Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 36-37)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ } الآية . لمَّا شرح أحوال الكفَّار في طاعاتهم البدنية ، أتبعها بشرح أحوالهم في الطَّاعات الماليَّةِ . قال مقاتل والكلبيُّ : نزلت في المُطعمين يوم بدر ، وكانوا اثني عشر رجلاً من كبار قريش ، كان يطعم كلُّ واحد منهم كل يوم عشر جزر . وقال سعيدُ بن جبيرٍ : نزلت في أبي سفيان وإنفاقه المال على حرب محمد يوم أحد ، وكان قد استأجر ألفين من الأحابيش سوى من استجاش من العربِ ، وأنفق عليهم أربعين أوقية ، والأوقية : اثنان وأربعون مثقالا ، هكذا قاله الزمخشريُّ . ثُم بيَّن تعالى أنهم إنَّما ينفقون المال : { ليصُدُّوا عن سبيلِ اللَّه } أي : غرضهم من الإنفاق الصد عن اتباع محمد وهو سبيل الله ، وإن لم يكن عندهم كذلك . قال : { فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } أي : أنَّ هذا الإنفاق يكون عاقبته حسرة ؛ لأنَّهُ يذهب المال ولا يحصل المقصودُ ، بل يغلبون في آخر الأمر . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } وإنَّما خصَّ الكفار ، لأن فيهم من أسلم . قوله { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ } قد تقدَّم الكلامُ فيه في آل عمران : [ 179 ] . والمعنى : ليميزَ اللَّهُ الفريق الخبيث من الكُفَّارِ من الفريق الطَّيب من المؤمنين ، فيجعل الفريق الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً ، أي : يجمعهم ويضمُّهم حتَّى يتراكموا . " أولَئِكَ " إشارةً إلى الفريق الخبيثِ ، وقيل : المرادُ بالخبيثِ : نفقة الكَافِرِ على عداوة محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - ، وبالطَّيِّب : نفقة المؤمن في جهاد الكفار ، كإنفاقِ أبي بكر وعثمان في نصرة الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فيضم تعالى تلك الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض فيلقيها في جهنَّم ، ويعذبهم بها ، كقوله تعالى : { فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } [ التوبة : 35 ] فاللاَّمُ في قوله { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ } على القول الأوَّلِ متعلقة بقوله تعالى : { يُحْشَرُونَ } أي : يحشرون ليميز اللَّهُ الفريق الخبيث من الفريق الطيب ، وعلى القول الثاني متعلقة بقوله : { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } و " يَجْعَلَ " يحتمل أن تكون تصييريةً ، فتنصبَ مفعولين ، وأن تكون بمعنى الإلقاء ، فتتعدَّى لواحد ، وعلى كلا التقديرين فـ " بَعْضَهُ " بدل بعضٍ من كل ، وعلى القول الأوَّلِ يكون " عَلَى بعضٍ " في موضع المفعول الثَّاني ، وعلى الثَّاني يكون متعلقاً بنفس الجَعْل ، نحو قولك : ألقَيْتَ متاعك بعضه على بعض . وقال أبُو البقاءِ ، بعد أن حكم عليها بأنَّها تتعدَّى لواحدٍ : " وقيل : الجار والمجرور حالٌ تقديره : ويجعل الخبيث بعضه عالياً على بعض " . ويقال : مَيَّزْتُه فتمَيَّزَ ، ومزْتُه فانمازَ ، وقرىء شاذاً : { وانْمَازُوا الْيَوْمَ } [ يس : 59 ] ؛ وأنشد أبو زيدٍ : [ البسيط ] @ 2706 - لمَّا نَبَا اللَّهُ عَنِّي شرَّ غُدْرَتِهِ وانْمَزْتُ لا مُنْسِئاً ذُعْراً ولا وَجِلا @@ وقد تقدَّم الفرق بين هذه الألفاظ في آل عمران [ 179 ] . قوله " فَيَرْكُمَهُ " نسقٌ على المنصوبِ قبله ، والرَّكْمُ جمعك الشَّيء فوق الشيء ، حتى يصير رُكَاماً مركوماً كما يُركم الرمل والسحاب ، ومنه : { سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } [ الطور : 44 ] والمُرْتَكَم : جَادَّة الطريق للرَّكْم الذي فيه أي : ازدحام السَّبابلة وآثارهم ، و " جَمِيعاً " حالٌ ، ويجوزُ أن يكون توكيداً عند بعضهم ثم قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } إشارة إلى الذين كفرُوا .