Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 3-4)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } ذكر الصَّلاة ؛ لأنَّها رأسُ الطاعات الظاهرة ثم بذل المال في مرضاة اللَّهِ ؛ فيدخل فيه الزكاة والصدقات ، والنَّفقة في الجهادِ ، وعلى المساجد والقناطر . قال المعتزلة : أجمعت الأمةُ على أنَّه لا يجوزُ الإنفاق من الحرامِ ، فدلَّ على أنَّ الحرامَ لا يكون رزقاً وقد تقدم البحثُ فيه . وقوله : " الَّذين يُقيمُونَ " يجوزُ في هذ الموصول أن يكون مرفوعاً على النَّعْتِ للموصول أو على البدلِ ، أو على البيان له ، وأن يكون منصوباً على القطع المُشعِر بالمدْحِ . قوله : { أُوْلَۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } يجوز في حقًّا أن يكون صفة لمصدر محذوف ، أي : هم المؤمنون إيماناً حقاً ، ويجوز أن يكون مؤكداً لمضمون الجملة ، كقولك : هو عبد الله حقاً ، والعاملُ فيه على كلا القولين مُقدَّرٌ ، أي : أحقُّه حقاً ، ويجوز وهو ضعيفٌ جدّاً أن يكون مؤكِّداً لمضمون الجملةِ الواقعةِ بعده وهي : لَهُم درجاتٌ ويكون الكلامُ قد تمَّ عند قوله : هُمُ المُؤمِنُونَ ثم ابتدأ بـ { حَقًّا لهُمْ درجات } وهذا إنَّما يجوزُ على رأي ضعيف ، أعني تقديم المصدر المؤكِّد لمضمون جملة عليها . قوله : عِندَ ربِّهِمْ يجوزُ أن يكون متعلقاً بـ " دَرَجَاتٌ " ، لأنَّها بمعنى أجُورٌ ، وأن يتعلَّق بمحذوفٍ ؛ لأنَّها صفةٌ لـ " درجاتٌ " أي : اسْتقرَّت عند ربهم ، وأن يتعلَّق بما تعلَّق به لَهُمْ من الاستقرار . فصل قوله : { أُوْلَۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } أي : يقيناً ، قال ابنُ عبَّاسٍ : برءوا من الكفر ، قال مقاتل : حَقًّا لا شكَّ في إيمانهم ، وفيه دليلٌ على أنَّه ليس لكل أحد أن يصف نفسه بكونه مؤمناً حقّاً ؛ لأنَّ الله تعالى إنَّما وصف بذلك أقواماً مخصوصين على أوصاف مخصوصة ، وكلُّ أحدٍ لا يتحقَّقُ وجود ذلك الأوصاف فيه وقال ابنُ أبي نجيح : سألَ رجلٌ الحسن فقال : أمؤمن أنت ؟ فقال : إن كنت تسألني عن الإيمان باللَّه وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والجنَّة ، والنَّار ، والبعث ، والحساب ، فأنا بها مؤمن وإن كنت تسألني عن قوله : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [ الأنفال : 2 ] الآية ، فلا أدري أمنهم أنا أم لا ؟ . وقال علقمةُ : كنا في سفر فلقينا قوماً فقلنا : من القومُ ؟ فقالوا : نحنُ المؤمنون حقاً ، فلم ندر ما نجيبهم حتَّى لقينا عبد الله بن مسعود ، فأخبرناه بما قالوا : قال : فما رَدَدْتُمْ عليهم ؟ قلنا : لم نردّ عليهم شيئاً ، قال : أفلا قلتم أمِنْ أهلِ الجنَّة أنتم ؟ إنَّ المؤمنين أهلُ الجنَّةِ . وقال سفيانُ الثوريُّ : من زعم أنَّهُ مؤمن حقاً عند الله ، ثم لم يشهدْ أنَّه في الجنَّة فقد آمن بنصف الآية دون النِّصف . ثم قال تعالى : { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ } قال عطاءٌ : بمعنى : درجات الجنَّةِ يرتقونها بأعمالهم ، قال الربيعُ بنُ أنس : سبعون درجة بين كلِّ درجتين حضر الفرس المضمر سبعين سنة " ومَغْفرةٌ " لذنوبهم وَرِزقٌ كريمٌ حسن . قال الواحديُّ : قال أهل اللُّغةِ : الكريمُ : اسم جامع لكل ما يحمدُ ويستحسنُ ، والكريم المحمود فيما يحتاج إليه فاللَّهُ تعالى موصوفٌ بأنه كريم ، والقرآنُ موصوف بأنَّه كريم ، قال تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [ الواقعة : 77 ] وقال تعالى : { مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } [ الشعراء : 7 ] { وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً } [ النساء : 31 ] وقال : { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } [ الإسراء : 23 ] فالرزق الكريم هو الشريفُ الفاضل الحسن .