Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 11-16)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { كَلاَّ } وهو ردع عن المعاتب عليه وعن معاودة مثله . قال الحسن : لما تلا جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات عاد وجهه كأنما أسف الرماد فيه ينتظر ماذا يحكم الله عليه ، فلما قال : { كَلاَّ } سري عنه ، أي لا تفعل مثل ذلك قال ابن الخطيب : وقد بينا نحن أن ذلك محمول على ترك الأولى . وقوله : { إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } فيه سؤالان : الأول : قوله : { إِنَّهَا } ضمير المؤنث ، وقوله : { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } ضمير المذكر ، والضميران عائدان إلى شيء واحد ، فكيف القول فيه ؟ . الجواب : وفيه وجهان : الأول : أن قوله : { إِنَّهَا } ضمير المؤنث ، قال مقاتل : يعني آيات القرآن ، وقال الكلبي : يعني هذه السورة وهو قول الأخفش والضمير في قوله : { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } عائد إلى التذكرة أيضاً ، لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ . الثاني : قال صاحب النظم : إنها تذكرة يعني بها القرآن والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة أخرجه على لفظ التذكرة ، ولو ذكره لجاز كما قال في موضع آخر { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } والدليل على أن قوله : { إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } المراد به القرآن قوله { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } . فصل كيف اتصال هذه الآية بما قبلها ؟ الجواب : من وجهين : الأول : كأنه قيل : هذا التأديب الذي أوحيته إليك وعرفته لك في إجلال الفقراء وعدم الالتفات إلى أهل الدنيا أثبت في اللوح المحفوظ الذي قد وكل بحفظه أكابر الملائكة . الثاني : كأنه قيل : هذا القرآن قد بلغ في العظمة إلى هذا الحد العظيم ، فأي حاجة به إلى أن يقبله هؤلاء الكفار ، فسواء قبلوه أو لم يقبلوه فلا تلتفت إليهم ولا تشغل قلبك بهم ، وإياك أن تعرض عمن آمن به تطييباً لقلوب أرباب الدنيا . قوله : { ذَكَرَهُ } يجوز أن يكون الضمير لله تعالى ، لأن منزل التذكرة ، وأن يكون للتذكرة ، وذكر ضميرها ؛ لأنها بمعنى الذكر والوعظ . وقوله : { فَي صُحُفٍ } صفة لتذكرة . فقوله : { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } جملة معترضة بين الصفة وموصوفها ، ونحوها { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ المزمل : 19 ] ويجوز أن يكون " في صحف " خبراً ثانياً لـ " إنها " والجملة معترضة بين الخبرين . فصل اعلم أنه تعالى وصف تلك التذكرة بأمرين : الأول : قوله : { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } أي هذه تذكرة بينة ظاهرة بحيث لو أرادوا فهمها والاتعاظ بها والعمل بموجبها لقدروا عليه . والثاني : قوله : { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } أي تلك التذكرة معدة في هذه الصحف المكرمة ، والمراد من ذلك تعظيم حال القرآن والتنويه بذكره والمعنى أن هذه التذكرة مثبتة في صحف . والمراد من " الصحف " قولان : الأول : أنها صحف منتسخة من اللوح مكرمة عند الله تعالى مرفوعة في السماء السابعة أو مرفوعة المقدار مطهرة عن أيدي الشياطين ، أو المراد مطهرة بسبب أنها لا يمسها إلا المطهرون وهم الملائكة . قوله : { سَفَرَة } جمع سافر وهو الكاتب ومثله كاتب وكتبة ، وسفرت بين القوم أسفر سفارة أصلحت بينهم قال : @ 5107ج - فَمَا أدَعُ السِّفارةَ بَيْنَ قَومي ولا أمْشِي بغِشٍّ إن مَشَيْتُ @@ وسفرت المرأة : كشفت نقابها . وقوله : { كِرَامٍ } هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق ، ولا يشاركهم فيها سواهم ، وروى الضحاك عن ابن عباس في " كِرامٍ " قال : يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا بزوجته , أو تَبَرَّزَ لغائطهِ . وقيل : يُؤثِرُون منافعَ غيرهم على منافع أنفسهم . وقوله تعالى : { بَرَرَةٍ } جمع بارّ ، مثل : كافرٍ وكفرةٍ ، وساحرٍ وسحرةٍ وفاجرٍ وفجرةٍ ، يقال : برٌّ وبارٌّ ، إذا كان أهلاً للصِّدقِ ، برَّ فلان في يمينه أي : صدق ، وفلان يَبِرُّ خالقهُ ويتبرَّرهُ : أي : يُطِيعهُ ، فمعنى " بررة " أي : مطيعين لله صادقين الله في أعمالهم . فصل في المراد بالسفرة قال ابن الخطيب : قوله تعالى : { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } يقتضي أن طهارة تلك الصحف إنما حصلت بأيدي هؤلاء السَّفرة ، فقال القفالُ في تقريره : لمَّا كان لا يمسُّها إلا الملائكة المطهرون أضيف التطهير إليها لطهارة من يمسُّها . وقال القرطبي : إن المراد بقوله - تعالى - في سورة " الواقعة " : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة : 79 ] أنهم الكرام البررة في هذه السورة .