Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 12-12)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ } في " إذْ " أوجهٌ : أحدها : أنَّهُ بدلُّ ثالث من قوله { وَإِذْ يَعِدُكُمُ } . الثاني : أن ينتصب بقوله " يُثَبِّتَ " . قالهما الزمخشريُّ ولم يبن ذلك على عودِ الضمير . وأمَّا ابنُ عطية : فبناه على عَوْدِ الضَّمير في قوله " بِهِ " فقال : العاملُ في " إذْ " العاملُ الأول على ما تقدَّم فيما قبلها ، ولو قدَّرناهُ قريباً لكان قوله : " ويُثَبِّتَ " على تأويل عوده على الرَّبْطِ . وأمَّا على تأويل عوده على : " المَاءِ " فيقلق أن يعمل " ويُثَبِّتَ " في " إذ " وإنَّما قلق ذلك عنده لاختلاف زمان التثبُّت وزمان الوحي ، فإنَّ إنزالَ المطر وما تعلَّق به من تعليلاتٍ متقدمٌ على تغشية النُّعاس ، وهذا الوحيُ وتغشيةُ النُّعاس والإيحاءُ كانا وقت القتال . قوله : " أنِّي معَكُمْ " مفعولٌ بـ " يُوحِي " أي : يوحي كوني معكم بالغلبةِ والنصر . وقرأ عيسى بن عمر - بخلافٍ عنه - " إنِّي مَعَكُمْ " بكسرِ الهمزةِ وفيه وجهان : أحدهما : أنَّ ذلك على إضمار القول ، وهو مذهب البصريين . والثاني : إجراء " يُوحِي " مُجْرَى القول ؛ لأنَّهُ بمعناه ، وهو مذهب الكوفيين . فصل في المعنى وجهان : أحدهما : أنَّه تعالى أوحى إلى الملائكة بأنَّهُ تعالى معهم أي مع الملائكة حال إرسالهم رِدْءاً للمسلمين . والثاني : أنَّهُ تعالى أوحى إلى الملائكة أني مع المؤمنين فانصروهم ، وثبتوهم ، وهذا أولى ؛ لأن المقصود إزالة التَّخويف ، والملائكةُ لم يخافوا الكُفَّار ، وإنَّما الخائف هم المسلمون . ثم قال : { فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في كيفيَّةِ هذا التَّثْبيت وجوهٌ : فقيل : إنَّهم عرَّفُوا الرَّسُول - عليه الصَّلاة والسَّلام - أنَّ الله ناصر المؤمنين والرَّسول عرَّف المؤمنين ذلك ، فهذا هو التثبيتُ . وقيل : إنَّ الشيطان كما يُمكنه إلقاء الوسوسة إلى الإنسان ، فكذلك الملك يمكنه إلقاء الإلهامِ إليه ، فالتثبيت من هذا الباب . وقيل : إنَّ الملائكة كانوا يتشبَّهُون بصورِ رجال من معارفهم وكانوا يمدونهم بالنَّصر والفتح ، والظَّفَرِ . قوله : { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } وهذا من النعم الجليلة ، لأنَّ أمير النفس هو القلب فلمَّا بيَّن اللَّهُ تعالى أنَّهُ ربط قلوب المؤمنين أي : قوَّاها ، وأزال الخوف عنها ذكر أنه ألقى الرُّعْبَ في قلوب الكافرينَ ، فكان ذلك من أعظمِ نعم الله تعالى على المؤمنين . قوله : " فاضْرِبُوا " قيل : هذا أمر للملائكة متصلٌ بقوله تعالى : " فَثَبِّتُوا " . وقيل : أمر للمؤمنين وهو الصَّحيح لما تقدَّم من أنَّ الملائكة لم ينزلوا للمقاتلة ، بل لتقوية قُلُوبِ المؤمنين وتثبيتهم . قوله : " فوْقَ الأعناقِ " فيه أوجه : أحدها : أنَّ " فوْقَ " باقيةٌ على ظرفيتها والمفعولُ محذوفٌ ، أي : فاضربوهم فوق الأعناقِ . علَّمَهُم كيف يضربونهم . والثاني : أنَّ " فوْقَ " مفعولٌ به على الاتِّساع ؛ لأنه عبارةٌ عن الرَّأسِ ، كأنَّه قيل : فاضربوا رُءوسهم ، وهذا ليس بجيد ؛ لأنَّهُ لا يتصرَّف . وزعم بعضهم أنه يتصرَّف ، وأنك تقول : فوقُك رَأسُك برفع فوقك ، وهو ظاهرُ قول الزمخشريِّ ، فإنه قال : " فَوْقَ الأعْنَاقِ " أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنَّها مفاصلٌ . الثالث : - وهو قول أبي عبيدة - : أنَّها بمعنى " على " أي : على الأعناقِ ويكون المفعولُ محذوفاً تقديره : فاضربوهم على الأعناق ، وهو قريبٌ من الأول . الرابع : قال ابنُ قتيبة : هي بمعنى : " دون " . قال ابن عطيَّة : " وهذا خطأ بيِّنٌ وغلطٌ فاحشٌ ، وإنَّما دخل عليه اللَّبْس من قوله : { بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } [ البقرة : 26 ] أي : فما دونها وليست " فوق " هنا بمعنى " دون " وإنَّما المرادُ : فَمَا فوقها في القلَّة والصِّغَرِ " . الخامس : أنها زائدةٌ أي : اضْرِبُوا الأعناقَ ، وهو قول أبي الحسنِ . وهذا عند الجمهور خطأ ؛ لأنَّ زيادة الأسماءِ لا يجوزُ . قوله : { … مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } يجوزُ أن يتعلَّق : " مِنْهُمْ " بالأمر قبله ، أي : ابتدئوا الضَّرب من هذه الأماكن ، وهذا الكلامُ مع ما قبله معناه : اضربوهم في جميع الأماكن والأعضاءِ من أعاليهم إلى أسافلهم ، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ حال من : " كُلَّ بنانٍ " لأنَّهُ في الأصل يجوزُ أن يكون صفةً لو تأخَّر ، قال أبُو البقاءِ : " ويَضْعُفُ أن يكون حالاً من " بَنَانٍ " إذْ فيه تقديمُ حالِ المضافِ إليه على المضاف " . فكأنَّ المعنى : اضربوهم كيف ما كان . قال الزمخشريُّ : يعني ضرب الهام . قال : [ الوافر ] @ 2677 - … وأضْرِبُ هَامَة البْطَلِ المُشِيحِ @@ وقال : [ البسيط ] @ 2678 - غَشَّيْتُهُ وهْوَ في جَأواء بَاسِلَةٍ عَضْباً أصَابَ سَواءَ الرَّأسِ فانْفلقَا @@ وقال ابن عطية : ويُحتمل أن يريد بقوله : " فوق الأعْنَاقِ " وصْف أبلغِ ضرباتِ العنقِ ، وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق ودون عظم الرأس . ثم قال : ومنه قوله : [ الوافر ] @ 2679 - جَعَلْتُ السَّيْفَ بَيْنَ الجِيدِ مِنْهُ وبَيْنَ أسِيلِ خَدَّيْهِ عِذَارَا @@ وقيل : هذا مِنْ ذكرِ الجزء وإرادة الكل ؛ كقول عنترة : [ الكامل ] @ 2680 - عَهْدِي بِهِ شَدَّ النَّهار كأنَّمَا خُضِبَ البنَانُ ورأسُهُ بالعِظْلِمِ @@ والبَنَان : قيل : الأصابعُ ، وهو اسمُ جنسٍ ، الواحد : بنانةٌ ؛ قال عنترةُ : [ الوافر ] @ 2681 - وأنَّ الموتَ طوْعُ يَدِي إذا مَا وصَلْتُ بنانَهَا بالهِنْدُوَانِي @@ وقال أبو الهيثم : " البنانُ : المفاصِلُ ، وكل مفصل بنانة " . وقيل : البنانُ الأصابع من اليدين والرِّجلين ، وجميع المفاصل من جميع الأعضاء ، وأنشد لعنترة : [ الطويل ] @ 2682 - وقَدْ كانَ فِي الهَيْجَاءِ يَحْمِي دِمَاءَهَا ويَضْرِبُ عِنْدَ الكَرْبِ كُلَّ بنانِ @@ وقد تُبْدلُ نونُه الأخيرة ميماً ؛ قال رؤبةُ : [ الرجز ]