Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 13-14)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " ذَلِكَ بأنَّهُمْ " ، " ذلكَ " مبتدأ وخبر ، والإشارةُ إلى الأمر بضربهم ، والخطابُ يجوزُ أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون للكفَّارِ ، وعلى هذا فيكونُ التفاتاً . كذا قال أبُو حيَّان وفيه نظر لوجهين : أحدهما : أنه يلزمُ من ذلك خطابُ الجمع بخطاب الواحد ، وهو ممتنعٌ أو قليلٌ ، وقد حُكِيَتْ لُغَيَّة . والثاني : أنَّ بعده : { بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ } فيكون التفت من الغيبةِ إلى الخطاب في كلمة واحدة ، ثمَّ رجع إلى الغيبة في الحال ، وهو بعيدٌ . قوله : { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ } " مَنْ " مبتدأ ، والجملةُ الواقعة بعدها خبرها ، أو الجملة الواقعة جزاءً أو مجموعهما ، ومن التزم عود ضمير من جملة الجزاءِ على اسمِ الشَّرط قدَّرهُ هُنَا محذوفاً تقديره : فإنَّ الله شديدُ العقاب له . واتفق القُّراءُ على فكِّ الإدغام هنا في : " يُشاقِقِ " ؛ لأنَّ المصاحفَ كتبته بقافين مفكوكتين ، وفَكُّ هذا النوعِ لغةُ الحجاز ، والإدغامُ بشروطه لغة تميم . فصل والمعنى : أنَّه تعالى ألقاهم في الخزي والنَّكال من هذه الوجوه الكثيرة ؛ لأنهم شَاقُّوا الله ورسوله قال الزَّجَّاجُ جانبوا ، وصاروا في شقّ غير شقِّ المؤمنين والشِّقُّ الجانب و " شَاقوا اللَّهَ " مجاز ، والمعنى : شاقُّوا أولياءَ اللَّهِ ، ودين اللَّهِ . ثم قال : { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } يعني أنَّ هذا الذي نزل بهم في ذلك اليَوْمِ شيءٌ قليلٌ بالنسبة لِمَا أعدَّ لهم من العقاب يوم القيامةِ . قوله : { ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ } يجوز في : " ذَلِكُمْ " أربعةُ أوجهٍ : أحدها : أن يكون مرفوعاً على خبر ابتداء مضمر ، أي : العقاب ذلكم ، أو الأمر ذلكم . الثاني : أن يرتفع بالابتداء ، والخبرُ محذوفٌ ، أي : ذلكم العقابُ وعلى هذين الوجهين ؛ فيكون قوله " فَذُوقُوهُ " لا تعلُّق لها بما قبلها من جهة الإعراب . والثالث : أن يرتفع بالابتداء ، والخبرُ قوله : " فَذُوقُوهُ " وهذا على رأي الأخفشِ فإنَّهُ يرى زيادة الفاء مطلقاً أعني سواءً تضمَّن المبتدأ معنى الشَّرط أمْ لا ، وأمَّا غيرُهُ فلا يُجيز زيادتها إلاَّ بشرط أن يكون المبتدأ مشبهاً لاسم الشرك ما تقدَّم تقريره . واستدلَّ الأخفشُ على ذلك بقول الشاعر : [ الطويل ] @ 2684 - وقَائِلَةٍ : خَولاَنُ فانْكِحْ فَتَاتَهُمْ وأكرُومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا @@ وخرَّجهُ الآخرون على إضمار مبتدأ تقديره : هذه حَوْلاَنُ . الرابع : أن يكون منصوباً بإضمار فعل يُفسِّرهُ ما بعده ، ويكون من باب الاشتغال . وقال الزمخشريُّ : " ويجوز أن يكون نصباً على : عليكم ذلكم فذوقوه كقولك : زيداً فاضربه " . قال أبو حيان : " ولا يَصِحُّ هذا التقدير ، لأنَّ " عليكم " من أسماء الأفعال وأسماءُ الأفعالِ لا تُضْمَر ، وتشبيهُهُ بقولك : زيداً فاضربهُ ، ليس بجيّد ؛ لأنَّهم لم يُقدِّرُوه بـ " عليك زيداً فاضربه " وإنَّما هذا منصوبٌ على الاشتغالِ " . قال شهابُ الدِّين : يجوزُ أن يكون نَحَا الزمخشريُّ نحو الكوفيين ؛ فإنَّهم يجرونه مجرى الفعل مطلقاً ، ولذلك يُعْمِلُونه متأخراً نحو { كِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 24 ] . وقال أبُو البقاء : " ويجوز أن يكون في موضع نصب ، أي ذُوقُوا ذلكم ، ويجعل الفعلُ الذي بعده مُفَسِّراً له ، والأحسن أن يكون التقدير : بَاشِرُوا ذلكم فذوقوه ، لتكون الفاءُ عاطفةً " قال شهابُ الدِّين : ظاهرُ هذه العبارةِ الثانية أنَّ المسألة لا تكون من الاشتغال ؛ لأنَّهُ قدَّر الفعل غير موافقٍ لما بعده لفظاً مع إمكانه ، وأيضاً فقد جعل الفاء عاطفةً لا زائدةً وقد تقدَّم تحقيقُ الكلام في هذه الفاء عند قوله : { وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } [ البقرة : 40 ] . قوله { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } الجمهورُ على فتح " أنَّ " وفيها تخريجات أحدها : أنها ، وما في حيَّزها في محل رفع على الابتداء ، والخبرُ محذوفٌ تقديره : حَتْمٌ استقرارُ عذاب النار للكافرين . الثاني : أنها خبر مبتدأ محذوف أي : الحتم ، أو الواجب أنَّ للكافرين عذاب النَّارِ . الثالث : أن تكون عطفاً على : " ذَلِكُمْ " في وجهيه قاله الزمخشريُّ . ويعني بقوله " في وجهيه " أي : وجهي الرفع وقد تقدَّما . الرابع : أن تكون في محلِّ نصب على المعيَّة . قال الزمخشريُّ : " أو نصب على أنَّ الواوَ بمعنى " مع " والمعنى : ذُوقُوا هذا العذابَ العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة ، فوضع الظاهرَ موضع المضمر " : يعني بقوله : " وضع الظَّاهر موضع المضمر " أنَّ أصل الكلام فذوقوه وأنَّ لكم فوضع " لِلْكافِرينَ " موضع " لَكُمْ " شهادةً عليهم بالكفر ومنبهةً على العلّة . الخامس : أن يكون في محل نصب بإضمار " واعلموا " . قال الفراءُ : يجوزُ نصبه من وجهين : أحدهما : على إسقاط الباء ، أي : بأنَّ للكافرين . والثاني : على إضمارِ " اعلموا " ؛ قال الشاعر : [ الرجز ] @ 2685 - تَسْمَعُ للأحْشَاءِ عنه لغطاً وللْيَديْنِ جُسْأةَ وبَدَدَا @@ أي : وترى لليدين بدَداً ، فأضمر " تَرَى " كذلك : " فَذُوقُوهُ " واعلموا : " أنَّ لِلْكافِرينَ " . وأنكره الزجاج أشدَّ إنكارٍ . وقال : لو جاز هذا لجاز : زيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً ، أي : وترى عمراً منطلقاً ولا يُجيزه أحدٌ . ونبَّه بقوله " فَذُوقُوه " وهو ما عجل من القتل والأسر على أنَّ ذلك يسير بالإضافة إلى عذاب القيامة فلذلك سمَّاه ذوقاً لأن الذوق لا يكون إلاَّ لتعرف الطعم ، فقوله : " فَذُوقُوهُ " يدلَّ على أنَّ الذوق يكون في إدراك غير المطعوم كقوله { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] .