Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 17-23)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } . أي : لُعِنَ . وقيل : عُذِّبَ ، والإنسان : الكافرُ . روى الأعمشُ عن مجاهدٍ قال : ما كان في القرآن من قتل الإنسان ، فإن ما عني به الكافر . قال النحويون : وهذا إما تعجبٌ ، أو استفهام تعجبٍ . قال ابن الخطيب : اعلم أنَّه - تعالى - لما ذكر ترفُّع صناديد قريش على فقراء المسلمين عجب [ عباده ] المؤمنين من ذلك ، فكأنَّه قيل : وأيُّ سببٍ في هذا الترفُّع مع أنَّه أوله نطفة مَذِرَة ، وآخره جِيفةٌ قذرةٌ ، وهو فيما بين الوقتين حمال عذرة ، فلا جرم أن يذكر - تعالى - ما يصلُح أن يكون علاجاً لعجبهم ، وعلاجاً لكفرهم فإنَّ خلقة الإنسان تصلُح لأن يستدلّ بها على وجود الصانع ، ولأن يستدل بها على القول بالبعث والحشر . قيل : نزلت في عتبةَ بنِ أبي لهبٍ ، والظاهر العموم . وقوله تعالى : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ } دعاء عليه بأشدِّ الأشياءِ ؛ لأنَّ القتل غاية شدائدِ الدُّنيا ، و { مَآ أَكْفَرَهُ } ، تعجُّبٌ من إفراطهِ في كفرانِ نعمةِ اللهِ . فإن قيل : الدعاء على الإنسان إنما يليق بالعاجز ، والقادر على الكُلِّ كيف يليق به ذلك ؟ والتعجب أيضاً إنما يليق بالجاهل بسبب الشَّيء ، فالعالمُ به كيف يليق ذلك بِهِ ؟ . فالجواب : أن ذلك ورد على أسلوب كلام العرب ، لبيان استحقاقهم لأعظم العقاب ، حيث أتوا بأعظم القبائحِ كقولهم إذا تعجَّبُوا من شيءٍ قاتلهُ اللهُ ما أخَسّه ، وأخزاه الله ما أظلمه ، والمعنى : اعجبوا من كفر الإنسان بجميع ما ذكرنا بعد هذا . وقيل : ما أكفرهُ بالله ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه ، والاستفهام بقوله : { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } قيل : استفهامُ توبيخٍ ، أي : أيُّ شيءٍ دعاهُ إلى الكفر . وقيل : استفهام تحقير ، له ، فذكر أوَّل مراتبه ، وهو قوله تعالى : { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ } ، ولا شك أن النطفة شيءٌ حقيرٌ مهينٌ ، ومن كان أصله ذلك كيف يتكبر ، وقوله : " فقدَّره " اي : أطواراً . وقيل : سوَّاه لقوله تعالى : { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } [ الكهف : 37 ] ، وقدَّر كُلَّ عُضوٍ في الكيفيَّة والكميَّة بالقدر اللائق لمصلحته ، لقوله تعالى : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان : 2 ] ، ثُمَّ لما ذكر المرتبة الوسطى قال تعالى : { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } . قيل : المراد : تيسير خروجه من بطنِ أمِّه ، ولا شكَّ أن خروجه حيًّا من أضيقِ المسالك من أعجب العجائبِ ، يقالُ : إنه كان رأسه في بطن أمه من فوقٍ ، ورجلاهُ من تحتٍ ، فإذا جاء وقت الخروج انقلب ، فمن الذي أعطاه ذلك الإلهام ، المراد منه قوله تعالى : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [ البلد : 10 ] ، أي : التمييز بين الخير والشرِّ . وقيل : مخصوصٌ بالدين . قوله تعالى : { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } . يجوز أن يكون الضمير للإنسان ، والسبيل ظرف ، أي : يسر للإنسان الطريق ، أي : طريق الخير ، والشر ، كقوله تعالى : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [ البلد : 10 ] . وقال أبو البقاء : ويجوز أن ينتصب بأنَّه مفعولٌ ثانٍ لـ " يسره " ، والهاء للإنسان ، أي : يسره السبيل ، أي : هداه له . قال شهاب الدين : فلا بد من تضمينه معنى " أعْطَى " حتى ينصب اثنين ، أو حُذف حرف الجر أي : يسَّره للسَّبيل ، ولذلك قدره بقوله : " هَداه له " ، ويجوز أن يكون " السَّبيل " منصوباً على الاشتغالِ بفعلٍِ مقدرٍ ، والضمير له ، تقديره : ثم يسِّر السبيل يسَّره ، أي : سهلهُ للناس ، كقوله تعالى : { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] ، وتقدَّم مثله في قوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } [ الإنسان : 3 ] . فصل في تفسير الآية روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهدٍ قالا : سبيل الشقاء والسعادة . وقال ابن زيد : سبيل الإسلام ، وقال أبو بكر بن طاهر : يسّر على كلّ أحد ما خلقهُ لهُ وقدره عليه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " اعْمَلُوا فكُلٌّ مُيسَّرٌ لمَا خُلِقَ لَهُ " . قوله تعالى : { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } هذه المرتبة الثالثة ، أي : جعل له قبراً يوارى فيه يقال : قبرهُ إذا دفنه ، وأقبرهُ ، أي : جعلهُ بحيث يقبر ، وجعل له قبراً إكراماً له ، ولم يجعله ممَّن يُلْقَى على وجه الأرض تأكله الطير . قاله الفراء . قال أبو عبيدة : " أقْبَرَهُ " جعل له قبراً ، وأمرَ أن يقبر ، والقَابِرُ : هو الدَّافن بيده ؛ قال : الأعشى : [ السريع ] @ 5108 - لَوْ أسْندَتْ مَيْتاً إلى نَحْرِهَا عَاشَ ولَمْ يُنْقَلْ إلى قَابرِ @@ يقال : قبرت الميت " أي " دفنته ، وأقبره الله أي : صيَّرهُ بحيثُ جعل لهُ قبراً . وتقول العرب : بترت ذنب البعير وأبتره الله ، وعضبت قرن الثور ، وأعضبه الله وطردت فلاناً ، والله أطرده ، أي : صَيَّره طريداً . قوله تعالى : { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } . أي : أحياه بعد موته ، ومفعول شاء محذوف ، أي : شاء إنشارهُ ، و " أنشره " جواب " إذا " . وقرأ العامة : " أنْشَرَ " ، بالألف . وروى أبو حيوة عن نافع وشعيب عن ابن أبي حمزة : " نَشَرهُ " ثلاثياً بغير ألف . ونقلها أبو الفضل أيضاً ، وقال : هما لغتان بمعنى الإحياء . قال ابن الخطيب : وإنَّما قال : " إذا شَاءَ أنشرهُ " إشعاراً بأنَّ وقته غير معلوم ، فتقديمه وتأخيره موكولٌ إلى مشيئة الله تعالى . قوله تعالى : { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } " كلاَّ " : ردعٌ للإنسان عن تكبُّره ، وترفعه ، وعن كفره ، وإصراره عن إنكار التوحيد ، وعلى إنكار البعث ، والحشر والنشر وقوله تعالى : { لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } قال مجاهد وقتادة : لا يقضي أحدٌ جميع ما أمر به ، وهو إشارة إلى أن الإنسان لا ينفكُّ عن تقصير ألبتَّة . قال ابن الخطيب : وعندي في هذا التفسير نظر ؛ لأن الضمير فيه عائد إلى المذكور السَّابق , وهو الإنسان في قوله تعالى : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } وليس المراد من الإنسان هنا : جميع الإنسان ، بل الإنسان الكافر ، فقوله تعالى : { لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } ، كيف يمكن حمله على جميع الناس ؟ . وقال ابن فورك : كلاَّ لما يقض الله ما أمره ، [ كلا لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان وترك التكبر ، بل أمره بما لم يقض له به وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول لما يقض ما أمره ] : لم يبال بالميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم - عليه الصلاة والسلام - . وقيل : المعنى : إن ذلك الإنسان الكافر لم يقض ما أمره به من التَّأمُّلِ في دلائل الله تعالى ، والتَّدبُّر في عجائب خلقه . قوله : " ما أمره " ، " ما " : موصولة . قال أبو البقاء : بمعنى " الذي " ، والعائد محذوف ، أي : ما أمره به . قال شهابُ الدين : وفيه نظر ، من حيثُ إنَّه قدر العائد مجروراً بحرف لم يجر الموصول ، ولا أمره به ، فإن قلت : " أمر " يتعدى إليه بحذف الحرف ، فاقدره غير مجرور . قلت : إذا قدرته غير مجرور فإمَّا أن تُقدِّره متصلاً أو منفصلاً ، وكلاهما مشكل ، لما تقدم في أول " البقرة " عند قوله تعالى : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ البقرة : 3 ] . وقال الحسن : " كلاَّ " معناه : " حقًّا " ، " لما يقض " : أي : لم يعمل بما أمره به . قال القرطبي : و " ما " في قوله : " لما " عماد للكلام ، كقوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 159 ] ، وقوله تعالى : { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } [ المؤمنون : 40 ] . وقال ابن الأنباريِّ : الوقف على " كلاَّ " قبيح ، والوقف على " أمره " و " نشره " جيد ، فـ " كلا " على هذا بمعنى حقًّا .