Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ } الآية . فاعل : يَسْأل يعوُد على معلومٍ ، وهم من حَضَرَ بَدْراً ، وسَألَ تارةً تكون لاقتضاءِ معنى في نفسِ المسئول فتتعدَّى بـ " عَنْ " كهذه الآية ؛ وكقول الشاعر : [ الطويل ] @ 2668 - سَلِي - إنْ جَهلْتِ - النَّاسَ عنَّا وعنْهُم فَليْسَ سواءً عالمٌ وجَهُولُ @@ وقد تكُون لاقتضاءِ مالٍ ونحوه ؛ فتتعدَّى لاثنين ، نحو : سألتُ زيداً مالاً ، وقد ادَّعَى بعضهم : أنَّ السُّؤال هنا بهذا المعنى . وزعم أنَّ " عَنْ " زائدةٌ ، والتقدير : يَسْألونك الأنفالَ ، وأيَّد قوله بقراءة سعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، وعلي بن الحسين ، وزيد ولده ، ومحمد الباقر ولده أيضاً ، وولده جعفر الصَّادق ، وعكرمة وعطاء " يَسألونكَ الأنفالَ " دون " عَنْ " . والصحيح أنَّ هذه القراءة على إرادة حرف الجرِّ ، وقال بعضهم : " عَنْ " بمعنى " مِنْ " . وهذا لا ضرورة تدعو إليه . وقرأ ابنُ محيصنٍ " عَلَّنْفَالِ " والأصل ، أنَّه نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف ، ثم اعتدَّ بالحركةِ العارضة ، فأدغمَ النُّونَ في اللاَّم كقوله : { وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم } [ العنكبوت : 28 ] وقد تقدم ذلك في قوله { عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } [ البقرة : 189 ] . والأنفالُ : جمع : نَفَل ، وهي الزِّيادةُ على الشيءِ الواجب ، وسُمِّيت الغنيمة نفلاً ، لزيادتها على الحوزة . قال لبيدٌ : [ الرمل ] @ 2669 - إنَّ تَقْوَى ربَّنَا خَيْرُ نَفَلْ وبإذْنِ اللَّهِ ريثي وعَجَلْ @@ وقال آخر : [ الكامل ] @ 2670 - إنَّا إذا أحْمَرَّ الوغَى نروي القَنَا ونَعِفُّ عند تقاسُم الأنفالِ @@ وقيل : سُمِّيت الأنفال ؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم . وقال الزمخشريُّ : والنَّفَل ما ينفلُهُ الغازي ، أي : يعطاه ، زيادةً على سهمه من المغنم ، وقال الأزهريُّ " النَّفَل ، والنَّافلة ما كان زيادةً على الأصلِ ، وسُمِّيت الغنائمُ أنفالاً ؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم ، وصلاةُ التطوع نافلةٌ ؛ لأنَّها زيادةٌ على الفرض " وقال تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } [ الأنبياء : 72 ] أي : زيادة على ما سأل . قال القرطبي : النَّفَلُ - بتحريك الفاءِ - والنَّفْل : اليمينُ ، ومنه النَّفَل في الحديث " فتبرئكم يهود بنفل خمسين منهم " والنَّفل : الانتفاءُ ، ومنه الحديث فانتفلَ من ولده . والنَّفلُ : نبت معروف . فصل في هذا السؤال قولان : أحدهما : أنَّهم سألوا عن حكم الأنفال ، كيف تُصرفُ ؟ ومن المستحقُّ لها ؟ نظيره قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } [ البقرة : 222 ] و { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } [ البقرة : 220 ] فقال في المحيض : { قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } [ البقرة : 222 ] وقال في التيامى { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [ البقرة : 220 ] . فأجابهم بالحكم المعيَّن في كل واقعةٍ فدلَّ الجواب المعيَّن على أنَّ السؤال كان عن مخالطة النساء في المحيض ، وعن التصرُّفِ في مال اليتامى ومخالطتهم في المؤاكلة . الثاني : هذا سؤال استعطاء ، و " عَنْ " بمعنى " مِنْ " ، وهذا قول عكرمة كما تقدم في قراءته . فأمَّا القولُ الأولُ : وهو أنَّ السؤال كان عن حكم الأنفال ومصرفها ، فهو قول أكثر المفسرين لأنَّ قوله { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [ الأنفال : 1 ] يدُلُّ على أنَّ المقصود منه منع القومِ عن المخاصمة والمنازعة . وقوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } يدلُّ على أنَّ السُّؤال كان بعد وقوع الخصومة بينهم ، وقوله : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } يدلُّ على ذلك أيضاً . وإذا عرف ذلك فيحتمل أن يكون المراد بهذه الأنفال قسمة الغنائم ، وهي الأموال المأخوذة من الكفار قهراً ، ويحتمل أن يكون المراد غيرها . أما الأوَّلُ ففيه وجوه : أحدها : أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلام قسم ما غنموه يوم بدر على من حضر وعلى أقوامٍ لم يحضرُوا أيضاً ، وهم ثمانيةُ أنفسٍ : ثلاثةٌ من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار ، فالمهاجرون : عثمانُ - رضي الله عنه - تركه عليه الصلاة والسلام على ابنته وكانت مريضةً ، وطلحةُ وسعيدُ بن زيد فإنَّه عليه الصلاة والسلام بعثهما للتَّجسس عن خبرِ العدوّ وخرجا في طريق الشَّام . وأما الأنصارُ : فأبو كنانة بن عبد المنذر ، وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ، وعاصم خلفه على العالية ، والحارث بن حاطب : ردَّهُ من الرَّوحاء إلى عمر بن عوفٍ لشيء بلغه عنه والحارث بن الصمة أصابته علةٌ بالروحاء ، وخوات بن جبير ، فهؤلاء لم يحضروا ، وضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الغنائم بسهم ، فوقع من غيرهم فيه منازعة ، فنزلت هذه الآية . ثانيها : روي أنَّ الشَّبابَ يوم بدر قتلُوا وأسرُوا ، والأشياخ وقفُوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصاف فقال الشبانُ : الغنائمُ لنا لأنَّ قتلنا وأسرنا وهزمنا . فقال سعد بن معاذ : والله ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو ، ولكن كرهنا أن تعرى مصافك ، فتعطف عليك خيلٌ من المشركين فيصيبوك . وروي أنَّ الأشياخ قالوا : كُنَّا رِدْءًا لكم ولو انهزمتم لانحزتم إلينا ، فلا تذهبُوا بالغنائم ، فوقعت المخاصمة بهذا السَّبب فنزلت هذه الآية . وثالثها : قال الزجاج : " الأنفالُ الغنائمُ ، وإنَّما سألُوا عنها ؛ لأنها كانت حراماً على من كان قبلهم " . وهذا ضعيفٌ ؛ لأنَّ بيَّنَّا في هذا السؤال أنه كان مسبوقاً بمنازعة ومخاصمة ، وعلى قول الزجاج يكونُ السُّؤال عن طلب حكم فقط . وأما الاحتمالُ الثاني : وهو أن يكون المرادُ بالأنفالِ شيئاً سوى الغنائمِ ، وعلى هذا أيضاً فيه وجوه : أحدها : قال ابنُ عباس في بعض الروايات : " المرادُ بالأنفال ما شذَّ عن المشركين إلى المسلمين من غير قتال من أموالهم ، فهو إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضعهُ حيثُ يشاءُ " . وثانيها : الأنفالُ : الخُمس ، وهو قول مجاهد . قال القومُ إنما سألوهُ عن الخمس فنزلت الآية . وثالثها : أنَّ الأنفال هي السَّلب الذي يأخذه الغازي زائداً على سهمه من المغنم ترغيباً لهُ في القتال كقول الإمام : مَنْ قتلَ قَتِيلاً فلهُ سلبُهُ وقوله للسرية " ما أصبتُمْ فهُو لكُمْ ، أو فلكم نصفه أو ربعه " ولا يخمس النفل . وعن سعد بن أبي وقَّاصٍ قال : " قتل أخي عمير يوم بدر فقتلتُ به سعد بن العاص بن أمية وأخذت سيفه ، وكان يسمَّى ذا الكتيفةِ فأعجبني فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : إنَّ الله شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف ، فقال : " ليس هُو لِي ، ولا لك اطرحهُ في القبض " فطرحته ورجعت ، وبي ما لا يعلمه إلا اللَّه من قتل أخي ، وأخذ سلبي ، وقلتُ وعسى أن يعطي هذا من لم يبل بلائي ، فما جاوزت إلاَّ قليلاً حتى جاءنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزل اللَّهُ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ } فقال : يا سعدُ إنَّك سألتني السيف ، وليس لي ، وإنه قد صار لي فخذه " . قال القاضي : " وكلُّ هذه الوجوه تحتمله الآية ، وليس فيها دلالةٌ على ترجيحِ بعضها على البعض . فإن صحَّ دليلٌ على اليقين قضي به ، وإلاَّ فالكلُّ محتملٌ ، وإرادة الجميع جائزة فلا تناقض فيها " . قوله : { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } أي : حكمها للَّهِ ورسوله يقسمانها كما شاءا . قال مجاهد ، وعكرمة ، والسديُّ : إنها نسخت بقوله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] . وهو قول ابن عباس في بعض الروايات . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي ثابتةٌ غير منسوخة ، ومعنى الآية : قل الأنفال للَّه في الدنيا والآخرة ، وللرسُول يضعها حيثُ أمره اللَّهُ ، أي : الحكمُ فيها لله ورسوله ، وقد بيَّن الله مصارفها في قوله : { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } [ الأنفال : 41 ] الآية . قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } وتقدَّم الكلام على ذات في آل عمران ، وهي هنا صفةٌ لمفعولٍ محذوف تقديره : وأصلِحُوا أحْوالاً ذات افتراقكم وذات وصلكم أو ذات المكان المتصل بكم ، فإنَّ " بَيْن " قد قيل : إنه يراد به هنا : الفِراقُ أو الوصلُ ، أو الظَّرف ، وقال الزجاجُ وغيره : إنَّ ذات هنا بمنزلة حقيقة الشَّيء ونفسه ، وقد أوضح ذلك ابنُ عطيَّة . وقال أبُو حيَّان : " والبينُ الفراقُ ، وذات نعت لمفعولٍ محذوف ، أي : وأصلحُوا أحوالاً ذات افتراقكم ، لمَّا كانت الأحوالُ ملابسةً للبين أضيفت صفتها إليه ، كما تقول : اسقني ذا إنائك ، أي : ماءً صاحب إنائك ، لمَّا لابس الماءُ الإناءَ وصف بـ " ذَا " وأضيفَ إلى الإناءِ ، والمعنى : اسْقِنِي ما في الإناءِ من الماء " . قوله : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . قال ابن عطيَّة : جواب الشرط المتقدم في قوله وأطيعُوا هذا مذهبُ سيبويه ، ومذهب المبرد : أنَّ الجواب محذوفٌ متأخر ، ومذهبه في هذا ألاَّ يتقدَّم الجوابُ على الشرط وهذا الذي ذكرهُ نقل النَّاسُ خلافه ، نقلوا جواز تقديم جواب الشرط عليه عن الكوفيين ، وأبي زيد ، وأبي العبَّاس ، واللَّهُ أعلمُ . ويجوز أن يكون للمبرِّد قولان ، وكذا لسيبويه ؛ لأنَّ قوله : { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } يقتضي أن تكون الغنائم كلها للرسول . ومعنى الآية : اتَّقُوا اللَّه بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة ، والمخالفة ، وتسليم أمر القسمة إلى الله والرسول : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي : إنَّ الإيمان الذي دعاكم الرسول إليه لا يتم إلا بالتزام الطَّاعة ، فاحذروا الخروج والمخالفة ، واحتجَّ من قال : ترك الطَّاعة يوجب زوال الإيمان بهذه الآية ؛ لأنَّ المعلَّق بكلمة " إنْ " على الشَّيء عدم عند عدم الشَّيء .