Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 38-40)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } الآية . فصل لمَّا بينَّ ضلالهُم في عباداتهم البدنية ، والمالية ، أرشدهم إلى طريق الصَّواب ، وقال : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } . وفي هذه اللاَّم الوجهان المشهوران : الأول : أنَّها للتبليغ ، أمر أن يُبلِّغَهُم معنى هذه الجملةِ المحكيةِ بالقول ، وسواء أوردها بهذا اللفظ أم بلفظٍ آخرَ مؤدٍّ لمعناها . والثاني : أنها للتعليل ، وبه قال الزمخشريُّ . ومنع أن تكون للتبليغ ، فقال : " أي قل لأجلهم هذا القول : " إن ينتَهُوا " ، ولو كان بمعنى خاطبهم به ، لقيل : إن تَنْتَهُوا يغفر لكم وهي قراءةُ ابن مسعود ، ونحو { وقال الذين كفرُوا لِلَّذينَ آمنوا لو كانَ خَيْراً ما سَبقُونَا إليْهِ } خاطبوا به غيرهم لِيسمْعَوهُ " وقرىء " يَغْفره " مبنياً للفاعل ، وهو ضمير يعود على الله تعالى . فصل المعنى : قُل للَّذين كفرُوا إن ينتهوا عن الكُفْر وعداوة الرَّسُولِ ويسلموا { يُغْفَرْ لهُم ما قد سلفَ } من كفرهم وعداوتهم للرَّسُولِ ، وإن عَادُوا إليه ، وأصَرُّوا عليه : { فقدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلينَ } في نُصرةِ الله أنبياءه ، وأولياءه ، وإهلاك أعداءه ؛ فليتوقَّعُوا مثل ذلك . وقال يحيى بنُ معاذ الرازي : توحيد ساعة لم يعجز عن هدم ما قبله من كُفْرٍ ، وأرجو ألاَّ يعجز عن هدم ما بعده من ذنب . واستدلُّوا بهذه الآية على صحَّة توبة الزِّنديقِ ، وأنها تقبل ، واستدلوا بها أيضاً على أنَّ الكفَّار ليسوا مخاطبين بالفروع ؛ لأنَّها لا تصح منهم في حال الكفر ، وبعد الإسلام لا يلزم قضاؤها . واحتجُّوا بها أيضاً على أنَّ المرتد إذا أسلم لا يلزمه قضاء العبادات الَّتي تركها في حال الردَّةِ . قوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } الآية . لمَّا بينَّ أن الكفار إن انتهوا عن الكفر غفر لهم ، وإن عادوا فهم متوعدون ، أتبعه بأن أمر بقتالهم إذا أصروا ، فقال : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } . وقال عروة بن الزبير : " كان المؤمنون يفتنون عن دين اللَّهِ في مبدأ الدَّعْوَة ، فافتتن بعض المسلمين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يخرجوا إلى الحبشةِ ، وفتنة ثانية وهي أنه لمَّا بايعت الأنصارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة ، أرادت قريش أن يفتنوا المؤمنين بمكَّة عن دينهم ؛ فأصاب المؤمنين جهدٌ شديدٌ ، فهذا هو المراد من الفتنةِ ؛ فأمر اللَّهُ بقتالهم حتَّى تزول هذه الفتنة " . قال المفسِّرُون : { حتَّى لا تكون فتنةٌ } أي : شِرْك . وقال الربيعُ : " حتَّى لا يفتن مؤمن عن دينه " . قال القاضي " إنه تعالى أمر بقتالهم ، ثم بيَّن له قتالهم ، فقال : { حتَّى لا تكُون فتنةٌ } ويخلص الدِّين الذي هو دينُ الله من سائر الأديانِ ، وإنَّما يحصل هذا المقصود إذا زال الكفر بالكليَّة " ، " ويكون " العامَّةُ على نصبه ، نسقاً على المنصُوبِ مرفوعاً على الاستئناف . قوله " فإن انتهَواْ " عن الكُفْرِ والمعاصي ، بالتَّوبة والإيمان ، فإنَّ اللَّه عالم لا يخفى عليه شيء يوصل إليهم ثوابهم . قرأ الحسنُ ويعقوبُ وسليمانُ بن سلام : " بما تَعْمَلُون " بتاء الخطابِ ؛ " وإن تولَّوْا " أي : عن التوبة والإيمان ، { فاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مولاكُمْ } أي : وليكم وهو يحفظكم ، ويدفع البلاء " عَنْكُم " . وفي " مَولاكُمُ " وجهان : أظهرهما : أنَّ " مَولاكُم " هو الخبر ، و " نِعْمَ المَوْلَى " جملةٌ مستقلةٌ سيقت للمدح . والثاني : أن يكون بدلاً من " اللَّه " والجملةُ المدحيَّةُ خبر لـ " أنَّ " والمخصوصُ بالمدحِ محذوف ، أي : نِعْمَ المولى اللَّهُ ، أو ربُّكُم . وكلُّ ما كان من حماية هذا المولى ، ومن كان في حفظه ، كان آمناً من الآفات مصوناً عن المخوفات .