Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 81, Ayat: 1-14)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } : في ارتفاع الشمس وجهان : أصحهما : أنها مرفوعة بفعل مقدر مبني للمفعول ، حذف وفسَّره ما بعده على الاشتغال ، والرفع على هذا الوجه ، أعني : إضمار الفعل واجبٌ عند البصريين ؛ لأنهم لا يجيزون أن يليها غيره ، ويتَأوَّلُون ما أوهمَ خلافَ ذلكَ . والثاني : أنَّها مرفوعة بالابتداء ، وهو قول الكوفيين ، والأخفش ، لظواهر جاءت في الشعر ، وانتصر له ابن مالك . قال الزمخشري : ارتفاع " الشمس " على الابتداء ، أو الفاعليَّة ؟ . قلت : بل على الفاعلية ثم ذكر نحو ما تقدم ، ويعني بالفاعلية : ارتفاعها بفعل الجملة ، وقد مرَّ أنَّهُ يسمي مفعول ما لم يسم فاعله فاعلاً ، وارتفاع " النجوم " وما بعدها ، كما تقدَّم في " الشمس " . فصل في تفسير معنى التكوير قد تقدَّم تفسير التَّكوير في أول " تنزيل " . قيل : التَّلفيف على جهةِ الاستدارة ، كتكوير العمامة . وفي الحديث : " نعُوذُ باللهِ مِنَ الحَوْرِ بَعدَ الكَوْرِ " ، أي : من التشتت بعد الألفة . وقيل : من فساد أمورنا بعد صلاحها . والحَوْرُ : بالحاء المهملة والراء ؛ الطيُّ واللَّف ، والكورُ والتَّكويرُ واحدٌ . وسميت كارَّة القصار : كارة ؛ لأنه يجمع ثيابه في ثوب واحد . ثم إن الشيء الذي يلفّ يصير مختفياً عن الأعين ، فعبر عن إزالة النور عن جرم الشمس ، وغيبوبتها عن الأعين بـ " التكوير " . فلهذا قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما : تكويرها : إدخالها في العرش . وقال الحسنُ : ذهاب ضوئها ، وهو قول مجاهدٍ وقتادة . وروي عن ابن عباس أيضاً وسعيد بن جبير : غورت . وقال الرًّبيعُ بنُ خيثمٍ : " كُوِّرتْ " : رمي بها . ومنه كورته فتكور : أي : سقط . قال الأصمعي : يقال : طعنه فكوَّره وحوره أي : صرعه . فمعنى " كورت " : أي : ألقيت ورميت عن الفلك . وعن أبي صالح : " كورت " نكست . وقال ابن الخطيب : وروي عن عمر - رضي الله عنه - أن لفظة " كُوِّرتْ " مأخوذةٌ من الفارسية ، فإنه يقال للأعمى : كور . قوله : { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } أي : تناثرت وتساقطت . قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } [ الانفطار : 2 ] والأصل في الانكدار : الانصباب . قال الخليل : انكدر عليهم القول إذا جاءوا أرسالاً ، وانصبوا عليهم . وقال أبو عبيدة : انصبّ كما ينصب العقاب إذا كسرت ؛ قال العجاجُ يصفُ صقراً : [ الرجز ] @ 5119 - أبْصَرَ خِرْبَانَ فضَاءٍ فانْكَدرْ تَقضِّيَ البَازِيَ إذَا البَازِي كَسَرْ @@ روى ابن عباس - رضي الله عنهما - : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَبْقَى في السَّمَاءِ يَوْمَئذٍ نَجمٌ إلاَّ سَقطَ في الأرْضِ " . وروي ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن النجوم قناديلُ معلقةٌ بين السماء والأرض بسلاسلَ من نور بأيدي الملائكة ، فإذا مات من في السموات ، ومن في الأرض تساقطت تلك الكواكب من أيدي الملائكة ؛ لأنه مات من كان يمسكها . قال القرطبي : " ويحتمل أن يكون " انكدارها " : طمسَ آثارها ، وسميت النجوم نجوماً لظهورها في السماء بضوئها . وعن ابن عباس - أيضاً - : " انْكَدرَتْ " : تغيَّرت ، فلم يبق لها ضوءٌ لزوالها عن أماكنها ، والمعنى متقارب . قوله : { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } ، يعني : قطعت عن وجه الأرض وسيرت في الهواء ، لقوله تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } [ الكهف : 47 ] ، وقوله تعالى : { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } [ النبأ : 20 ] في الهواء ، لقوله تعالى : { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [ النمل : 88 ] . وقيل : سيرها أن تحوَّل عن صفة الجبال للحجارة ، فتكون كثيباً مهيلاً ، أي : رملاً سائلاً ، وتكون كالعِهْن ، وتكون هباءً منبثاً ، وتكون مثل السَّراب الذي ليس بشيءٍ ، وعادت الأرض قاعاً صفصفاً ، { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 107 ] . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } . العشار : جمع عشراء ، وهي : الناقة التي مر لحملها عشرة أشهر ، ثم هو اسمها إلى أن تضع في تمام السَّنة وكذلك يقال في جمع نفساء . قال القرطبي : وهو اسمها بعد ما تضع أيضاً ، ومن عادة العرب أن يسمُّوا الشيء باسمه المتقدم ، وإن كان قد جاوز ذلك ، يقول الرجل لفرسه وقد قرح : قربوا مهري يسميه بمتقدم اسمه ، وإنَّما خصَّ العشار بالذكر ؛ لأنَّها أعزُّ ما يكون عند العرب ، وهذا على وجه المثل ؛ لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء ، أو المعنى : أنَّ يوم القيامة بحالٍ لو كان للرجل ناقة عشراء لعطَّلها ، واشتغل بنفسه ، يقال : ناقة عشراء ، وناقتان عشراوتانِ ، ونوقٌ عشارٌ وعشراوات ، يبدلون من همزة التأنيث واواً . وقد عشرت الناقة تعشيراً : أي : صارت عشراء . وقيل : " العِشَارُ " : السَّحاب ، و " عطلت " : أي : لا تمطر . والعرب تشبه السحاب بالحامل ، قال تعالى : { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } [ الذاريات : 2 ] . وقيل : الأرض تعطل زرعها . والتعطيل : الإهمال ، ومنه قيل للمرأة : عاطل إذا لم يكن عليها حُليّ . وتقدم في " بئر معطلة " . قال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ 5120 - وجيدِ كَجيدِ الرِّئمِ لَيْسَ بفَاحِشٍ إذَا هِيَ نَصَّتْهُ ولا بِمُعَطِّلِ @@ وقرأ ابنُ كثير في رواية : " عُطِلت " بتخفيف الطاء . قال الرازي : هو غلطٌ ، إنما هو بفتحتين ، بمعنى : " تعطَّلتْ " ؛ لأن التشديد فيه للتعدي ، يقال : عطلت الشيء ، وأعطله فعطل . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } ، الوحوش : ما لم يتأنس به من حيوان البرّ ، والوحشُ أيضاً : المكان الذي لا أنس فيه ، ومنه : لقيته بوحش أي : ببلد قفر ، والوحشُ : الذي يبيت وجوفه خالياً من طعامٍ ، وجمعه : أوحاشٌ ، وسمِّي به المنسوب إلى المكان الوحشيّ : وحشي ، وعبر بالوحشيّ عن الجانب الذي يضاد الإنسي ، والإنسي : ما يقبل من الإنسان وعلى هذا وحشي الفرس وإنسيه . وقوله تعالى : { حُشِرَتْ } . أي : جمعت ، والحشرُ : الجمع قاله الحسنُ وقتادةُ وغيرهما . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : حشرها موتها ، رواه عكرمة ، وحشر كلِّ شيءٍ : الموت لغير الجن والإنس ، فإنهما يوافيان يوم القيامة . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : يحشَرُ كلُّ شيءٍ حتى الذباب . وعن ابن عباس - أيضاً - : يحشر الوحوش غداً ، أي : تُجمع ، حتى يقتصّ لبعضها من بعض ، فيقتص للجمَّاء من القرناء ثم يقال لها : كوني تراباً فتموت . وقرأ الحسن وابن ميمون : " حُشِّرت " بتشديد الشين . ومعنى الآية : أي : أنَّ الوحوش إذا كانت هذه حالها فكيف ببني آدم ؟ . وقيل : أي : أنَّها مع نفرتها اليوم من النَّاس ، وتبددها في الصحاري ، تنضمّ غداً إلى الناس من أهوال ذلك اليوم ؛ قاله أبي بن كعب . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } . قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمروٍ : " سُجِرتْ " بتخفيف الجيم . والباقون : بتثقيلها على المبالغة والتنكير . والمعنى : مُلئتْ من الماء ، والعرب تقول : سجرتُ الحوضَ أسجره سجراً إذا ملأتهُ ، وهو مسجورٌ ، والمسجورُ والسَّاجرُ في اللغة : المَلآن . وروى الربيع بن خيثمٍ : " سُجِّرَت " : فاضت وملئت ، قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ } [ الانفطار : 3 ] . وقال الحسن : اختلطت وصارت شيئاً واحداً . وقيل : أرسل عذبها على مالحها ، ومالحها على عذبها حتى امتلأت . وقال القشيريُّ : يرفع الله الحاجز الذي ذكره - تعالى - في قوله : { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } [ الرحمن : 20 ] ، فإذا رفع ذلك البرزج تفجَّرت مياه البحار ، فعمَّت الأرض كلَّها ، وصارت بحراً واحداً . وعن الحسن وقتادة وابن حيان : تيبس ، فلا يبقى من مائها قطرةٌ . قال القشيريُّ : وهو من سجرتُ التنور أسجره سجراً : إذا أحميته ، وإذا سلط عليه الإيقاد نشف ما فيه من الرُّطوبة ، وتقدم اشتقاق هذه المادة . قال القفالُ : وهذا التأويل يحتمل وجوهاً : الأول : أن تكون جهنم في قعر البحار ، فهي الآن غير مسجرة بقوام الدنيا ، فإذا انتهت مدة الدنيا أوصل الله تعالى تأثير ذلك النِّيران إلى البِحَار ، فصارت مسجورة بالكلية ، وهذا قولُ ابن زيد ، وعطية ، وسفيان ، ووهب ، وأبيّ ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عباس في رواية ، والضحاك - رضي الله عنهم - أوقدت فصارت ناراً . الثاني : قال ابن عباس : يُكوِّر الله تعالى الشمس ، والقمر ، والنجوم في البحار ، فتصير البحار مسجورة بسبب ذلك يبعث الله - تعالى - [ لها ] ريحاً دبوراً ، فتنفخه حتى تصير ناراً ، كذا جاء في الحديث . الثالث : أن يخلق الله - تعالى - تحت البحار نيراناً عظيمة حتى تسجر تلك المياه . قال ابن الخطيب : وهذه وجوه متكلِّفة ، ولا حاجة إلى شيء منها ؛ لأن القادر على تخريب الدنيا يقدر على أن يفعل في البحار ما شاء من تسجير مياهها ، ومن قلب مياهها ناراً من غير حاجةٍ إلى أن يلقي فيها الشمس والقمر ، أو يكون تحتها نار جهنم . قال القرطبيُّ : وروي عن ابنِ عمرو - رضي الله عنه - : لا يتوضأ بماء البحر لأنه طبق جهنم . وقال أبي بن كعب رضي الله عنه : ستّ آيات قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم إذا ذهب ضوءُ الشمس ، فتحيَّروا ودهشُوا ، فبينما هم كذلك ينظرون إذا تناثرت النجوم ، وتساقطت ، فبينما هم كذلك إذا وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحركت , واضطربت ، واحترقت , فصارت هباءً منبثاً ، ففزعتِ الجنُّ إلى الإنسِ ، وفزعتِ الإنسُ إلى الجنِّ ، واختلط الدواب ، والوحش ، والهوام والطير ، وماج بعضها في بعض ، فذلك قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } ، ثم قالت الجنُّ للإنس : نحن نأتيكم بالخبر ، فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجَّجُ ، فبينما هم كذلك إذا تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك إذا جاءتهم ريح ، فأماتتهم . وقال ابن الخطيب : وهذه العلامات يمكن أن تكون عند خراب الدنيا ، وأن تكون بعد القيامة . وقيل : معنى " سُجِّرتْ " يحمر ماؤها حتى يصير كالدَّم ، من قولهم : " عَيْنٌ سَجراءُ " . أي : حمراء . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } . العامة : على تشديد " الواو " من " زوَّجت " من التزويج . وروي عن عاصم : " زُوْوجَتْ " على وزن " فُوعِلتْ " . قال أبو حيان : " والمُفاعَلةُ " تكون من اثنين . قال شهابُ الدِّين : وهي قراءةٌ مشكلةٌ ؛ لأنَّه لا ينبغي أن يلفظ بواو ساكنة ، ثم أخرى مكسورة ، وقد تقدم أنه متى اجتمع مثلان ، وسكن أولهما وجب الإدغام حتى في كلمتين ، ففي كلمة واحدة أولى . فصل في المراد بالآية قال النُّعمانُ بنُ بشيرٍ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " { وإذَا النُّفوسُ زُوِّجَتْ } قال : " يُقْرَنُ كُل رجُلٍ مَعَ كُلِّ قومٍ كَانُوا يَعْملُونَ كعَملهِ " " . قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : يقرن الفاجرُ مع الفاجر ، ويقرن الصالحُ مع الصالحِ . وقال ابن عباس رضي الله عنه : ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة : السَّابقون زوج صِنْفاُ ، وأصحاب اليمين زوجٌ ، وأصحاب الشِّمال زوجٌ . وعنه أيضاً قال : زوجت نفوس المؤمنين بالحُورِ العينِ ، وقُرِنَ الكفَّار والمنافقون بالشَّياطينِ . وقال الزجاجُ : قُرنَت النفوسُ بأعمالها . وقيل : قرنت الأرواح بالأجساد أي : وقت ردت إليها قاله عكرمة . وقيل غير ذلك . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } . الموءودة : هي البِنْتُ تدفنُ حيَّة من الوأد ، وهو الثقل , لأنها تثقل بالتراب والجندل . يقال : وأد يَئِدُ ، كـ " وعد " " يعِد " . وقال الزمخشري : " وأدَ يئد " ، مقلوب من " آد يئود " إذا أثقل ، قال الله تعالى : { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } [ البقرة : 255 ] ؛ لأنه إثقال بالتراب . قال أبو حيان : ولا يدعى ذلك ؛ لأن كلاًّ منهما كامل التصرف في الماضي ، والأمر ، والمضارع والمصدر واسم الفاعل ، واسم المفعول ، وليس فيه شيء من مسوغات إدغام القلب ، والذي يعلم به الأصالة من القلب أن يكون أحد النظمين فيه حكم يشهدُ له بالأصالةِ ، والآخر ليس كذلك ، أو أكثر استعمالاً من الآخر ، وهذا على ما قرروهُ في أحكام علم التصريف . فالأول : كـ " يَئِسَ وأيِسَ " . والثاني : كـ " طَأمَن واطمَأنَّ " . والثالث : كـ " شوائع وشواعي " . والرابع : كـ " لعمري ، ورعملي " . قرأ العامة : " الموءودة " بهمزة بين واوين ساكنتين , كالموعودة . وقرأ البزي في رواية بهمزة مضمومة ، ثم واو ساكنة . وفيه وجهان : أحدهما : أن تكون كقراءة الجماعة ، ثم نقل حركة الهمزة إلى " الواو " قبلها ، وحذفت الهمزة فصار اللفظ : " الموودة " بواو مضمومة ، ثم أخرى ساكنة ، فقلبت " الواو " المضمومة همزة ، نحو " أجُوهٍ " في " وُجُوه " فصار اللفظ كما ترى ، ووزنها الآن " مَفْعُولة " ؛ لأن المحذوف " عين " . والثاني : أن تكون الجملة اسم مفعول من " آدَهُ يئوده " مثل " قَادَه يَقُودُه " ، والأصل : " مأوودة " ، مثل : " مقوودة " ، ثم حذف إحدى الواوين على الخلاف المشهور في الحذف من نحو : " مَقُول ، ومَصُون " ، فوزنها الآن إما " مَفعلة " ، إن قلنا : إنَّ المحذوف الواو الزائدة ، وإمَّا " مَفولة " إن قلنا : إن المحذوف عين الكلمة ، وهذا يظهرُ فضل علم التصريف . وقرأ الموودة - بضم الواو الأولى - على أنه نقل حركة الهمزة بعد حذفها ، ولم يقلب الواو همزة . وقرأ الأعمش : " المودة " ، [ بسكون الواو ] ، وتوجيهه : أنه حذف الهمزة اعتباطاً ، فالتقى ساكنان ، فحذف ثانيهما ، ووزنها " المُفْلَة " : لأن الهمزة عين الكلمة ، وقد حذفت . وقال مكي : بل هو تخفيف قياسي ، وذلك أنه نقل حركة " الهمزة " إلى " الواو " لم يهمزها ، فاستثقل الضمة عليها فسكَّنها ، فالتقى ساكنان ، فحذف الثاني . وهذا كله خروج عن الظاهر . وإنما يظهر في ذلك ما نقله الفراء من أن حمزة وقف عليها كالموزة . قالوا : لأجل الخط لأنها رسمت كذلك ، والرسم سُنة متبعة . والعامة على : " سُئِلَت " مبنياً للمفعول ، مضموم السين . والحسن : يكسرها من سال يسال . وقرأ أبو جعفر : " قُتِّلتْ " - بتشديد التاء - على التكثير ؛ لأن المراد اسم الجنس ، فناسبه التكثير . وقرأ عليٌّ وابن مسعودٍ وابنُ عباسٍ - رضي الله عنهم - " سألَت " مبنياً للفاعل ، " قُتِلتُ " بضم التاء الأخيرة والتي للمتكلم ، حكاية لكلامها . وعن أبيّ وابن مسعودٍ - أيضاً - وابن يعمر : " سألتْ " مبنياً للفاعل ، " قُتِلتْ " بتاء التأنيث الساكنة ، كقراءة العامة . فصل في وأد أهل الجاهلية لبناتهم كانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتين : إحداهما : كانوا يقولون : الملائكة بنات الله ، فألحقٌوا البنات به ؛ تبارك وتعالى عن ذلك . والثانية : مخافة الحاجة والإملاق ، وإمَّا خوفاً من السَّبْي والاسْترقَاقِ . قال ابن عبَّاسٍ : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخّضت على رأسها فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وردَّت التراب عليها ، وإن ولدتْ غلاماً حبسته ، ومنه قول الراجز : [ الرجز ] @ 5121 - سَمَّيْتُهَا إذْ وُلِدَتْ تَمُوتُ والقَبْرُ صِهْرٌ ضَامِنٌ زِمِّيتُ @@ وقيل : كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد إبقاء حياتها ألبسها جُبَّة من صوفٍ ، أو شعرٍ ، ترعى له الإبل والغنم في البادية ، وإذا أراد قتلها تركها حتى إذا بلغت قامتُها ستة أشبار فيقول لأمّها : طيِّبيها ، وزيَّنيها حتى أذهب بها إلى أقاربها [ وقد حفر لها بئراً الصحراء ] ، فيذهب بها إلى البئر ، فيقول لها : انظري فيها ، ثم يدفعها من خلفها ، ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض . وكان صعصعة بن ناجية ممن يمنع الوأد ؛ فافتخر الفرزدق به في قوله : [ المتقارب ] @ 5122 - ومِنَّا الذي مَنَعَ الوَائِدَاتِ وأحْيَا الوَئِيدَ فَلمْ يُوأدِ @@ فصل رُوَيَ " أنَّ قيس بن عاصم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله : إنِّي وأدتُ ثماني بنات كُنَّ لي في الجاهليَّة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأعْتِقْ عن كُلِّ واحدةٍ منهُنَّ رقبةٌ " ، قال : يا رسول الله إنِّي صاحبُ إبل ، قال عليه الصلاة والسلام : " فأهْدِ عَن كُلِّ واحدةٍ مِنْهُنَّ بدنَةً إنْ شِئْتَ " " . واعلم أنَّ سؤال الموءودة سؤالُ توبيخ لقاتلها ، كما يقال للطفل إذا ضرب : لِمَ ضُربتَ ، وما ذنْبُكَ ؟ . قال الحسنُ : أراد الله توبيخ قاتلها ؛ لأنها قتلت بغير ذنبٍ . وقال أبنُ أسلمُ : بأي ذنب ضربتْ ، وكانوا يضربونها . وقيل في قوله تعالى : { سُئِلَتْ } معناه : طُلبتْ ، كأنه يريد كما يطلب بدم القتيل ، وهو كقوله تعالى : { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } [ الأحزاب : 15 ] أي : مطلوباً ، فكأنها طلبت منهم ، فقيل : أين أولادكم ؟ . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ المَرْأةَ الَّتي تَقْتلُ ولدهَا تَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مُتعلِّقٌ ولدُهَا بِثَدْيَيِْهَا ، مُلطَّخاً بدمَائِهِ ، فيقُولُ : يا ربِّ ، هذهِ أمِّي ، [ وهذه ] قَتلتْنِي " . والأول قول الجمهور ، كقوله تعالى لعيسى ابن مريم : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ } [ المائدة : 116 ] ، على جهة التوبيخ ، والتبكيت لهم ، فكذلك سؤال الموءودة : توبيخ لوائدها وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها ؛ لأن هذا مما لا يصحّ إلا بذنب ، أي : فبأي ذنب كان ذلك ، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها كان أعظم في البيّنة وظهور الحجة على قاتلها ، وفي الآية دليل على أن الأطفال المشركين لا يعذَّبُون ، وعلى أن التعذيب لا يستحقُّ إلاَّ بذنبٍ . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } . قرأ الأخوان وابن كثير وأبو عمرو : بالتثقيل ، على تكرار النشر للمبالغة في تقريع العاصي ، وتبشير المطيع . وقيل : لتكرير ذلك من الإنسان . والباقون : بالتخفيف . ونافع وحفص وابن ذكوان " سُعِّرت " بالتثقيل ، والباقون بالتخفيف . قوله : { نُشِرَتْ } ، أي : فتحت بعد أن كانت مطويَّة ، والمراد : صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها أعمال العباد من خير أو شر ، تطوى بالموت ، وتنشر في يوم القيامة ، فيقف كل إنسان على صحيفته ، فيعلم ما فيها ، فيقول : { مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 49 ] . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } ، أي قُشرت ، من قولهم : كشط جلد الشَّاة ، أي : سلخها . وقرأ الله " قشطت " - بالقاف - وقد تقدم أنهما متعاقبان كثيراً ، وأنه قرئ : وقافوراً [ وكافوراً ] في { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ } [ الإنسان : 1 ] . [ يقال : لبكت الثريد ولبقته ] . قال القرطبي : " يقال : كشَطْتُ البعير كشْطاً ، نزعت جلده ، ولا يقال : سلخته ، لأن العرب لا تقول في البعير إلا كشطته أو جلدته " ، والمعنى : أزيلت عما فوقها . قال الفراء : طويت . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } ، أي : أوقدت ، فأضرمت للكفَّار ، وزيد في إحمائها يقال : سعرتُ النَّار وأسْعرتُهَا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوقِدَ على النَّارِ ألْفَ سنةٍ حَتَّى اسْودَّتْ فهيَ مُظْلمةٌ " . احتج بهذه الآية من قال : إن النار مخلوقة الآن ؛ لأنه يدل على أنَّ سعيرها معلَّق بيوم القيامة . قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } ، أي : أدنيت وقرِّبتْ من المتَّقِينَ . قال الحسنُ - رضي الله عنه - [ إنهم يقربون منها لا أنها تزول عن موضعها . وقال عبد الله بن زيد ] : زُيِّنت ، والزُّلْفَى في كلام العرب : القُربَة . قوله تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } ، هذا جواب " إذا " أوَّل السُّورة وما عطف عليها ، والمعنى : ما عملتْ من خيرٍ وشرٍّ . وروي عن ابن عباس وعمر - رضي الله عنهما - أنهما قرآها ، فلما بلغا " علمت نفس ما أحضرت " قالا : لهذا أجريتِ القصَّةُ . قال ابن الخطيب : ومعلوم أنَّ العمل لا يمكن إحضاره ، فالمراد : إذا ما أحضرته في صحائفها ، أو ما أحضرته عند المحاسبة ، وعند الميزان من آثار تلك الأعمال ، أو المراد : ما أحضرت من استحقاق الجنَّة والنَّار ، فإنَّ كلَّ نفس تعلم ما أحضرت ، لقوله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } [ آل عمران : 30 ] . والتنكير في قوله : " نَفْسٌ " من عكس كلامهم الذي يقصدون به المبالغة ، وإن كان اللفظ موضوعاً للتقليل ، لقوله تعالى : { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الحجر : 2 ] ، أو يكون المراد : أنَّ الكفار كانوا يتعبُون أنفسهم بما يظنونه طاعة ، ثم يظهر لهم في القيامة خلاف ذلك .