Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 60-63)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ } . لمَّا أوجب على رسوله أن يُشرِّد من صدر منه نقض العهدِ ، وأن ينبذ العهد إلى من خاف منه النَّقض أمره في هذا الآية بالإعداد للكُفَّارِ . وقيل : إنَّ الصحابة لمَّا قصدوا الكفار يوم بدر بلا آلة ولا عدة أمرهم الله تعالى ألاَّ يعودوا لمثله ، وأن يعدُّوا للكفار ما أمكنهم من آلة وعدة وقوة . والإعداد : اتخاذ الشيء لوقت الحاجة . والمراد بالقوة : الآلات التي تكون لكم قوة عليهم من الخيل والسلاح . قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - على المنبر " ألا إنَّ القُوَّة الرَّمي ألا إنَّ القُوَّة الرَّمي ألا إنَّ القُوَّة الرَّميُ " . وقال بعضهم : القوة هي الحصون . وقال أهل المعاني : هذا عام في كل ما يتقوى به على الحرب . وقوله عليه الصلاة والسلام " القُوَّةُ هي الرَّمْيُ " لا ينفي كون غير الرمي معتبراً ، كقوله عليه الصلاة والسلام : " الحَجُّ عرفة " و " النَّدمُ توْبةٌ " لا ينفي اعتبار غيره . فإن قيل : قوله : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم } كان يكفي ، فلم خصَّ الرمي والخيل بالذكر ؟ . فالجوابُ : أنَّ الخيل لما كانت أصل الحروب وأوزارها الَّتي عقد الخير في نواصيها ، وهي أقوى الدّواب وأشد العدة وحصون الفرسان ، وبها يُجالُ في الميدان ، خصَّها بالذِّكر تشريفاً وأقسم بغبارها تكريماً ، فقال : { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } [ العاديات : 1 ] الآياتُ ، ولمَّا كانت السهامُ من أنجع ما يتعاطى في الحروب والنكاية في العدوِّ ، وأقربها تناولاً للأرواح ، خصَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر لها ؛ ونظير هذا قوله تعالى : { وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [ البقرة : 89 ] بعد ذكر الملائكة ، ومثله كثير . قوله " مِن قُوَّةٍ " في محلِّ نصبٍ على الحالِ ، وفي صاحبها وجهان : أحدهما : أنَّهُ الموصول ، والثاني : أنه العائد عليه ، إذ التقديرُ : ما استطعتموه حال كونه بعض القوة ، ويجوزُ أن تكون " مِنْ " لبيان الجِنْسِ . قوله : " ومِن ربَاطِ " ، جوَّزُوا فيه أن يكون جمع " رَبْط " مصدر : رَبَط يَربط ، نحو : كَعْب وكِعَاب ، وكَلْب وكِلاب ، وأن يكُون مصدراً لـ " رَبَطَ " ، نحو : صَاحَ صِيَاحاً . قالوا : لأنَّ مصادر الثلاثي لا تنقاس ، وأن يكون مصدر : " رَابِط " ، ومعنى المفاعلة : أنَّ ارتباط الخيل يفعله كلُّ واحد لفعل الآخر ، فيرابط المؤمنون بعضهم بعضاً ، قال معناه ابن عطيَّة . قال أبُو حيَّان : قوله " مصادرُ الثلاثي غير المزيد لا تَنْقَاسُ " ليس بصحيحٍ ، بل لها مصادر منقاسةٌ ذكرها النحويون . قال شهابُ الدِّين : " في المسألة خلافٌ مشهور ، وهو لم ينقل الإجماع على عدم القياسِ حتى يرُدَّ عليه بالخلاف ؛ فإنَّهُ قد يكون اختيار أحد المذاهب ، وقال به ، فلا يُردُّ عليه بالقول الآخر " . وقال الزمخشريُّ : " والرِّباط : الخَيْلُ التي تُرْبط في سبيل الله ويجوز أن يُسمَّى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة ، ويجوزُ أن يكون جمع : رَبيط يعني : بمعنى مَربُوط ، كـ : فَصِيل وفِصَال . والمصدرُ هنا مضافٌ لمفعوله " وقرأ الحسنُ ، وأبو حيوة ، ومالك بن دينار : " ومِنْ رُبُط " بضمتين ، وعن الحسن أيضاً " رُبْط " بضم وسكون ، نحو : كتاب وكُتْب . قال ابنُ عطيَّة " وفي جَمْعه ، وهو مصدرٌ غيرُ مختلفٍ نظرٌ " . قال شهابُ الدِّين " لا نُسَلِّم والحالةُ هذه أنه مصدر ، بل حكى أبو زيدٍ أنَّ " الرِّبَاط " الخمسةُ من الخيلِ فما فوقها ، وأن جمعها " رُبُط " ولو سُلِّم أنَّهُ مصدرٌ فلا نُسَلِّم أنَّهُ لم تختلف أنواعه ، وقد تقدَّم أنَّ " رباطاً " يجوزُ أن يكون جمعاً لـ " رَبْط " المصدر ، فما كان جواباً هناك ، فهو جوابٌ هنا " . فصل قال القرطبي : " روى أبُو حاتمٍ عن أبي زيد : الرِّباطُ من الخيل : الخَمْسُ فما فوقها ، وجماعته " رُبُط " ، وهي التي ترتبط ، يقال منه : رَبَطَ يَرْبط ربطاً ، وارتبط يرتبط ارتباطاً ومربط الخيل ومرابطها وهي ارتباطها بإزاء العدو " قال : [ الكامل ] @ 2728 - أمَرَ الإلهُ بربْطِهَا لِعَدُوِّهِ في الحَرْبِ إنَّ اللَّهَ خَيْرُ مُوفِّقِ @@ روي أنَّ رجلاً قال لابن سيرين : إنَّ فلاناً أوْصَى بثلثِ ماله للحصون ، فقال : هي للخيل ؛ ألم تسمع قول الشاعر : [ الكامل ] @ 2729 - ولَقَدْ علِمْتُ عَلَى تَجَنُّبِيَ الرَّدَى أنَّ الحُصُونَ الخَيْلُ لا مَدَرُ القُرَى @@ قال عكرمة : " رباط الخَيْلِ : الإناث " وهو قول الفرَّاء ؛ لأنها اولى ما يربط لتناسلها ونمائها ، ذكرهُ الواحديُّ . ولقائل أن يقول : بل حمل اللَّفظ على الفُحُولِ أولى ؛ لأنَّ المقصود برباط الخَيْلِ المحاربة عليها ، والفحول أقوى على الكر والفر والعدو ، فوجب تخصيص هذا اللفظ بها . ولمَّا تعارض هذان الوجهان وجب حمل اللفظ على مفهومه الأصلي ، وهو كونه خيلاً مربوطاً سواء كانت فحولاً أو إناثاً . وروي عن خالد بن الوليد " أنه كان لا يركبُ في القتال إلا الإناث ، لقلَّة صهيلها " . روى ابن محيريز قال : " كان الصَّحابةُ يستحبُّون ذكور الخيل عند الصفوف ، وإناث الخيل عند الشتات والغارات " . قال عليه الصَّلاة والسَّلام : " الخَيْلُ مَعْقُودٌ بنواصيها الخَيْرُ إلى يومِ القيامةِ الأجْرُ والمَغْنَمُ " وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَن احتبس فرساً في سبيل اللَّهِ إيماناً باللَّهِ ، وتصْديقاً بوعْدِهِ ، كان شبعه وريُّةُ وبولُهُ حسنات في ميزانِهِ يوْمَ القيامةِ " . فصل وهذه الآية تدل على جواز وقف الخيل والسلاح ، واتخاذ الخزائن والخزان [ لها عدة ] للأعداء ، ويؤيدهُ حديث ابن عمر في الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله ، وقوله عليه الصلاة والسلام في حقِّ خالد : " وأمَّا خَالدٌ فإِنَّكُم تَظْلمُونَ خالِداً فإنَّه قَد احْتبسَ أدْراعَهُ وأعْتَادَهُ في سبيلِ اللَّهِ " . وما روي أنَّ امرأة جعلت بعيراً في سبيل اللَّهِ ، فأرادَ زوجُها الحجَّ ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ادفعيه إليه ليحج عليه فإن الحجَّ فريضةٌ من اللَّهِ " ؛ ولأنَّهُ مال ينتفع به في وجه قربة ، فجاز أن يوقف كالرباع . ثم إنه تعالى ذكر ما لأجله أمر بإعداد هذه الأشياء . فقال : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ؛ لأنَّ الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ، مستعدين له بجميع الأسلحة والآلات هابوهم . قوله " تُرْهِبُونَ " يجوزُ أن يكون حالاً من فاعل : " أعِدُّوا " ، أي : حَصِّلُوا لهم هذا حال كونكم مُرْهِبين ، وأن يكُون حالاً من مفعوله ، وهو الموصولُ ، أي : أعِدُّوه مُرْهَباً بِهِ . وجاز نسبته لكلٍّ منهما ؛ لأنَّ في الجملة ضميريها ، هذا إذا أعدنا الضمير من " بِهِ " على " ما " الموصولة ، أمَّا إذا أعَدْنَاه على الإعدادِ المدلُولِ عليه بـ " أعِدُّوا " ، أو على " الرِّباط " ، أو على : " القُوَّةِ " بتأويل الحول ؛ فلا يتأتَّى مجيئُها من الموصول ، ويجوز أن يكون حالاً من ضمير " لَهُمْ " ، كذا نقله أبو حيَّان عن غيره ، فقال : " تُرْهبون " قالوا : حال من ضمير " أعِدُّوا " ، أو من ضمير " لهم " ، ولم يتعقَّبْهُ بنكير ، وكيف يصحُّ جعله حالاً من الضمير في " لَهُمْ " ولا رابط بينهما ؟ ولا يصحُّ تقدير ضمير في جملة " تُرهبون " لأخذه معموله . وقرأ الحسنُ ويعقوبُ ، ورواها ابن عقيل عن أبي عمرو : " تُرَهِّبُون " مضعَّفاً عدَّاه بالتضعيف ، كما عدَّاه العامَّةُ بالهمزةِ ، والمفعول الثَّاني على كلتا القراءتين محذوف ؛ لأنَّ الفعل قبل النَّفْلِ بالهمزة ، أو بالتَّضعيف متعدٍّ لواحد ، نحو : " رَهَّبْتُك " والتقدير : تُرهِّبون عدوَّ اللَّه قتالكم ، أو لقاءكم . وزعم أبو حاتم أنَّ أبا عمرو نقل قراءة الحسن بياء الغيبة وتخفيف " يُرْهبون " ، وهي قراءة واضحة ، فإنَّ الضمير حينئذٍ يرجع إلى من يرجع إليهم ضمير " لَهُمْ " ، فإنَّهُم إذا خافوا خَوَّفُوا من وراءهم . قوله " عَدُوَّ اللَّهِ " العامَّة قرءوا بالإضافة ، وقرأ السلميُّ منوناً ، و " لِلَّه " بلام الجرِّ ، وهو مفرد ، والمراد به الجنس ، فمعناه : أعداء لله . قال صاحبُ اللَّوامح " وإنما جعله نكرةً بمعنى العامَّة ؛ لأنَّها نكرةٌ أيضاً لم تتعرَّف بالإضافة إلى المعرفة ؛ لأنَّ اسم الفاعل بمعنى الحالِ ، أو الاستقبال ، ولا يتعرَّف ذلك وإن أضيف إلى المعارف ، وأمَّا " وعَدُوَّكُمْ " فيجوزُ أن يكون كذلك نكرة ، ويجوز أن يتعرَّف لأنه قد أُعيد ذكره ، ومثله : رأيت صاحباً لكم ، فقال لي صاحبكم " يعني : أن " عَدُوًّا " يجوز أن يُلمحَ فيه الوصفُ فلا يتعرَّف ، وألاَّ يلمح فيتعرف . قوله " وآخَرِينَ " نسق على " عَدُوَّ اللَّهِ " ، و " مِن دُونِهِمْ " صفة لـ " آخرينَ " . قال ابن عطيَّة : " مِن دُونِهم " بمنزلة قولك : دون أن تكون هؤلاء ، فـ " دون " في كلام العربِ ، و " مِنْ دُونِ " تقتضي عدم المذكور بعدها من النَّازلة التي فيها القول ؛ ومنه المثل : [ الكامل ] @ 2730 - … وأمِرَّ دُونَ عُبَيْدةَ الوَذَمُ @@ يعني : أنَّ الظَّرفية هنا مجازية ، لأنَّ " دون " لا بد أن تكون ظرفاً حقيقة ، أو مجازاً . قوله { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } في هذه الآية قولان : أحدهما : أنَّ " علم " هنا متعدِّيةٌ لواحدٍ ؛ لأنها بمعنى " عرف " ، ولذلك تعدَّت لواحد . والثاني : أنَّها على بابها ، فتتعدى لاثنين ، والثاني محذوفٌ ، أي : لا تعلمونهم فازعين ، أو محاربين . ولا بُدَّ هنا من التَّنبيه على شيءٍ ، وهو أنَّ هذين القولين لا يجوز أن يكونا في قوله " اللَّهُ يَعْلمُهُم " بل يجب أن يقال : إنَّها المتعدية إلى اثنين ، وأنَّ ثانيهما محذوف ، لما تقدَّم من الفرق بين العِلْم والمعرفة . منها : أنَّ المعرفة تستدعي سَبْقَ جهل ، ومنها : أن متعلقها الذوات دون النسب ، وقد نصَّ العلماءُ على أنهُ لا يجوزُ أن يطلق ذلك - أعني الوصف بالمعرفةِ - على اللَّهِ تعالى . فصل قوله تعالى : { وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ } . قال الحسن وابن زيد : " هم المُنافقون " . " لا تعلمُونَهم " ؛ لأنهم معكم يقولون : لا إله إلا الله وقال مجاهدٌ ومقاتل : " هم بنُو قريظة " وقال السديُّ : " هم أهل فارس " . وروي ابنُ جريجٍ عن سلمان بن موسى قال : هم كُفَّارُ الجِن ، لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { وآخرين من دُونهم لا تَعْلمُونَهُم } فقال : إنَّهم الجنُّ ، ثم قال : " إنَّ الشَّيطانَ لا يُخَبِّل أحداً في دار فيها فرس حبيس " وعن الحسنِ : أنه قال : " صهيلُ الفرس يرهب الجن " . وقيل : المرادُ العدو من المسلمين ، فكما أنَّ المسلم يعاديه الكافر ، فقد يعاديه المسلم أيضاً . ثم قال تعالى : { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فهذا عام في الجهادِ وفي سائر وجوه الخيرات : " يُوفَّ إليْكُم " . قال ابنُ عبَّاسٍ : " يُوفَّ لكُم أجره " أي : لا يضيع في الآخرة أجره ؛ { وَأَنتُمْ لا تُظلَمُونَ } أي : لا تنقصون من الثَّواب . ولما ذكر ابن عباس هذا التفسير تلا قوه تعالى { آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً } [ الكهف : 33 ] . قوله تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } الآية . لمَّا بيَّن ما يرهب به العدو من القوة ، بيَّن بعده أنَّهم عند هذا الإرهاب إذا مالوا إلى المصالحة ، فالحكمُ قبولُ المصالحِة ، والجنوحُ : المَيْلُ ، وجَنَحَتِ الإبلُ : أمالت أعناقها ؛ قال ذو الرُّمَّةِ : [ الطويل ] @ 2731 - إذَا مَاتَ فوقَ الرَّحْلِ أحْيَيْتِ رُوحَهُ بِذكْراكِ والعِيسُ المَراسِيلُ جُنَّحُ @@ يقال : جَنَحَ اللَّيْلُ : أقْبَلَ . قال النضرُ بن شميلٍ : " جنح الرَّجلُ إلى فلانٍ ، ولفلان : إذا خضع له " والجُنُوح الاتِّباع أيضاً لِتضمُّنه الميل ؛ قال النَّابغة - يصفُ طيراً يتبع الجيش : [ الطويل ] @ 2732 - جَوَانِحُ قَدْ أيْقَنَّ أنَّ قبيلهُ إذا ما التقَى الجَمْعَانِ أوَّلُ غَالِب @@ ومنه " الجَوانِحُ " للأضلاع ، لميلها على حشوة الشخص ، والجناحُ من ذلك ، لميلانه على الطَّائر ، وقد تقدَّم الكلامُ على بعض هذه المادة في البقرة . قوله " لِلسَّلْمِ " تقدَّم الكلام على " السلم " في البقرة ، وقرأ أبو بكر عن عاصم هنا بكسر السين ، وكذا في القتال : " وتَدْعُوا إلى السَّلْم " ، ووافقه حمزة ما في القتال و " لِلسَّلْمِ " متعلق بـ " جَنَحُوا " . فقيل : يتعدَّى بها ، وبـ " إلى " . وقيل : هنا بمعنى " إلى " . وقرأ الأشهبُ العقيليُّ : " فاجْنُحْ " بضمِّ النُّون ، وهي لغة قيس ، والفتح لغة تميم . والضمير في " لها " يعود على " السلم " ؛ لأنَّها تذكَّرُ وتُؤنث ؛ ومن التَّأنيث قوله [ المتقارب ] . @ 2733 - وأقْنَيْتُ لِلْحربِ آلاتِهَا وأعْدَدْتُ للسِّلْمِ أوزارَهَا @@ وقال آخر : [ البسيط ] @ 2734 - السِّلْمُ تأخُذُ مِنْهَا ما رضيتَ بِهِ والحَرْبُ يَكْفيكَ منْ أنْفاسِهَا جُرَعُ @@ وقيل : أثبت الهاء في " لها " ؛ لأنَّهُ قصد بها الفعلة والجنحة ، كقوله : { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأعراف : 153 ] أراد : من بعد فعلتهم . وقال الزمخشريُّ : " السِّلْمُ تُؤنَّث تأنيث نقيضها ، وهي الحربُ " . وأنشد البيت المتقدم : السِّلم تأخذ منها . فصل قال الحسنُ وقتادةُ : هذه الآية نسخت بقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 5 ] . وقوله { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } [ التوبة : 29 ] . وقال غيرهما : ليست منسوخة ؛ لكنها تتضمَّنُ الأمر بالصُّلح إذا كان الصلاح فيه ، فإذا رأى مصالحتهم ، فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة وإن كانت القوة للمشركين جاز مهادنتهم عشر سنين ، ولا يجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه هادن أهل مكَّة عشر سنين ، ثم إنهم نقضُوا العهد قبل كمال المُدَّة . وقوله { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي : فوِّض الأمر فيما عقدته معهم إلى الله . { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } نبَّه بذلك على الزَّجر عن نقض العهد ؛ لأنَّهُ عالم بما يضمر العبد سميع لما يقوله . قال مجاهدٌ : " نزلت في قريظة والنضير " وورودها فيهم لا يمنع من إجرائها على ظاهر عمومها . قوله تعالى { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ } الآية . أي : يريدوا أن يغدروا ويمكروا بك . قال مجاهدٌ : يعني : بني قريظة { فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : بالأنصارِ . فإن قيل : لما قال : { هو الذي أيَّدك } فأي حاجة مع نصره إلى المؤمنين ، حتَّى قال " وبالمؤمنين " . فالجوابُ : أنَّ التَّأييدَ ليس إلا من الله ، لكنه على قسمين : أحدهما : ما يحصل من غير واسطة أسباب معتادة . والثاني : ما يحصلُ بواسطة أسباب معتادة . فالأول : هو المراد بقوله : " أيَّدكَ بنصْرِهِ " . والثاني : هو المرادُ بقوله : " وبالمؤمنين " . ثم بيَّن كيف أيد بالمؤمنين فقال { وألَّفَ بين قلوبهم } أي : بين الأوس والخزرج ، كانت بينهم إحن وخصومات ، ومحاربة في الجاهليَّة ، فصيَّرهم الله إخواناً بعد أن كانوا أعداءً ، وتبدلت العداوة بالمحبة القوية ، والمخالصة التَّامة ، ممَّا لا يقدر عليه إلاَّ الله تعالى . { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي : قادر قاهر ، يمكنه التصرف في القلوب ، ويقلبها من العداوة إلى الصداقة ومن النفرة إلى الرغبة ، حكيم يقول ما يقوله على وجه الإحكام والإتقان ، أو مطابقاً للمصلحة والصَّواب على اختلاف القولين في الجبر والقدر . فصل احتجوا بهذه الآية على أن أحوال القلوب من العقائد ، والإرادات كلها من خلق الله تعالى ؛ لأن تلك الألفة ، والمودة ، إنَّما حصلت بسب الإيمان ومتابعة الرسول - عليه الصلاة والسلام - فلو كان الإيمانُ فعلاً للعبد لا فعلاً لله تعالى ، لكانت المحبَّة المترتبة عليه فعلاً للعبد لا فعلاً لله تعالى ، وذلك خلاف صريح الآية . قال القاضي : " لَوْلاَ ألطافُ الله تعالى ساعةً فساعةً ، لما حصلت هذه الأحوال ، فأضيفت تلك المخالصة إلى الله تعالى بهذا التَّأويل ، كما يضافُ علم الولد وأدبه إلى أبيه ، لأجل أنَّه لم يحصل ذلك إلاَّ بمعونة الأبِ وتربيته ، فكذا ههنا " . وأجيب : بأن كل ما ذكرتموه عدول عن الظاهر ، وحمل الكلام على المجاز ، وأيضاً فكل هذه الألطاف كانت حاصلة في حق الكُفار ، مثل حصولها في حقِّ المؤمنين ، فلو لم يحصل هناك شيء سوى الألطاف ؛ لم يكن لتخصيص المؤمنين بهذه المعاني فائدة ، وأيضاً فالبرهانُ العقلي مقوٍّ لهذا الظَّاهر ؛ لأن القلب يصح أن يصير موصوفاً بالرَّغْبَةِ بدلاً عن النُّفرة والعكس . فرجحان أحدِ الطَّرفين على الآخر لا بدَّ له من مرجِّح ، فإن كان المرجح هو العبدُ عاد التقسيم وإن كان هو الله تعالى ، فهو المقصود . فعلم أنَّ صريح هذه الآية متأكد بصريح البرهان العقلي ، فلا حاجة إلى ما ذكره القاضي .