنى : أنت في أي شيء من ذكراها ، أي : ما أنْتَ من ذكراهَا لهم وتبين وقتها في شيء . وقال الزمخشري : " وعن عائشة - رضي الله عنها - لم يزل رسول الله عليه وسلم يذكر الساعة ، ويسأل عنها ويذكرها حتى نزلت ، قال : " فَهوَ عَلى هَذَا تَعجَّبَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرهِ لَهَا كأنَّهُ قِيلَ : فِي أيِّ شُغلٍ واهتمامٍ أنْتَ من ذِكرِهَا والسُّؤال عَنْهَا " . وقيل : الوقف على قوله : " فيم " ، وهو خبر مبتدأ مضمر ، أي : فيم هذا السؤال ، ثم يبتدئ بقوله : " أنْت مِنْ ذِكراهَا " أي : إرسالك ، وأنت خاتم الأنبياء ، وآخر الرسل ، والمبعوث في تسمية ذكر من ذكراها ، وعلامة من علاماتها ، فكفاهُم بذلك دليلاً على دُنوِّها ، ومشارفتها ، والاستعداد لها ، ولا معنى لسؤالهم عنها . قاله الزمخشري : وهو كلام حسنٌ ، لولا أنَّه يخالف الظاهر ، وتفكيك لنظم الكلام . ومعنى " إلى ربِّك مُنتَهاهَا " منتهى علمها ، كقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 187 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ لقمان : 34 ] . قال القرطبي : ويجوز أن يكون إنكاراً على المشركين في مسألتهم له ، أي : فيم أنت من ذلك حتى يسألوك بيانه ، ولست ممن يعلمه ، وروي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما . قوله تعالى : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } . العامة : على إضافة الصفة لمعمولها تخفيفاً . وقرأ عمر بن عبد العزيزِ وأبو جعفرٍ ، وطلحةُ ، وابن محيصنٍ : بالتنوين ، ويكون في موضع نصب ، والمعنى : إنَّما ينتفع بإنذارك من يخشى الساعة . قال الزمخشري : وهو الأصل ، والإضافة تخفيف ، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال ، فإذا أريد الماضي ، فليس إلا الإضافة ، كقولك : هو منذرٌ زيدٍ أمس . قال أبو حيان : قوله : " هُو الأصل " يعني : " التنوين " ، هو قول قاله غيره . ثم اختار أبو حيَّان : أن الأصل الإضافة ، قال : لأنَّ العمل إنما هو بالشبه ، والإضافة أصل في الأسماء ، ثم قال : وقوله : " ليس إلا الإضافة " فيه تفصيل وخلاف مذكورفي كتب النحو . قال شهاب الدين : لا يلزمه أن يذكر إلاَّ محل الوفاق ، بل هذان اللذان ذكرهما مذهب جماهير الناس . فصل في معنى الآية المعنى : إنَّما أنت مُخوِّف ، وخص الإنذار بمن يخشى ؛ لأنهم المنتفعون به ، وإن كان منذراً لكلِّ مكلَّف ، كقوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } [ يس : 11 ] . قوله تعالى : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } يعني : الكُفَّار ، يرون الساعة . { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ } في دنياهم ، { إِلاَّ عَشِيَّةً } أي : قدر عشيَّةٍ ، { أَوْ ضُحَاهَا } أي : أو قدْرَ الضُّحى الذي يلي تلك العَشيَّة ، والمراد : تقليل مدة الدنيا ، كقوله تعالى : { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } [ الأحقاف : 35 ] . وأضاف الضحى إلى العشية إضافة الظرف إلى ضمير الظرف الآخر تجوُّزاً واتِّساعاً . وذكرهما ؛ لأنَّهما طرفا النهار ، وحسَّن هذه الإضافة وقوع الكلمة فاصلة . قإن قيل : قوله تعالى : { أَوْ ضُحَاهَا } معناه : ضُحَى العشيَّة ، وهذا غيرر معقولٍ ؛ لأنَّه ليس للعشيَّة ضُحى ؟ . فالجواب : قال ابن عباس رضي الله عنهما : الهاء والألف صلة للكلام ، يريد : لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى . وقال الفرَّاء والزجاجُ : المرادُ بإضافة الضُّحى إلى العشية على عادة العرب ، يقولون : آتيك الغداة أو عشيها ، وآتيك العشية أوغداتها ، فتكون العشية في معنى : آخر النهار ، والغداة في معنى : أول النهار ؛ وأنشد بعض بني عقيل : [ الرجز ] @ 5107أ - نَحْنُ صَبَحْنَا عَامراً في دَارِهَا جُرْداً تَعَادَى طَرفَيْ نَهارِهَا عَشِيَّةَ الهِلالِ أو سِرَارِهَا @@ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .